"ثورة الجياع".. كلمتان ترددتا كثيرًا خلال الأشهر الأخيرة، ما بين مؤيد ورافض لإمكانية حدوثها فى مصر على خلفية الأزمة الاقتصادية والسياسية المتزايدة التى تعانى منها البلاد منذ اندلاع ثورة 25 يناير. واللافت أن أول ثورة جياع سجلها التاريخ كانت مصرية، وأطاحت بملك فرعونى حقق انتصارات عدة لبلاده، وهو الملك بيبى الثانى، فحسب ما ورد فى بردية "إيبوير" حدثت مجاعة وفقر مدقع فى عهد هذا الفرعون، ما أدى إلى اندلاع ثورة شعبية ضده، وكذلك حسب ما ورد فى حجر جنوب سقّارة وهرم بيبى الثانى ونصوص الأهرام التى وجدت فى أهرامات عائلة الملك بيبى الثانى فى جنوب سقّارة من وصف لحياة هذا الفرعون. ووفقًا لما جاء فى بردية "إيبوير" "بدأت المأساة بضعف الملك بيبى الثانى لعجزه وتقدمه فى السن وغيابه عما يجرى حوله وتسليمه بأكاذيب المنافقين من حوله، فاستقل حكام الأقاليم بأقاليمهم واستبدوا بالأهالى، وفرضوا المكوس الجائرة، ونهبوا الأقوات، وأهملوا أى إصلاح للرى والأرض، وانضم إليهم الكهنة حرصًا على أوقافهم، يبيحون لهم بفتواهم الكاذبة كل منكر، غير مبالين بأنات الفقراء وما يعانون من قهر وذل وجوع، وكلما قصدهم مظلوم طالبوه بالطاعة والصبر ووعدوه بحس الجزاء فى العالم الآخر، وبلغ منا اليأس غايته، فلا حاكم يعدل، ولا قانون يسود، ولا رحمة تهبط، فانطلقت بين قومى أدعوهم إلى العصيان ومحاربة الظلم بالقوة، وسرعان ما استجابوا إلى النداء، فحطموا حاجز الخوف والتقاليد البالية، ووجهوا ضرباتهم القاتلة إلى الطغاة والظالمين وسرت النار المقدسة إلى جميع البلاد وانطلقت قذائف الغضب الأحمر على الحكام والموظفين ورجال الدين والمقابر". كما اندلعت ثورة جياع أخرى فى عهد رمسيس الثالث بعد تردى الأوضاع المعيشية للمصريين، فوفقًا لمصادر تاريخية، شهدت مصر ثورة شعبية عارمة فى العام التاسع والعشرين من حكم هذا الفرعون وكان أبطال الثورة العمال، وقد اندلعت الثورة نتيجة انخراط رمسيس الثالث فى أواخر أيامه فى الملذات، وارتفاع الأسعار، ما أدى إلى تأخر صرف أجور العمال، وتدهورت الأمور لتتحول إلى ثورة حقيقية. ولم يقتصر الأمر على عصور الفراعنة، فقد شهدت مصر الإسلامية ثورة جياع فى عهد عبدالله بن عبدالملك بن مروان أطاحت به من فوق كرسى الحكم، ليخرج منها هاربًا إلى مقر الخلافة الأموية بدمشق، حيث ألقى القبض عليه فى الطريق بتهمة رشوة أحد الولاة من أجل السماح له بعبور أرض إمارته إلى مقر الخلافة. وشهدت الدولة الإخشيدية فى مصر ثورات جياع أدت فى نهاية المطاف إلى سقوط هذه الدولة، ومطالبة المصريين للفاطميين بالقدوم إلى مصر ليبدأ عهد الخلافة الفاطمية التى تعرضت أيضًا لثورة جياع، ففى عهد الخليفة المستنصر بالله حدثت مجاعة وقحط شديد، ولم يكن أمام المستنصر للخروج من هذه الأزمة العاتية سوى الاستعانة بقوة عسكرية قادرة على فرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة التى مزقتها الفتن وثورات الجند، وإنهاء حالة الفوضى التى عمت البلاد، فاتصل ببدر الجمالى واليه على "عكا"، وطلب منه القدوم لإصلاح حال البلاد، فأجابه إلى ذلك، واشترط عليه ألا يأتى إلا ومعه رجاله، فوافق الخليفة على شرطه. وما إن حل بدر الجمالى بمدينة القاهرة حتى تخلص من قادة الفتنة ودعاة الثورة، وبدأ فى إعادة النظام إلى القاهرة وفرض الأمن والسكينة فى ربوعها، وامتدت يده إلى بقية أقاليم مصر فأعاد إليها الهدوء والاستقرار وضرب على يد العابثين والخارجين، وبسط نفوذ الخليفة فى جميع أرجاء البلاد. ولم تقتصر ثورات الجياع فى مصر على العصور القديمة، ففى 17 و18 يناير 1977 شهدت مصر بدايات ثورة عرفت ب "انتفاضة الخبز"، حيث انتفض المصريون ضد الرئيس الراحل أنور السادات بسبب رفع سعر رغيف 5 مليمات، وخرجوا فى تظاهرات ملأت شوارع القاهرة وعددًا من المحافظات. كان قرار رفع سعر الخبز ضمن حزمة قرارات اقتصادية منها رفع الدعم عن حزمة من السلع الغذائية والتموينية، مثل الأرز والزيت والسكر والشاى والبنزين وسلع أخرى، وسريعًا انفجر بركان الغضب فى الأوساط العمالية، أولًا فى منطقة حلوان وتحديدًا فى شركة "مصر حلوان" للغزل والنسيج والمصانع الحربية، وفى مصانع الغزل والنسيج فى شبرا الخيمة وعمال الترسانة البحرية فى الإسكندرية، كما اندلعت مظاهرات شعبية غاضبة تهتف ضد الجوع والفقر، وامتزجت مظاهرات العمال والكادحين بمظاهرات طلاب الجامعات والفقراء . وشهدت هذه المظاهرات أحداث عنف ضد مقار الهيئات والمصالح الحكومية وأقسام الشرطة واستراحات الرئاسة بطول مصر وعرضها، ما اضطر الرئيس الراحل أنور السادات إلى إلغاء اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكى آنذاك هنرى كيسنجر، وهاجمت قوات الأمن المتظاهرين، وكان أغلبهم من قوى اليسار والشيوعيين، وتم اعتقال أعداد كبيرة منهم . ولم تتوقف المظاهرات والاحتجاجات على مدار يومين، ما اضطر السادات إلى التراجع عن قراراته، التى أحدثت عاصفة فى مصر، وأمر بنزول قوات الجيش بعد أن عجزت الشرطة عن مواجهة المتظاهرين وتم فرض حظر التجوال، وخرج السادات على التليفزيون ليصف هذه الانتفاضة ضد الفقر والجوع وزيادة الأسعار ب "انتفاضة الحرامية". وقد عاشت مصر طوال 30 عاما هى حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى فقر ونهب وفساد، حيث ازداد الفقراء فقرا والأغنياء غنى، غير أن ثورة جياع لم تقم طوال سنوات عهده لتأتى ثورة 25 يناير التى كانت ثورة سياسية بامتياز، ورغم هذا فإن أول شعاراتها "عيش – حرية – عدالة اجتماعية" ضم أحد عناصر ثورة الجياع وهو "عيش" . أما عصر الرئيس الإخوانى محمد مرسي، الذى ترفل فيه مصر حاليا فيبدو فيه الفقراء على شفى الانفجار غضبا بعد تردى الأوضاع الاقتصادية بصورة غير مسبوقة، وانخفاض الاحتياطى النقدى، وتزايد عجز الموازنة، وجنون الأسعار واعتزام الحكومة رفع الدعم عن السلع الغذائية والتموينية, وتخصيص 3 أرغفة لكل مواطن يوميا رغم أن السجين يحصل على 5 أرغفة يوميا أقرها له حبيب العادلى – وزير الداخلية الأسبق ونزيل سجن طرة - فى عصر الرئيس المخلوع حسنى مبارك . "فيتو" تقدم فى هذا الملحق ثورات الجياع فى مصر منذ عهد الفراعنة وحتى انتفاضة الخبر فى يناير عام 1977، ومدى إمكانية حدوث ثورة جياع جديدة على خلفية الأزمة الاقتصادية المتصاعدة وجنون الأسعار وزيادة معدلات الفقر فى بر مصر، ونرسم سيناريو هذه الثورة – فى حال حدوثها – وكيف سيهاجم الفقراء ساكنو الأحياء العشوائية الأحياء الغنية ، فضلا عن مجموعة من الحوارات المتخصصة مع عدد من خبراء الاقتصاد وعلم الاجتماع، الذين يحللون بالمعلومات إمكانية حدوث ثورة جياع، وتفاصيل أخرى مثيرة. لقراءة ملحق العدد اضغط هنا