"إن مصر ليست مجرد وطن نعيش فيه بل هي وطن يعيش فينا".. عبارة شهيرة للمتنيح قداسة البابا شنودة أربكتنى وجعلتنى أفكر فيها وسط حالة الفوضى والتوهان التي نعيشها هذه الأيام.. وحاولت أن أتعرف على معنى كلمة الوطن الذي يسكن بداخلى لأعرف بماذا كان يشعر قداسة البابا.. وفى أي حالة سلام داخلى وتصالح مع النفس ومع الغير عندما قال هذه العبارة. وفى رحلة البحث النفسى والوجدانى هذه وجدتنى أعود سنين إلى الوراء إلى مرحلة الطفولة البريئة حيث العواطف الجياشة وأتتبع صدي صوت كان يتردد دائمًا بداخلى وما زال أسمع صداه يرن في أذنى إلى الآن ويمنحنى شحنة حماسية في معنى حب الوطن ويجعلنى أردد وراءه (نموت نموت وتحيا مصر) و(سعد سعد يحيا سعد).. هل تعرف صوتا من هذا؟ أنه صوت فهمى الشاب الثورى في إحدى روائع ثلاثية نجيب محفوظ والذي رصد فيها الروائى الكبير مرحلة ثورة 1919 والذي كان بطلها الزعيم الخالد سعد زغلول بطل هذه الحقبة من تاريخ مصر مرحلة عاش فيها الهلال مع الصليب بجد وأصبحا معًا شعارًا وهتافًا لهذه الثورة. كم أحببت فهمى هذا الشاب الثورى الحالم بالحرية لوطنه من الاحتلال الإنجليزى الغاشم الرابض في أراضيه وصدقته كثيرًا وأنا أراه يجسد معنى عشق الوطن والحلم بالحرية الضائعة.. وكم بكيته كثيرًا وأنا أراه يتهاوى أمامى على الشاشة صريعًا.. إلا إنني خلدته في ذاكرتى ووجدانى لأنى معه وأنا في هذه المرحلة السنية الصغيرة عرفت معنى كلمة الوطن. وقد تعرفت بالطبع على أبطال هذه المرحلة من كتب التاريخ ومن الأفلام الروائية التي جعلتنا نعيش معهم آلامهم وأحلامهم.. أيام كانت فيها كل سيدات مصر كلهن أمينة الخاضعة لزوجها سى السيد ولكن رغم هذا خرجن كلهن في الثورة يحلمن بالحرية جنبا إلى جنب مع الرجال تحت راية زعيم واحد لا تحرش ولا متحرشين كانوا بالفعل حرائر لهذا الزمان وبموت سعد زغلول ظهر أبطال وزعماء آخرون كان من أشهرهم جمال عبد الناصر زعيم ثورة يوليو 1952. ومع هتاف( تحيا مصر) والذي أصبح هتاف الثورة تذكرت الريس عبد الواحد الجناينى في قصر البرنس والذي اتفكت عقدة لسانه مع قيام الثورة وعلىِ يا( ويكا) ابن الجناينى الذي كان يحب إنجي بنت البرنس في رائعة يوسف السباعى "رد قلبى" والتي كانت خير تجسيد لثورة يوليو وهذه المرحلة من عمر مصر. لقد كان المصريون يعشقون جمال عبد الناصر وعندما تعرض لمحاولة اغتياله في حادث المنشية 1954 بالإسكندرية على يد جماعة الإخوان المسلمين هتف له الشعب بالروح بالدم نفديك ياجمال لقد كان يعلم أن هذا التنظيم الذي يبدو في ظاهره جماعة دعوية هو تنظيم إرهابى يتربص بالأمن القومي فحجمهم وأودعهم السجون والمعتقلات. ورغم نكسة يونيو 67 ومحاولة عبد الناصر التنحى عن الحكم إلا أن الشعب ضرب أروع مثل في حب الوطن وحب القائد والزعيم وكانت جنازة عبد الناصر أروع مثل على هذا الحب.. وكان هتاف الوداع ياجمال ياحبيب الملايين هو رمز وعنوان لهذه المرحلة من تاريخ مصر وبعد مرحلة عبد الناصر تولى الحكم زعيم آخر هو أنور السادات وفى عصره كانت حرب أكتوبر 1973. وكانت هذه المرحلة هي أزهى عصور جماعة الإخوان المسلمين فقد أخرجهم السادات من السجون وسمح لهم بالتواجد في الحياة السياسية فسيطروا على الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية.. وكما يقال لكل جواد كبوة كانوا هم كبوته وتم اغتياله على أيديهم في حادث المنصة الشهير أثناء احتفاله بذكرى انتصاره في 6 أكتوبر 1981. وخلال ثلاثين عاما هي مدة حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك كان يهادنهم.. ورغم الاغتيالات والعمليات الإرهابية التي قاموا بها في فترة التسعينيات إلا أنه كانت له اليد العليا عليهم فكان يحاكمهم عسكريا من وقت لآخر ويجعلهم ورقة في يده لتهديد الغرب. وبعد قيام ثورة 25 يناير2011 وخلع حسنى مبارك استطاعوا ركوب الثورة بعد هروبهم من السجن ووصل أحد أعضائهم إلى الحكم وهو الدكتور محمد مرسي وكان عامًا أسود من تاريخ مصر لقي فيه الشعب الكثير من الذل والهوان.. ولأنه شعب فُطِم على حب الوطن انتفض من غفلته وقرر بتر العضو الفاسد من جسده وظهر قائد آخر، وزعيم وبطل وهو المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع الذي انحاز لجانب الشعب لتحريره من محنته وخرجت الملايين إلى الشوارع في 30 يونيو2013 لتجيب بهتافاتها التي هزت أرجاء الكرة الأرضية يعنى إيه سلطة شعب ويعنى إيه كلمة وطن؟ ومع بداية عام 2014 وبعد إقرار الدستور تستعد مصر الآن لاختيار رئيسها المرتقب بعد إعلان ترشحه لتقول له نعم سيادة المشير أنت بطلنا لهذا الزمان نعم معك سنردد من جديد قول البابا "إن مصر وطنٌ يسكن فينا" ولذا قد فوضناك.