كانهيار بركان يسحق ما حول الجبل الغاضب من حياة، بدا انكشاف الفساد المستفحل بعد سقوط مبارك ونظامه الآسن يراكم التداعيات والنتائج الكارثية للنهب المنظم المتسرطن في قطاعات الدولة كلها، ليترك الحضيض الاقتصادي والسياسي مصيرا أسود يواجهه الشعب الغافل عن ضرورة تأجيل المطالب الفئوية لما بعد استرداد الدولة لعافيتها المادية المنهارة كأولوية رئيسية للإصلاح، تتطلب توجيه الطاقات إلي الجهد المهني لتعويض خسائر قد تهلك الوطن إذا تفاقمت. فتكريس الطاقة البشرية في مكائد الفتنة الطائفية المفضوحة ومؤامرات عصابات نحر الثورة الفتية في الداخل المصري والخارج الإسرائيلي، تأكل من منجزاتها العادلة، وقد جاءت تصريحات المشير حسين طنطاوي حاسمة وقطعية في شأن المحاسبة العسيرة للمتورطين فيها وهو ما يجب تفعيله بقوانين رادعة للمتواطئين من الطرفين المسلم أو المسيحي كوننا نسعي لترسيخ دعائم دولة مدنية حديثة تتساوي فيها كل الطوائف. ولعل ذلك يستوجب إعادة محاكمة المتطرفين الذين أقاموا الحد المزعوم علي مواطن مسيحي بقطع أذنه بوحشية لايعرفها الإسلام الصحيح المستنير في واقعة قبيحة وإجرامية وفجة انتهت بمصالحة واهية تركت في نفس المسيحي المجني عليه كراهية مزمنة لفاعليها وللنوع المسلم كله! ويعد أخطر أثر يهدد الوطن والشعب مع الفتنة الطائفية الكريهة هو ارتفاع معدل الفقر الحالي في مصر بعد ثلاثة أشهر من الثورة إلي 07٪ بعد أن كان قبلها 04٪، وهو ما يعني أن تفاقم العوز والحاجة إلي هذه النسبة المخيفة التي طالت مستويات كانت ميسورة من الشعب، يفضي بالضرورة إلي اندلاع ثورة الجياع!! وهي الثورة التي لن تعرف شفقة ولا رحمة فحيث يسود الجوع، يغيب المنطق وينتحر العقل، وينتشر النهب والسلب علي نطاق رهيب، ونحن للأسف مهددون وممهدون لذلك مع الانفلات الأمني السائد والذي ازدادت وتيرته مع حوادث هروب بعض المحتجزين من محبسهم الأسبوع الماضي مما دعا وزير الداخلية إلي إقالة مساعد مأمور قسم أول 6أكتوبر وتمكن الأمن من ضبط بعضهم مؤخراً، وهي ليست الحالة الوحيدة حيث مازال الكثير من الأشقياء والمطاريد يرتعون في المحافظات والأحياء ويظهرون ليلا كالخفافيش المقززة لينقضوا علي المحال التجارية، وعلي سائقي السيارات في الطرق المظلمة يهددونهم وينهبونهم عنوة، ولقد رأيت سيارة إحدي الصديقات مصابة بطلق ناري فرت علي إثره مسرعة بالسيارة في الطريق الدائري وقد أنقذتها العناية الإلهية من ثقب إطار السيارة أو إصابتها شخصيا واضطرارها للتوقف والرضوخ للصوص! وسوف تزداد بأثر الجوع أعداد أولئك الأشقياء فالمثل الشعبي يقول: »الجوع كافر«، فلن يعرف إنسان جائع وقتها سوي فضيلة الشبع، وستغيب كل القيم والمبادئ والتعاليم الدينية، وسيستند الكثير علي واقعة عفو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن أحد اللصوص وتراجعه عن قطع يده لأنه كان جائعا وفقيرا فسرق مايسد رمقه. أما المؤرخ الشهير عبدالرحمن الجبرتي فقد ذكر قديما في رصده الدقيق لأحوال مصر أن المصريين أكلوا الجيفة والميتة في وقت المجاعة والفقر!! فهل نحن مقبلون علي أوقات عصيبة مماثلة؟ وكيف نتعافي قبل وقوع المحظور؟ يؤكد بعض الخبراء الاقتصاديين علي ضرورة الشروع الفوري في بلورة رؤية واضحة لإنقاذ الاقتصاد بمشاركة كل ممثلي التيارات الوطنية علي أن تكون المطالب الفئوية المرتبطة في معظمها بلوائح تعديل الأجور في المرتبة التالية علي استنهاض الاقتصاد كأولوية استراتيجية تدعم تلك المطالب. وقد أكد الكاتب والمفكر الاقتصادي المهم سعد هجرس ذلك كما بلور البعد الاقتصادي لتحسين الأوضاع الاجتماعية بضرورة تشغيل رأس المال الاجتماعي والبشري بإنشاء شبكة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر تمتص العاطلين والمؤهلين للبلطجة! وقد شهدت مصر انتفاضة جياع سابقة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، والتي اندلعت في يناير عام 7791 إثر ارتفاع مفاجئ في الأسعار قرره السادات وقتها تحت ضغط البنك الدولي، لكنه تراجع عنها فأنقذ نظامه من السقوط، ثم أطلق علي الغاضبين والفقراء وقتها »انتفاضة الحرامية«، إذ اقتحم الجائعون متاجر السلع الغذائية وحصلوا بقوة الجوع الكافر علي الطعام الذي وعدهم بوفرته بعد أن يسود السلام، لكنه كان حكرا علي من عرفوا بالقطط السمان، ورجال الأعمال الفاسدين الذين شكلوا نواة الفساد الاقتصادي والسياسي الأكبر والأوسع والأخطر في عصر مبارك، الذي تم فيه الزواج غير الشرعي المنحط بين السلطة والمال! وقد تهدأ قليلا المطالب الفئوية الحالية إذا نظر مجلس الوزراء في أمر بعض العناصر المهنية المنتمية للنظام السابق، والتي مازالت تحتل عرشها آمنة مطمئنة في الكثير من الهيئات والوزارات والقطاعات، فتلك هي أحد أهم المطالب الفئوية المندلعة في قطاعات كثيرة مثل الأطباء والعاملين ببعض أجهزة الإعلام كالتليفزيون الرسمي، فربما تهدأ النفوس ويتحلي المعترضون بالصبر علي مسألة رفع الأجور قليلا، إذا ما تحقق لهم مطلبهم المشروع في إزاحة الفاسدين عن رؤوسهم. ❊❊❊ من أقوال الناس علي الفيس بوك: »بدل ما تطلب رغيف.. إتعلم زراعة القمح«.. »مصر محتاجة لذراعي.. أقسم أن أعمل بجد واجتهاد«.