شركة مياه الجيزة تكشف لتليفزيون اليوم السابع موعد عودة الخدمة.. فيديو    بحضور 4 آلاف مشاهد.. افتتاح المهرجان الصيفي للأوبرا في الإسكندرية بحضور وزير الثقافة والمحافظ    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بمدينة الخانكة    وزير الزراعة: تجاوز صادرات البطاطس 1.3 مليون طن للمرة الأولى    وزير السياحة: ارتفاع معدل إنفاق السائحين... وتوقعات بتجاوز حاجز 18 مليون زائر بنهاية العام    خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء.. " كامل الوزير" يستعرض خطة تطوير الطريق الدائري الإقليمي    الحوثيون يعلنون عن خطوات تصعيدية جديدة ردا على الحرب فى غزة    رابطة العالم الإسلامي: مؤتمر "حلّ الدولتين" فرصة للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ    إسرائيل تفرض رقابة عسكرية مُشددة على المُراسلين الأجانب الراغبين في دخول غزة    مقتل 4 على الأقل إثر خروج قطار يحمل نحو 100 راكب عن مساره جنوب ألمانيا    الاحتلال يقصف حَيَّيْ التفاح والشجاعية في مدينة غزة    تمارا حداد: الهدنة الإنسانية.. خطوة سياسية تكتيكية لشرعنة الحصار واستمرار الحرب على غزة    مستشار ترامب ل "الفجر": إيران تلقّت ضربة عسكرية مباشرة بأمر من ترامب بسبب برنامجها النووي    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    الصفاقسي التونسي يعلن تعاقده مع علي معلول.. والتفاوض مع لاعب الزمالك    جدول مباريات الزمالك في الدور الأول من الدوري المصري الممتاز موسم 2024-2025    الغندور يعلن رحيل نجم الزمالك.. ويكشف وجهته المقبلة    رضا عبدالعال: «القرعة ظالمة ومعمولة علشان الأهلي ياخد الدوري»    الأرصاد تحذر من ارتفاع الأمواج في عدد من الشواطئ (تعرف عليها)    إصابة 5 أشخاص بحادث انقلاب سيارة في البحيرة    صور حادث تصادم قطار خط المناشي بجرار زراعي في البحيرة    القبض على عاطلين متهمين بهتك عرض زميلهم بشبين القناطر    السيطرة على حريق اندلع بمحيط فيلا في منطقة الشيخ زايد    في أولى جولاته الميدانية.. مدير أمن سوهاج الجديد يتفقد عددًا من المواقع الشرطية بالمحافظة    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات الطب البيطري 2024 المرحلة الأولي بالنسبة المئوية    أحمد نبيل: تعليم الأطفال فن البانتومايم غيّر نظرتهم للتعبير عن المشاعر    وزير السياحة: ترخيص 56 وحدة فندقية جديدة و60 طلبًا قيد الدراسة    «اللي بيتكلم مجنون».. مدحت شلبي يهاجم مسؤول في الأهلي بتصريحات قوية    متخليش الصيف ينسيك.. فواكه ممنوعة لمرضى السكر    معاناة حارس وادي دجلة محمد بونجا.. أعراض وأسباب الإصابة ب الغيبوبة الكبدية    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. استشهاد 4 فلسطينيين فى قصف الاحتلال على خان يونس.. هزات أرضية وصلت ل3.8 درجة بمقياس ريختر فى ميانمار.. مقاتلون سابقون فى طالبان نقلوا لبريطانيا حفاظا على سلامتهم    طه عزت: الموسم المقبل بلا تأجيلات.. وهناك تنسيق مع حسام حسن بسبب الأجندة الدولية    عقب مصرع مدير أمن الوادي الجديد.. وفاة رقيب شرطة متأثرا بإصابته فى حادث المنيا    دفاع أحد ضحايا سفاح المعمورة بعد الحكم بإعدامه: طالبنا بتعويض مدنى مليون جنيه    مدرب بيراميدز عن موعد مباراة دجلة: اللعب فى حرارة 45 درجة تهديد لصحة اللاعبين    ثروت سويلم: لا يوجد خلاف بين اتحاد الكرة ورابطة الأندية.. ولا تأجيلات فى الدورى    أخبار × 24 ساعة.. توقعات بارتفاع الحد الأدنى لتنسيق كليات علمى من 1 ل2%    تنسيق الثانوية العامة 2024 علمي علوم بالنسبة المئوية المرحلة الأولى (جدول)    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    المعهد القومي للكبد: مصر حققت إنجازًا عالميًا في القضاء على فيروس "سي"    «قالوا لي إني ميتة».. أنوار تروي مأساة 9 سنوات انتهت باختفاء الزوج ووقف المعاش    حددت شروطا للظهور به وارتدته وخلعته قبل 11 عاما.. قصة سما المصري مع الحجاب بعد «فيديو البكاء»    سعر الدولار فى التعاملات الصباحية اليوم الاثنين 28-7-2025 فى البنوك    شروط القرض الشخصي لأصحاب المهن الحرة في البنك الأهلي    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    بعد توقف 11 عاما.. رئيس حقوق الإنسان بالنواب يُشارك في تشغيل مستشفي دار السلام    رغم ارتفاع درجات الحرارة.. قوافل "100 يوم صحة" تواصل عملها بالوادى الجديد    رفضت عرسانًا «أزهريين» وطلبت من زوجها التعدد.. 19 معلومة عن الدكتورة سعاد صالح    في الحر الشديد.. هل تجوز الصلاة ب"الفانلة الحمالات"؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ الوادي الجديد ينعى مدير الأمن الراحل إثر حادث سير بالمنيا    جامعة أسيوط تشهد فعاليات اللقاء العلمي "GEN Z ANALYSTS" بكلية التجارة    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    البابا تواضروس يصلي القداس مع شباب ملتقى لوجوس    محافظ الغربية يكرم أوائل الثانوية الأزهرية بالجمهورية من أبناء المحافظة    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    وزارة التربية والتعليم تعلن بدء تحويلات المدارس الدولية IPS    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى تمجيد ثورات الجياع
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 07 - 2012

«أصبح الفقراء ملاكا للثروة، وذلك الذى لم يكن يستطيع الحصول على صندل لقدميه صار صاحب ثروة. فى الحقيقة القلوب عنيفة والوباء عم الأرض، الدم فى كل مكان، الموت لم يعف بيتا وحتى أغطية الموميات تتكلم حتى قبل أن يقترب منها المرء»، هذه الكلمات من نص شعرى حملته بردية مصرية قديمة تسمى «معاتبات ايبوير». يتحدث مؤلفها الشاعر عن ثورة للعبيد والجياع قلبت الأوضاع على الفرعون. ويقول المؤرخون إنها قد تكون تنهيدة حزن بعد أن قامت الثورة أو تحذيرا استباقيا للفرعون الغافل قبيل حدوثها. لكن البردية تشترك مع عدد غير قليل من مثقفى وكتاب ومحللى وسياسيى نفس البلد بعد قرون وقرون، ممن يحذروننا من «ثورة للجياع» ستلتهم الأخضر واليابس فى مصر وتلقينا فريسة ل«عوام» لا يعترفون بقيمة، ولا يرفعون لواء قضية عليا.

ولقد رُفعت أفكار مشابهة لما يرفع الآن، فى الماضى غير البعيد حينما أطلق أنور السادات على انتفاضة يناير 1977 اسم «انتفاضة الحرامية». وهى أفكار غالبا ما ترفع لتثبيت فكرة أن طبقات الحكم المسيطرة والنخب المتحالفة معها بصورة أو بأخرى هى وحدها حاملة الرقى والعلم والقيم الأخلاقية وبالطبع.. الحقيقة.

تصف عالمة المصريات ميريام ليشتهايم فى كتابها عن الأدب المصرى القديم بردية معاتبات ايبوير بأنها آخر وأطول وآخر التعبيرات عن تيمة «النظام فى مواجهة الفوضى»، وأكثرها مبالغة «وبالتالى أقلها نجاحا»، على حد تعبيرها. كتبت هذه البردية لتصف كارهة ثورة الفقراء العوام العبيد الجياع ممن أطاحوا بحكم بيبى الثانى نفر كا رع من الأسرة السادسة. وهو فرعون وصل إلى العرش وعمره 6 سنوات ويقدر الباحثون أنه حكم فترة بين 64 و94 عاما وأن أمه كانت الوصية عليه كما أن خاله الامير والوزير «جاو» كان صاحب اليد العليا فى تصريف أمور البلاد. ترهل حكم بيبى بطول فترة حكمه (طالما داعبنى الصديق الصحفى فؤاد منصور بالسابقة التاريخية فى إشارة لإمكانات امتداد حكم حسنى مبارك) وفقدت العاصمة السيطرة على الأقاليم. فعمت الفوضى ليذوق العمال والفلاحون الأمرين. وما أن واتتهم الفرصة للتعبير عما تجيش به صدورهم حتى قاموا بثورة اجتماعية عارمة رافضين كل مافى المجتمع من ظلم وفساد.


ألم تكن ثورة يناير ثورة «جوعى» العصر؟

لم يسمح فقراء مصر من منتجيها الذين طحنتهم آلة الاستغلال، التى احتكرت الثروة والكلمة والتعليم ثم التحدث الفاجر باسم الفضيلة، بأن يمتد حكم بيبى العصر الحديث لأكثر من 30 عاما ليفاجأوا بمحاولة من اليوم الأول لانتزاع ثورتهم الناجحة منهم. بدأت برديات القرن الحادى والعشرين بتوصيف هذه الثورة التى شارك فيها الملايين بتوصيفات تحتكر كل ما هو نبيل فيها لمن يحكمون والقيم التى تمثلهم والصور الذهنية التى تعبر عما يفضلونه لأنه لا يتعارض مع مصالحهم والتعبير الثقافى والشخصى عنها فى نمط الحياة. فوُصفت ثورتهم بثورة «الشباب» و«الفيس بوك»، وثورة «التحرير» وليس مصر وليس المحافظات، التى همشت ماكينة التنميط شكل ولهجة ومظهر وحياة وقيم الذين يعيشون فيها لحساب نمط حياة أغنياء الصفوة. (لاحظ هنا الحملة الكريهة التى شنها مثقفو الصفوة من مدعى الليبرالية على مظهر وتعليم «أم أحمد» زوجة الرئيس المنتخب).

والحقيقة أن الجذور الاقتصادية الاجتماعية للثورة المصرية واضحة لا شك فيها كما تبدت فى طموحات الثائرين الطامحين للعدالة الاجتماعية (استطلاعات الرأى العلمية المختلفة التى أجريت تؤكد هذا تماما). ولا يمكن الفصل بين التحولات الاقتصادية العميقة لاجتراف الثروة على حساب الأغلبية عن الأطر السياسية الأمنية الفجة التى حكمت مصر. ويظهر التماهى بين ماحدث فى مصر وبين سلسلة الثورات التى حدثت فى أمريكا اللاتينية فى أعقاب تطبيق نفس السياسات هناك (بفجوة زمنية عشر سنوات) أن ماحدث عندنا ليس استثنائيا بالمرة. بل إن انفجار الثورة العربية فى كل من مصر وتونس، وهما درتا تاج التحرير الاقتصادى والدولتان اللتان مضتا أكثر من غيرهما يؤكد هذا أيضا.

ليس هذا فقط بل إن انتصار هذه الثورة ونجاحها فى الإطاحة بمبارك ومحاصرة نظامه تمهيدا لمعركة جديدة لم يكن ليحدث لولا أن شارك فيها العوام المهمشون المبعدون أصحاب الحظ القليل «ممن كان يصعب عليهم الحصول على صندل لأقدامهم». وتكفى الإشارة لإضرابات عمال مصر فى كل مكان فى اليومين اللذين سبقا التنحى كضربة قصمت ظهر النظام وحسمت تناقضاته الداخلية. أو لدور شباب المناطق العشوائية فى دحر الأمن المركزى فى مواجهات الشوارع.


صناع الحق

يحكى المؤرخ والناقد المصرى لويس عوض فى كتابه المرجعى عن الثورة الفرنسية عمن أسماهم «أصحاب السراويل الملونة» كترجمة للكلمة الفرنسية Sans-Culotte وهى تعنى العريان أو الذى بلا سروال «وهى كلمة زراية قصد بها فى فترة الثورة الفرنسية أن تصف الطبقات الشعبية شديدة الفقر، أو الرعاع أو الغوغاء أو الدهماء بلغة صدقى باشا من عمال وصنايعية وأنفار أو باعة سريحة وكل من يكسب قوته بعرق جهده اليومى إن وجد عملا».

ويستطرد الكاتب الكبير قائلا إن «هذه الطبقات الفقيرة كانت كما رأينا مصدر رعب الطبقات المالكة الموسرة التى كانت تخشى على أموالها وأملاكها وربما أشخاصها، لو تحررت سياسيا ودخلت طرفا فى الصراع السياسى، وقد صدق حدسها»، كما يشير لويس عوض لإطاحتها بالنظام الملكى إثر تحالفها مع البرجوازية المتوسطة، أقرب الطبقات المستنيرة إليها، وإعلان الجمهورية، التى ألهمت العالم بشعارها الأسطورى الخارج من رحم الفقراء الجوعى من العامَّة: الحرية والإخاء والمساواة.

هذا الرعب «المبرر» لدى من يديرون ماكينات النهب الحديثة من احتمالات أن يتحرك عبيد الرزق فى زمن التكنولوجيا الباهرة، ليعيدوا الأمور إلى نصابها هو فى الحقيقة تصدى لمن تمثل قيم الحق والحرية والعدالة وكل القيم الرفيعة برنامجهم الوحيد ومصلحتهم الأكيدة. ويستخدم هؤلاء منهجا مزدوجا يجمع بين التخويف والترهيب من عنف ونهب (وكأننا لم نر منهم ومن هم على شاكلتهم نهبا منظما وعنفا مخططا يصيب الملايين بالجهل والفقر ويضمن إسكاتهم بالتعذيب والقمع؟) وبين إدعاء احتكار امتلاك الطريق للحياة الأفضل، فينزعون ممن يقوم البلد على أكتافهم ليحصد غيرهم الثمار، الثقة فى قدرتهم على امتلاك مشروعهم هم وصياغة مستقبلهم على أساسه.

إن التاريخ لا يتقدم أساسا بالرجال العظام وحدهم وإنما،تنفتح آفاقه لمن يملكون عيونا للنظر وآذانا للسمع وقلبا لمحبة القريب، فيفتحون بنضالهم وتجردهم وتضحياتهم، التى لا تخلف ضجيجا وراءها، باب الحرية. الجوعى هم ببساطة كما يقول لنا التاريخ صناع تقدم المجتمع البشرى نحو الحرية والديمقراطية.


ليه يا بنفسج؟


ينهى المخرج الراحل رضوان الكاشف فيلمه «ليه يا بنفسج» بمشهد يقوم فيه أبطاله الثلاثة من المهمشين الفقراء بالتدريب فى الصحراء على الزفة التى يبيعونها لأفراح جيرانهم «وهناك شىء من الحرارة المتعبة يخيّم على المكان، والأشخاص الثلاثة الذين يشغلون حيزا من ذلك الديكور الصحراوى الأجرد، ينظرون إلى اللامكان، ويعزفون على آلاتهم الموسيقية من دون أن يعبأوا بما إذا كان ثمة جمهور يستمع اليهم. والحقيقة ان ليس ثمة جمهور فى هذا المكان الصحراوى، ولو اقتربت الكاميرا من وجوه العازفين للاحظت تناقضا كبيرا بين التعابير التى تحملها هذه الوجوه وبين إيقاع العزف نفسه، فالعزف ينتمى إلى عالم مرح لا شك فيه، والى رغبة فى العيش ومواصلة الحياة رغم كل شىء. أما سمات الوجوه، فتنتمى إلى الديكور الصحراوى وخوائه وحرارته القاتلة»، كما يصفه الناقد إبراهيم العريس فى إشارة إلى أن الكاشف حمّل مشهده الأخير كل هذه الدلالة التى تربطه بعنوانه كل ذلك الحزن والأسى الذى ينبعث من مطلع أغنية صالح عبدالحى المعروفة: «ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين؟»

....المجد لثورات الجياع العوام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.