من ثورة إلى ثورة، ومن رئيس لرئيس، وفى ظل محن وهموم ومعاناة عقب ثورتين متتاليتين لم يكف أبدًا الشعب المصري عن إطلاق نكاته الساخرة من الأوضاع التي يعيشها، والتي كانت أداة للتعبير عما يمر به من أحداث، وهذا ما أثبته المصريون في جميع احتجاجاتهم وتظاهراتهم، فلم يكن أمام الشعب وخاصة الطبقات الفقيرة منه سوى النكتة التي يطعن بها الحاكم دون مواجهة مباشرة، بل يمكن القول إن النكتة كانت وقود ثورتى 25 يناير و30 يونيو. النكات كانت بمثابة سلاح الغلابة المعهودين بخفة دمهم، والتي ارتبطت بتأثرهم بالأحداث والأوضاع التي يعيشونها؛ فعبروا بالنكات السياسية الساخرة عن رفضهم سياسة الرئيس المخلوع حسنى مبارك إبان ثورة 25 يناير، والتي اشتملت معظمها على إبراز أسوأ ما في النظام، بل وصل الأمر إلى إخراج النكات التي تجمع الأنظمة العربية الفاسدة، والتي عبر عنها المصريون في صورة حديث بين مبارك والهارب زين العابدين بن على -الرئيس التونسي السابق- حيث قال له المخلوع: "أنتم السابقون ونحن اللاحقون فيما رد عليه زين العابدين: ما تتأخرش علينا.. إنت عارف، الوحدة وحشة". في تلك الفترة، كانت النكات بمثابة النار التي سرت في الهشيم خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، وارتبطت أكثر بتطور الأحداث بل زادت حدتها وسط المعاناة وتوتر الأوضاع، حيث أظهرت هذه النكات التجاوب السريع للذهنية الشعبية مع المستجدات، فربط المصريون بين معاناتهم الحياتية وأسماء مسئولي الحكومة، حين تساءلوا: "ليه رئيس الوزراء اسمه نظيف والتلوث قاتلنا ؟ ليه وزير التربية والتعليم اسمه زكى والعيال أغبيا ؟ ليه وزير المالية اسمه غالى والشعب رخيص ؟ ليه وزير الداخلية اسمه العادلى والشعب مظلوم ؟". أغلب النكات التي ظهرت على الساحة إبان ثورة يناير حملت في مجملها توصيل رسالة عن ظلم الحاكم وفساد الحاشية، بالإضافة إلى الدفاع عن مفجرى الثورة بعد اتهامهم بالعمالة، وذلك نتيجة تحيز الإعلام المصرى في تلك الآونة لنظام مبارك ووصفه الثوار الموجودين في ميدان التحرير بالمأجورين، مما جعل النكته وسيلة لتوصيل رسالة للمصريين وللعالم أجمع عن مدى الظلم الذي تعرض له الشعب وخاصة الطبقات الفقيرة منه، وهو ما ظهر في حوار ساخر بين متظاهرين بميدان التحرير، فقال الأول: "حرام عليكم، أخرتونا ييجي ألف سنة.. ليرد عليه الآخر: أيوه صح، أنا رجعت البيت إمبارح لقيت إخواتى لابسين جلد معيز وبيتنا بقى من البوص". في تلك الفترة، وبعد تداول المزيد من النكات والتي أنشئت لها عدة مجموعات على موقع "فيس بوك" كان هناك تطور ملحوظ في عرض النكتة، وحاجة ملحة لتوصيلها بصورة مضحكة تعبر عن أوضاع الشعب المصرى وخفة دمه الكبيرة، وهو ما ظهر في اتباع "الكوميكات" المصحوبة بالتعليقات والصور الكاريكاتيرية، مما لاقى نجاحا وإقبالا كبيرا من جانب الأطفال والشباب خاصة الأمر الذي أسهم في انطلاق آلاف الكوميكات الساخرة والصور المركبة التي تحمل بداخلها هموم ومعاناة الشعب المصرى تعليقا على الأحداث الجارية، فيما اعتبر البعض هذه النكات ليست سخرية وإنما هي دليل على أن المصريين لديهم القدرة على الضحك في أحلك الظروف. لم يختلف الأمر كثيرا في ثورة 30 يونيو، حيث بقيت النكات وسيلة للتعبير عما تمر به البلاد، مصحوبة بخفة دم الشعب المصرى الذي اعتاد عليها، والتي كانت تظهر أكثر وسط المعاناة، حيث لاحقت النكات الساخرة الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان لا سيما مكتب الإرشاد الذي كان يدير مصر من خلف الستار، وكان يرسل أوامره أولا بأول للمعزول كى ينفذها على الفور، حيث اعتبر المصريون أن البلاد بدأت طريق الانهيار، وظهر ذلك في إحدى النكات، والتي قيل فيها "اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني، واللي خرب مصر كان في الأصل إخوانى". كما طالت النكات جميع وزراء مرسي، والذين اعتبرهم المصريون سببًا في الانهيار الاقتصادى والأزمات الداخلية والخارجية التي تعرضت لها البلاد. الحظ الأوفر من النكات والمزاح كان من نصيب المعزول محمد مرسي، فنال منها نصيبًا فاق سلفه مبارك، لما وجده المصريون في خطاباته من خروج كثيرا عن النص، بالإضافة إلى احتواء خطاباته على عدد من الألفاظ الشعبية التي لا تصح ولا تليق برئيس دولة على الإطلاق، حتى أن الشباب المصري أطلق عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى لتسجيل كل تلك العبارات وتركيبها في صورة كوميكسات أو نكات، غير أن البعض اكتفى بإدراج عبارات المعزول كما هي لما تضمنته من كلمات مضحكة وغريبة، كان منها "لما قعدت مع أهل بورسعيد حسيت إنى عاوز أقعد مع أهل بورسعيد.. أنا عارف مين ييقول إيه وفين عشان ايه.. الواد بتاع الكهربا أبو 20 جنيه، دونت ميكس.. هو الدرنكنج لما بيكون دريفينج مش بيروح السجن.. شايف صبعين ثلاثة بيلعبوا هقطعهم.. احنا بنمص الصدمة.. إذا اضطررت سأفعل وها أنا أفعل.. احنا جلدنا تخين.. عندما زرت دار الأيتام شعرت من داخلى أن والديهم متوفيين.. بشوف الناس واقفين طوابير فى البنزيمة نفسى انزل واقف معاهم"، كل تلك الأقوال والعبارات هيأت للمواطنين والطبقات الفقيرة مناخا لإطلاق النكات الساخرة للتعبير عن تدهور أوضاعهم. لم تتوقف النكات أو السخرية فقط عن التعبير عن الأوضاع بمجرد رحيل مرسي وجماعته الإرهابية، بل إن حكومة الدكتور حازم الببلاوى على الرغم من كونها مؤقتة فإنها نالت نصيبها، وذلك بعد ادعائها تحسين الأوضاع، حيث سخر المواطنون من الحكومة عقب طرحها رغيف الخبز بجنيه وتصريح وزير التموين بقوله "ماحدش ضرب المواطن على إيده علشان يشتريه"، فوصفه شباب التواصل الاجتماعى ب"الرغيف معمول للوزراء فقط". أيضا شهدت الأيام القليلة الماضية مئات آلاف من العبارات والنكات الساخرة تعليقًا على تصريح وزير الزراعة الدكتور أيمن فريد أبوحديد "حققنا الاكتفاء الذاتى من اللحوم البيضاء والبيض، ونسعى لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك في اللحوم الحمراء"، فانطلق عدد من شباب "فيس بوك" إلى التنكيت الساخر من عينة مطالبة وزير الزراعة بمقايضة البيض الذي تنتجه مصر مع إثيوبيا مقابل زيادة حصة مصر في مياه النيل، وذلك تعليقًا على غلاء الأسعار وعدم وضع حلول لمشكلة سد النهضة. العقيد أحمد محمد على -المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة- لم يسلم هو الآخر من تعليقات الشباب المصري، فأمطروه بوابل من النكات الساخرة له ووصفوه ب «المتحدث العسكري الحليوة»، فالمتحدث الوسيم في عيون معجبيه بات عنصر جذب للمؤسسة العسكرية نظرا لوسامته، فما أن يصدر بيانًا عن عملية عسكرية حتى تصدر المعجبات تعليقاتهن.