شهدت الاحتفالات بالذكرى الثانية للثورة التونسية، أحداثًا ساخنة، حيث هاجم نشطاء تونسيون الرئيس التوافقي عبد المنصف المرزوقي، وطردوه من الاحتفال، قائلين "ليس لديكم سلطة ولا هيبة ما دمتم لا تخدمون مطالب الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية". وتساءل النشطاء السياسيون وعائلات الشهداء والجرحى أمام المجلس التأسيسي تزامنا مع الذكرى الثانية للثورة أين من يسمون أنفسهم برابطة حماية الثورة؟ وإن لم تكونوا مع عائلات الشهداء فمن تحمون إذن؟ واندلعت شرارة الثورة التونسية قبل عامين في مثل هذا اليوم 17 من ديسمبر 2010، وكانت بمثابة البداية لما يعرف ب"بثورات الربيع العربي"، وكانت المفارقة أنها لم تنطلق مما يعرف بالدول "المركز العربي" (مصر، العراق، سورية) ولكنها انطلقت من الدول "الأطراف". المفارقة الأخرى أنها لم تنطلق من مركز الأطراف وإنما من أطراف الأطراف، فمدينة "سيدى بوزيد"، مدينة هامشية في أقصى الجنوب التونسي، كما أن مشعل هذه الثورات، الذي أُعيد بواسطته كتابة التاريخ العربي لم يرد ذلك ولم يكن معنيا لا بالثورة ولا بالسياسة ولا بالتغيير. كان محمد البوعزيزي، الذي لم يكمل تعليمه شابا بسيطا، ليس له اهتمامات في حياته عدا تدبير قوت يومه والعيش على الكفاف لكن المفارقة الأهم هي أن من يمكن اعتباره البطل الحقيقي لثورات الربيع العربي هذا الشاب التونسي من مدينة سيدي بوزيد، كان يجلس على رصيف الباعة المتجولين أمام قصر الولاية في سيدي بوزيد، ويوم الجمعة 17 من ديسمبر2010 أشعل البوعزيزي النار في جسده، ليحترق مع هذا الجسد النحيل أنظمة عربية دكتاتورية كانت تمارس القهر على شعوبها. التاريخ اختار لبوعزيزي رسالة إلى شعوب ليتحول الخوف لديها إلى أمل في التغيير، ليقرأها التونسيون أولا والعرب ثانيا وشعوب العالم ثالثا. "علي البوعزيزي"؛ هو شاب تونسي ناشط حقوقي ونقابي من أبناء سيدي بوزيد يحلم بالتغيير ويعمل من أجله، متعلم ومتمرد، عندما نشر خبر إشعال محمد البوعزيزي النار في جسده أمام قصر الولاية، كان «علي» أول من التقط شرارة النار من جسد محمد، وأطلق منها نداء الاحتجاج والتظاهر وأول من نشر خبر "إحراق البوعزيزي نفسه" على "فيس بوك" وأول من صور الاحتجاجات بواسطة هاتفه النقال، وأول من دفع عربة الاحتجاجات إلى المدن المجاورة ك"الرقاب" و "أبوزيان" وأول من تعرض للاعتقال والضرب من قبل الأمن التونسي وأول من انسحب إلى الصفوف الخلفية وتوارى بعيدا عن الأنظار والأضواء. وعلي البوعزيزي يجلس اليوم وقد مضى عامان على الحادثة التي أطلقت شرارة ثورات الربيع العربي، يجلس بعيدا عن الأضواء وعن صخب السياسة وجدل وصراع السلطة في بلده تونس، ويعتبر أحد جنود الثورة التونسية المجهولين. وكما في الثورة المصرية ظل تحدي العلاقة بين رموز النظام السابق والنظام الجديد وكيفية استيعاب هؤلاء وفقا لمشروع العدالة الانتقالية، حيث استمر عدد كبير من رموز نظام بن علي ضمن إدارة الدولة التونسية ومنها الحكومة وهو ما أثار الشارع التونسي وأصابع الثورة المضادة وإثارة الفتنة بين السلفيين والنهضويين، خاصة بعد أن تصدر السلفيون المشهد في الصراع التقليدي بينهم وبين الليبراليين على تقرير هوية المجتمع التونسي، إما الحفاظ على هويته المدنية العلمانية أو تغييرها تجاه الهوية الدينية. ورغم أن حركة النهضة التي تتسم بالبرجماتية تقدم نفسها كحركة وسطية بين الإثنين، إلا أنها لم تستطع التوفيق بين ما يشهده المجتمع التونسي الآن من تناقضات. وكانت سياسات الحكومة التونسية تتكون من الائتلاف الثلاثي الذي يجمع بين الإسلاميين واليساريين ويتكون من حزب النهضة وحزب المؤتمر وحزب التكتل، وهي لم تلبِّ التوقعات المتزايدة للشباب التونسي في إيجاد حياة كريمة بعد ثورتهم الكبيرة. وحدث تراجع اقتصادي تزامن مع تزايد التعدي على الحريات، خاصة الحريات الصحفية والإعلامية والتي عكسها اعتقال رئيس تحرير صحيفة "التوانسة" وموجة الاعتقالات في الكثير من المدن التونسية، ولذلك بدأ المشهد التونسي يتجه صوب التصاعد وانتشار الاحتجاجات. ومؤخراً شهدت ولاية سليانة مظاهرات عدة ونجم عنها أكثر من 300 جريح، وأعادت تلك التظاهرات ذكريات ومشاهد اندلاع الثورة التونسية قبل عامين في مدينة سيدي بوزيد، وألقت تلك المظاهرات بظلالها على حقيقة المشهد التونسي ومصير الثورة التونسية بعد عامين ولماذا تتعثر حتى الآن في تحقيق أهدافها في ظل طموحات وتوقعات متزايدة من الشعب التونسي، مما دفع الكثير من التونسيين لرفض سياسة الرئيس التوافقي المرزوقي بل وطرده من الاحتفالية الشعبية التي قاموا بعملها. وقد انتقلت احتجاجات سليانة إلى مدن أخرى مثل صفاقس وسبيطلة وسيدى بوزيد والكاف والقيروان، والتي طالبت باستقالة رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة حمادي الجبالي؛ وتسببت أحداث سليانة في دعوة الاتحاد العام التونسي للتشغيل إلى إضراب عام من الشهر الحالي، وأحدثت هزة في البلاد، حيث كان الإضراب سيتم الخميس 13 ديسمبر وقال عنه المحللون إنه كان سيسبب مخاطر على الأمن، وما كان سيتبعه من عواقب ضخمة، ولكن تم التخلي عن هذا الإضراب العام إثر اتفاق بين الحكومة والاتحاد التونسي للشغل-أكبر منظمة نقابية في البلاد- ورغم بوادر انفراجة الأزمة التونسية بعد دعوة الرئيس المنصف المرزوقي للحكومة للتعديل وتشكيل حكومة كفاءات وطنية بعد تزايد مطالب المعارضة والمتظاهرين باستقالتها، واستجابة الجبالي لهذا الطرح، إلا أنه يواجه تحديين؛ الأول: هو أن الرئيس المرزوقي بموجب الإعلان الدستوري لا يمتلك صلاحية تعديل الحكومة، حيث إن ذلك من اختصاص رئيس الوزراء ذاته ومن اختصاص المجلس التأسيسي، والثاني أن حكومة الجبالي ترى أن صيغة تعديل الحكومة تحت ضغط المظاهرات لا يعد ديمقراطيًّا، كما أنها تتهم المعارضة اليسارية، مثل الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي وشكري بلعيد واتحاد الشغل التونسي، بمسئولية التحريض ضد الحكومة وإثارة الفتنة بين السلفيين والنهضويين. وهذا دعا حزب الجبهة الشعبية التونسي المحسوب على اليسار الاشتراكي، إلى تنظيم احتجاج سلمي اليوم الإثنين في محافظة سيدي بوزيد بدل نصب الاحتفالات بالذكرى الثانية لاندلاع الثورة التونسية. لتؤكد التنسيقية الجهوية للحزب في محافظة سيدي بوزيد وقالت: "إن الدعوة إلى الاحتجاج موجهة إلى كل العاطلين والفقراء بالجهة"؛ حيث طالب عضو التنسيقية بالجهة لزهر الغربي في تصريح إذاعي الأحد أهالي سيدي بوزيد إلى مقاطعة الاحتفالات "النوفمبرية" للسلطة، نسبة إلى احتفالات السابع من نوفمبر التي كان يحييها النظام السابق تحت حكم الرئيس زين العابدين بن علي كل عام بمناسبة ذكرى استلامه للسلطة، ودعت الهيئة الجهوية لحماية ثورة 17 ديسمبر في بيان لها أهالي سيدي بوزيد إلى وقفة احتجاجية سلمية في إطار احتفالاتها بالدورة الثانية لمهرجان الثورة. https://www.facebook.com/photo.php?v=398579210222442&set=vb.205638176156353&type=2&theater رابط طرد المرزوقي من الاحتفال