سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الذكرى الخامسة لرحيل الطيب الصالح.. المتدينون اعتبروه ماجنا والمعربدون وصفوه بالمتدين.. رواياته غزت العالم.."الهجرة للشمال"أدخلته قائمة كتاب أفضل مائة رواية.. وُلِد بالسودان واحتضنته لندن في وفاته
"كان فناء المدرسة "الوسطى" ساكنًا خاويا وقت الضحى، فقد أوى التلاميذ إلى فصولهم، وبدأ من بعيد صبي يهرول لاهث النفس، وقد وضع طرف ردائه تحت إبطه حتى وقف أمام باب السنة الثانية وكانت حصة الناظر "من رواية عرس الزين" للطيب الصالح. الطيب الصالح أديب سوداني الجنسية، ومن أشهر الكُتاب الروائيين العرب، اسمه الطيب محمد صالح أحمد، وُلِد عام 1929 في أحضان قرية كرمكول بإقليم مروي شمال السودان. أطلق عليه النقاد العرب "عبقري الرواية العربية"، عمِل لفترة قصيرة كمدير مدرسة بالسودان، كما عمِل بالقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية فترة كبيرة ثم استقال بعد أن وصل إلى منصب مدير قسم الدراما. وبعد استقالته عاد إلى وطنه الأم السودان ليعمل بالإذاعة هناك، ومن هناك إلى قطر؛ حيث عمل وزيرًا للإعلام، وإلى باريس؛ حيث عمل مديرًا إقليميا بمنظمة اليونسكو. كان تنقل الطيب سببًا أساسيا في إبداعه في روايته الأشهر "موسم الهجرة إلى الشمال"، والتي تعد واحدة من أفضل مائة رواية في العالم، وحازت على العديد من الجوائز، ورغم أنها نُشِرت في أواخر الستينيات، إلى أن صداها ما زال رنانًا في العالم أجمع، فقد تُرجِمت إلى أكثر من ثلاثين لغة. تُرجِم للطيب أيضا روايات عرس الزين، مريود، دومة ود حامد، منسي، وضو البيت، لأكثر من ثلاثين لغة. في أواخر السبعينيات روايته "عرس الزين" تحولت إلى فيلم سينمائي على يد المخرج الكويتي خالد الصديق، وفازت بجائزة في "مهرجان كان". أما رواية "دومة ود حامد" فناقش فيها الطيب مشاكل الفقراء، واستغلال الإقطاعيين لهم، وعدم معرفة الفقراء أنفسهم بحقوقهم، وعدم مطالبتهم بها، وسوء تصرفهم حيال الإقطاعيين. ومن رواياته أيضًا: (وطني السودان، ذكريات المواسم، وخواطر الترحال)، إلى جانب عدد من القصص القصيرة، كما كان له باع طويل في الصحافة؛ حيث خصصت له صحيفة "المجلة" عمودًا بشكل أسبوعي، وهي صحيفة لندنية تصدر باللغة العربية، وظل يكتب بها طيلة عشر سنوات. كما أصدر كتاب مقدمات، والذي وضع به كل مقدمات كتبه. وتقديرًا لدور الصالح في الكتابة والأدب طوال سنوات عمره، خُصِصت في فبراير 2011 بعد وفاته بعامين، جائزة تحمل اسمه (جائزة الطيب الصالح العالمية للإبداع الكتابي) في مجالات الرواية والقصة القصيرة والنقد. ومن أبرز ما كتبه الصالح: "إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة، أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر، ثمة آفاق كثيرة لا بد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تُقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملًا واضحة بخط جريء" من رواية موسم الهجرة إلى الشمال. "أي ثمن باهظ يدفعه الإنسان حتى تتضح له حقيقة نفسه وحقيقة الأشياء" من رواية مريود. وقال الطيب عن نفسه: "أنا إنسان بسيط، المتدينون يعتبرونني ماجنًا والمعربدون يحسبونني متدينًا". وافته المنية في أحضان لندن 18 فبراير 2009، وانتقل جثمانه ليدفن في السودان 20 فبراير؛ حيث شيع جثمانه رجال الدولة والفنانون والوزراء والبارزون في المجتمع، ولم يعلن التليفزيون السوداني ولا الإذاعة السودانية الحداد عليه، بل اكتفت بتداول الخبر في النشرات والصحف. الإذاعة السودانية التي عمِل بها الطيب وقدم لها أفضل ما عنده، بعد عمله الطويل في هيئة الإذاعة البريطانية.