رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغجر والمحروسة.. القصة وما فيها
نشر في فيتو يوم 16 - 12 - 2013

يميلون لإنكار أصولهم العرقية ويدّعون أنهم مصريون أو عرب فحسب
زواج الأقارب قاعدة صارمة بين «الحلب» ولايشاركون فى النشاط الزراعى
مهن الغجر تطورت تدريجيًا عبر الزمن، ومع ذلك فإنهم لايزالون يشتهرون بالأعمال المعدنية
على مدى القرون العديدة الماضية وثّق عدد قليل جدًا من المغامرين الذين سافروا عبر شمال أفريقيا تجاربهم مع قبائل "الغجر" في مصر، ومع أن توثيق مثل هذه التجارب كان محدودًا للغاية إلا أننا ندين كثيرًا لتلك المعلومات التي حصلنا عليها من خلالها، ولتسليط الضوء على بعض المساهمين في توثيق مثل هذه التجارب.. يمكننا البدء بأقدم الأخبار التي أشارت إلى وجود الغجر في مصر وفقًا للبروفيسور "باول كاله" الذي أشار إلى احتمال تواجد الغجر في مصر في القرن الثالث عشر الميلادي من خلال نص إحدى مسرحيات "خيال ظل" التي ألفها "محمد بن دانيال" في عام 1565 وتم رصد آخر لتواجد الغجر في مصر حيث سجل Christoph Furer von Haimendorff زيارته لهم بالقرب من رشيد في منطقة دلتا النيل عام 1865 تحديدًا، حيث كتب القائد "نيوبولد" بشكل موسع عن زيارته للغجر في مستوطناتهم المركزية في مناطق "حوش الغجر" و"مصر العتيقة" بالقاهرة.
في عام 1862 أثرى القنصل الأسترالي في القاهرة "ألفريد فون كريمر" معلوماتنا عن الغجر من خلال مساهمته القيمة: "الغجر في مصر"، وإذا نظرنا إلى الأبحاث الحديثة نجد أن بحث الدكتور "نبيل صبحي حنا" قد سلط الضوء على الوضع الحالي للغجر في مصر.
عاش الغجر في الماضي في المجتمعات الفقيرة ذات البيوت المبنية من الطوب اللبن، وتميز الغجر المصريون على مر العصور بحس الانتماء للجماعة الذي كانوا يستشعرونه فيما بينهم، فكانوا يعيشون أحيانًا إلى جوار الفلاحين الفقراء، بينما كانوا يشكلون الأغلبية في مناطق أخرى، وتعد الجبانة المعروفة ب"مدينة الموتى" الموجودة بالقاهرة موطنًا لعدد كبير من الغجر، فقد اعتاد المصريون – وفقا لبعض التقاليد الفرعونية- بناء مبانٍ صغيرة بجوار مقابر أحبائهم لتكون مُعدة باستمرار لاستقبال الزائرين، مع الوقت صارت هذه البنايات بمثابة مسكن للآلاف ممن يعيشون بلا مأوى بما في ذلك الغجر، وكان من نتيجة ذلك أن قامت البلدية بتوصيل المياه والغاز والكهرباء لهذه المقابر. أيضًا نلحظ تواجد الغجر في المناطق القريبة من مناطق كسب أرزاقهم فتجدهم مثلًا بالقرب من منطقة "أهرامات الجيزة"، أما في خارج القاهرة فقد اقتصر تواجد الغجر على دلتا النيل وصعيد مصر، وطبقًا لقول أحد المصريين العارف بأحوال الغجر والمتعايش معهم فإن تعدادا الغجر بمصر كبير للغاية فهم متواجدون في كل أنحاء البلاد من جنوبها لشمالها.
وبالنسبة للمراقب العادي فإنه لا يمكن بسهولة تمييز الغجري في المجتمع المصري، فأغلب الغجر يميلون لإنكار أصولهم العرقية ويدّعون أنهم مصريون أو عرب فحسب، وعندما سألناهم أكثر عن أسباب اخفاء هويتهم تبين لنا أنهم يطلقون على أنفسهم فيما بين بعضهم البعض اسم "النوّر" ولكن نظرًا للتعريف المنحط لهذه الكلمة فإنهم يفضلون أن يعرفوا أنفسهم كفلسطينيين، في الجهة المقابلة فإن أحد العائلات القاهرية العادية المجاورة للغجر حاولوا ابعادنا كثيرًا عن زيارتنا لهم واصفين إياهم بلفظ "النوّر" بدلالته المهينة، فالعائلات المصرية الشعبية التي تجاور الغجر تعرفهم بسهولة وتدرك أنهم مختلفون عنهم، بينما أغلب المصريين العاديين بصفة عامة لا يدركون حقيقة وجود الغجر في مدنهم، وحين يعرفون أعدادهم الحقيقية فإنهم يصابون بالذهول والدهشة العارمة.
الغجر في مصر بنمط حياتهم وملامحهم الشخصية يحرصون على أن تكون طريقة ملبسهم متسقة مع المجتمع المصري الذي يعيشون به، فنساء الغجر اللائي يشتهرن بأزيائهن الملونة، وأقراطهن الطويلة، والوشم الذي يزين الوجه والأذرع، يمكن أن يتشابهن كثيرًا مع المرأة الصعيدية البسيطة التي ترتدي ملابس على نحو شبه مماثل لهن.
نجد أيضًا أن رجال الغجر يرتدون الجلابية التقليدية تمامًا مثلما يفعل الرجل الشعبي البسيط، لذا فالاختلافات المميزة نجدها في ملامح الوجوه، فوجه الغجري عادة ما يكون أكثر سمرة ونحافة أما ملامحه تكون أكثر حدة ووضوحًا من ملامح المصري العادي.
عبر قرون من الزمن حدث كثير من التحريف فيما يخص لغات الغجر في مصر. وفي عام 1856 تعرف الباحثون على لغات منقرضة بين المجموعات المختلفة، وأشارت النتائج التي توصلوا إليها أن لغة "الغجر" احتوت كلمات هندية الأصل، بيد أنها مازالت متباينة عن لغة "الهليبة" في مصر و"القربط" في سوريا.
وأفاد تقرير نشر سنة 1928 أن الغجر من القاهرة تحدثوا عن وجود إخوة لهم في المجر، وأنهم أفضل حفاظًا على لغتهم.
في هذا التقرير نفسه، قرر "سامسون" أن لهجة الغجر، على العكس من لهجات الهليبة والنوّر والقربط، كانت ذات صيغة غربية لا شرقية من لغة الغجر. وعلى الرغم من أنها قد اندمجت مع بعض لهجات الغجر القريبين منها، غير أنها كانت أوربية في طبيعتها.
هناك أيضًا تقارير عن غجر يتحدثون "السيم"، وهي لغة رمزية من العربية تسمح لهم بالسرية عند الحديث أمام غير الغجر.
في أوائل الثمانينيات أكد الدكتور نبيل صبحي حنا، في تقرير له أن الغجر كانوا يتحدثون لغة الغجر إضافة إلى العربية، لكن الجيل الجديد لم يعد يتعلم لغة الغجر.
أما عن مهن الغجر فإننا نجد أنها تطورت تدريجيًا عبر الزمن، ومع ذلك فإنهم لايزالون يشتهرون بالأعمال المعدنية كإصلاح المواقد القديمة، وتنظيف الأواني النحاسية، فيمكن مثلًا للمترجل في الشوارع الخلفية لمنطقة خان الخليلي أن يرى العديد من أفراد الغجر وهم يعملون في الصناعات المعدنية الزخرفية، ويكون من نتيجة تعرضهم لحرارة الشمس العالية التي تتميز بها مصر بالإضافة إلى حرارة الأفران أن ينعكس هذا على لون بشرتهم التي تشتهر بسمرتها الواضحة.
في منطقة أخرى من المدينة تنوعت مشاريع الصناعات المعدنية للغجر، ففي أكشاك خشبية استطاع الواحد منهم من خلالها أن يجد مصدرًا تسويقيًا لمهاراته في المجتمع غير الغجري بطبيعته، وهو ما يؤكد اندماج الكثير من الغجر بشكل أوسع في المجتمع المصري ككل.
ويضيف:"أثناء زيارتنا الأخيرة لمصر سافرنا خارج القاهرة لنلتقي بأسرة واحد من الغجر الذين يعملون بالحدادة في دلتا النيل، في زيارتنا لمنزلهم الفقير دلفنا عبر ممر ضيق يمر بغرفة مخصصة لعمل الوالد في تلك الغرفة المظلمة شاهدنا أدوات عمله من المطرقة والسندان والفرن الناري الصغير، وفي لمسة عصرية بدلًا من أن يتم تغذية النار بمنفاخ، وجدناه قد أوصله بخرطوم متصل بمروحة كهربائية.
شاهدنا الرجل وهو يجلس حافيًا عاقد الساقين في مكان عمله الضيق الساخن ويعمل في مهارة الخبير، وبمجرد أن قام بتسخين المعدن طرق عليه ليشكله كما يريد، ثم رأينا الشرر وهو يتطاير حين استخدم مجلخة كهربائية لضبط حواف القطعة المعدنية التي يقوم بتشكيلها. بعد مشاهدة عمله قام بدعوتنا لمنزله من خلال الباب الخلفي لمنطقة عمله.. انحنينا لنعبر تلك الفتحة الصغيرة الموجودة في الحائط التي تحل محل الباب والتي أوصلتنا إلى فناء داخلي فوجدنا نفسنا أمام برج طوله 12 قدما من قطع الخردة المعدنية، وراء هذا الفناء كان يقع منزله، وعلمنا أثناء هذه الزيارة أن زوجة الغجري عادةً لا تعمل خارج المنزل إلا لمعاونة زوجها في عمله ولاحظنا أيضًا أن كل الغجر المتواجدين في تلك المنطقة يعملون جميعًا في مجال الأعمال المعدنية".
تواترت الأخبار عبر الزمن تؤكد أن الغجر دومًا ما كانوا يشاركون في أعمال التسلية والترفيه، فهم يتتبعون الموالد في مختلف أرجاء مصر، حيث يؤجرون للعابرين المراجيح الشعبية وألعاب التصويب والرماية وغير ذلك من دروب التسلية والترفيه.
نسبة كبيرة من الغجر تعتمد على السياحة كمصدر رزق أساسي، فنسبة عالية من سائقي الخيول والجمال في المناطق السياحية هم في الأساس من الغجر، وبينما يتجولون بين السائحين لتأجير الخيول لهم ينتشر أطفال الغجر لبيع الحلى والتذكارات السياحية بالقرب من أبي الهول. أيضًا فإن مهنة"الغوازي" لا تزال موجودة في المناطق الريفية بمصر. وكما تم التوثيق عبر القرون الفائتة فإن نساء الغجر اشتهرن بالعمل في مجال التنجيم من خلال قراءة الكف ووشوشة الودع وأصداف البحر، وبالرغم من معلوماتنا التي كانت توضح بأن أعمال الترفيه هي وظيفة الغجر الريفيين إلا أننا وجدنا إحدى عائلات النوّر الحضرية تعمل أيضا في نفس المجال حيث يعمل الرجال كعازفين بينما تعمل النساء كراقصات وأثناء مصاحبتنا لهذه الأسرة الحضرية القاهرية استمتعنا بحفلة موسيقية قصيرة من تقديمهم حيث غنى الرجلان وهما يعزفان على آلة العود وأخبرتنا هذه العائلة بأنه يمكننا أن نحضر عروضا لراقصات الغجر في العديد من الفنادق السياحية الموجودة على طول شارع الهرم بمنطقة الجيزة.
ونتيجة لاهتمام "رينولدز" بالتراث الشعري فإن الكثير من شعراء الغجر في إحدى قرى دلتا النيل شاركوه حياتهم ورؤيتهم وتجاربهم. ولأنهم كانوا يكرهون الطريقة المهينة التي يُنادون بها من سكان القرية من غير الغجر فإن هؤلاء الشعراء الغجريين فضلوا أن يُطلق عليهم لفظ "الهليب".
وقبل الغزو التكنولوجي كان مثل هؤلاء من شعراء الغجر يُستأجرون ليرووا القصائد التراثية لأبطال العرب ويعزفوا على الربابة في حفلات الزفاف وغيرها من الاحتفالات، وكان الشاعر الموهوب يظل يروي ويحكي حتى ساعات متأخرة من الليل ويبهج مخيلة المستمعين بحكايات المعارك والأبطال المنتصرين، ومع الاستخدام الذكي للغة كان الشاعر يتجاوز بأدائه وموهبته وضعه الاجتماعي ويُحلق فوق مستمعيه متقمصًا شخصية البطل الذي يروي عنه في القصيدة، فتتجلى المفارقة الساخرة ويبرز التحول الاجتماعي في هذه المشاهد للشاعر الغجري وهو يروي الملاحم الشعرية كما يصفه " رينولدز" بدقة.
ومن المعروف أيضًا أن الغجر لا يشاركون بصورة ملحوظة في النشاط الزراعي، لكنهم يشاركون على نطاق ضيق في أنشطة رعي الأغنام والماعز أو الاعتناء بالحدائق الصغيرة أو تجهيز المراعي لتصير صالحة لرعي الأغنام، وادعت واحدة من نساء الغجر بأن عائلتها تملك جاموسًا يحلبون ألبانه ويصنعون منه الجبن، وفكرة امتلاك جاموس يشير إلى نمط حياة مستقر لا يعرف الترحال.
وعلى النقيض من نموذج المرأة الغجرية الريفية التي سلف ذكرها نجد أن المرأة الغجرية الحضرية تعمل خارج منزلها في بيع الخضروات والفواكه وهن منتشرات في شوارع القاهرة، بعضهن تتحرك مسافات لا بأس بها حتى تجدن موقعًا مُربحًا يمكنهن أن يقمن فيه أكشاكا أو مصاطب لبيع منتجاتهن، ووفقًا لإحدى المجموعات الغجرية وجدنا أن مساكنهن كانت تبعد مسافة ثلاثين دقيقة بالتاكسي عن مناطق عملهن.
التسول أيضا يعد أحد أهم المهن التي تمتهنها نساء وأطفال الغجر فتجد المرأة منهم تحمل طفلها الذي تبدو عليه ملامح سوء التغذية بوضوح أمام المارة في الشوارع وتتسول بحجة أن صغيرها في حاجة للطعام، والحقيقة أن شوارع مصر بها عدد كبير من المتسولين والشحاذين ولكنه ليس من المعروف تحديدًا كم هي نسبة الغجر فيما بينهم.
وعلى الرغم من مجانية التعليم في مصر، إلا أنه من الواضح أن أغلب أبناء الغجر لا يلتحقون بالمدارس، ولكن من تصاريف الأقدار أن العائلات الغجرية الريفية - التي تتوارى وتختبئ في المجتمع المصري بخلفيته الثقافية - استفادت كثيرًا من هذا الأمر، ففي محاولة منهم لأن يذوبوا في مجتمعهم وأن يعيشوا كما يعيش جيرانهم فإن الكثير من أطفال النوّر بدءوا يرتادون المدارس، ليس هذا فحسب بل لقد علمنا أيضًا أن البعض منهم تقدموا كثيرًا في المراحل التعليمية حتى صار منهم معلمون وبعضهم ترك مصر باحثًا عن فرص عمل برواتب أفضل فكان منهم من توجه إلى ليبيا على سبيل المثال.
وعن الزواج في الثقافة الغجرية نجد أن الغجر يتميزون بالزواج من بعضهم البعض وفي دراسة الدكتور "نبيل حنا" عن الغجر في مصر وجدناه يؤكد على أن زواج الأقارب يعد قاعدة صارمة فيما بين الغجر بعضهم وبعض.
وبالتحدث مع أحد الرجال المصريين الذين عاشوا بين الغجر، أوضح لنا أنه بالرغم من محاولة الغجر الاندماج بشكل أوسع في الثقافة المصرية إلا أنهم لا يتزوجون من المصريين العاديين، وعلى حسب إفادته فإن ذلك يُعزى إلى أن المصري العادي لا يقبل أن يتزوج من الغجر،علاوة على ذلك علمنا أن عائلات النوّر في المناطق الريفية لا يتزوجون فقط من المصريين العاديين بل لا يتزوجون أيضًا من جماعات وطوائف الغجر الأخرى، ولكن الأمر قد يختلف بعض الشيء مع عائلات النوّر في الحضر فأثناء زيارتنا لإحدى العائلات الغجرية في القاهرة أكدت لنا هذه العائلة بأن اثنتين من نساء الأسرة اللائي يجلسن معنا في الغرفة هن من المصريات العاديات.
يميلون لإنكار أصولهم العرقية ويدّعون أنهم مصريون أو عرب فحسب
زواج الأقارب قاعدة صارمة بين «الحلب» ولايشاركون فى النشاط الزراعى
مهن الغجر تطورت تدريجيًا عبر الزمن، ومع ذلك فإنهم لايزالون يشتهرون بالأعمال المعدنية
على مدى القرون العديدة الماضية وثّق عدد قليل جدًا من المغامرين الذين سافروا عبر شمال أفريقيا تجاربهم مع قبائل "الغجر" في مصر، ومع أن توثيق مثل هذه التجارب كان محدودًا للغاية إلا أننا ندين كثيرًا لتلك المعلومات التي حصلنا عليها من خلالها، ولتسليط الضوء على بعض المساهمين في توثيق مثل هذه التجارب.. يمكننا البدء بأقدم الأخبار التي أشارت إلى وجود الغجر في مصر وفقًا للبروفيسور "باول كاله" الذي أشار إلى احتمال تواجد الغجر في مصر في القرن الثالث عشر الميلادي من خلال نص إحدى مسرحيات "خيال ظل" التي ألفها "محمد بن دانيال" في عام 1565 وتم رصد آخر لتواجد الغجر في مصر حيث سجل Christoph Furer von Haimendorff زيارته لهم بالقرب من رشيد في منطقة دلتا النيل عام 1865 تحديدًا، حيث كتب القائد "نيوبولد" بشكل موسع عن زيارته للغجر في مستوطناتهم المركزية في مناطق "حوش الغجر" و"مصر العتيقة" بالقاهرة.
في عام 1862 أثرى القنصل الأسترالي في القاهرة "ألفريد فون كريمر" معلوماتنا عن الغجر من خلال مساهمته القيمة: "الغجر في مصر"، وإذا نظرنا إلى الأبحاث الحديثة نجد أن بحث الدكتور "نبيل صبحي حنا" قد سلط الضوء على الوضع الحالي للغجر في مصر.
عاش الغجر في الماضي في المجتمعات الفقيرة ذات البيوت المبنية من الطوب اللبن، وتميز الغجر المصريون على مر العصور بحس الانتماء للجماعة الذي كانوا يستشعرونه فيما بينهم، فكانوا يعيشون أحيانًا إلى جوار الفلاحين الفقراء، بينما كانوا يشكلون الأغلبية في مناطق أخرى، وتعد الجبانة المعروفة ب"مدينة الموتى" الموجودة بالقاهرة موطنًا لعدد كبير من الغجر، فقد اعتاد المصريون – وفقا لبعض التقاليد الفرعونية- بناء مبانٍ صغيرة بجوار مقابر أحبائهم لتكون مُعدة باستمرار لاستقبال الزائرين، مع الوقت صارت هذه البنايات بمثابة مسكن للآلاف ممن يعيشون بلا مأوى بما في ذلك الغجر، وكان من نتيجة ذلك أن قامت البلدية بتوصيل المياه والغاز والكهرباء لهذه المقابر. أيضًا نلحظ تواجد الغجر في المناطق القريبة من مناطق كسب أرزاقهم فتجدهم مثلًا بالقرب من منطقة "أهرامات الجيزة"، أما في خارج القاهرة فقد اقتصر تواجد الغجر على دلتا النيل وصعيد مصر، وطبقًا لقول أحد المصريين العارف بأحوال الغجر والمتعايش معهم فإن تعدادا الغجر بمصر كبير للغاية فهم متواجدون في كل أنحاء البلاد من جنوبها لشمالها.
وبالنسبة للمراقب العادي فإنه لا يمكن بسهولة تمييز الغجري في المجتمع المصري، فأغلب الغجر يميلون لإنكار أصولهم العرقية ويدّعون أنهم مصريون أو عرب فحسب، وعندما سألناهم أكثر عن أسباب اخفاء هويتهم تبين لنا أنهم يطلقون على أنفسهم فيما بين بعضهم البعض اسم "النوّر" ولكن نظرًا للتعريف المنحط لهذه الكلمة فإنهم يفضلون أن يعرفوا أنفسهم كفلسطينيين، في الجهة المقابلة فإن أحد العائلات القاهرية العادية المجاورة للغجر حاولوا ابعادنا كثيرًا عن زيارتنا لهم واصفين إياهم بلفظ "النوّر" بدلالته المهينة، فالعائلات المصرية الشعبية التي تجاور الغجر تعرفهم بسهولة وتدرك أنهم مختلفون عنهم، بينما أغلب المصريين العاديين بصفة عامة لا يدركون حقيقة وجود الغجر في مدنهم، وحين يعرفون أعدادهم الحقيقية فإنهم يصابون بالذهول والدهشة العارمة.
الغجر في مصر بنمط حياتهم وملامحهم الشخصية يحرصون على أن تكون طريقة ملبسهم متسقة مع المجتمع المصري الذي يعيشون به، فنساء الغجر اللائي يشتهرن بأزيائهن الملونة، وأقراطهن الطويلة، والوشم الذي يزين الوجه والأذرع، يمكن أن يتشابهن كثيرًا مع المرأة الصعيدية البسيطة التي ترتدي ملابس على نحو شبه مماثل لهن.
نجد أيضًا أن رجال الغجر يرتدون الجلابية التقليدية تمامًا مثلما يفعل الرجل الشعبي البسيط، لذا فالاختلافات المميزة نجدها في ملامح الوجوه، فوجه الغجري عادة ما يكون أكثر سمرة ونحافة أما ملامحه تكون أكثر حدة ووضوحًا من ملامح المصري العادي.
عبر قرون من الزمن حدث كثير من التحريف فيما يخص لغات الغجر في مصر. وفي عام 1856 تعرف الباحثون على لغات منقرضة بين المجموعات المختلفة، وأشارت النتائج التي توصلوا إليها أن لغة "الغجر" احتوت كلمات هندية الأصل، بيد أنها مازالت متباينة عن لغة "الهليبة" في مصر و"القربط" في سوريا.
وأفاد تقرير نشر سنة 1928 أن الغجر من القاهرة تحدثوا عن وجود إخوة لهم في المجر، وأنهم أفضل حفاظًا على لغتهم.
في هذا التقرير نفسه، قرر "سامسون" أن لهجة الغجر، على العكس من لهجات الهليبة والنوّر والقربط، كانت ذات صيغة غربية لا شرقية من لغة الغجر. وعلى الرغم من أنها قد اندمجت مع بعض لهجات الغجر القريبين منها، غير أنها كانت أوربية في طبيعتها.
هناك أيضًا تقارير عن غجر يتحدثون "السيم"، وهي لغة رمزية من العربية تسمح لهم بالسرية عند الحديث أمام غير الغجر.
في أوائل الثمانينيات أكد الدكتور نبيل صبحي حنا، في تقرير له أن الغجر كانوا يتحدثون لغة الغجر إضافة إلى العربية، لكن الجيل الجديد لم يعد يتعلم لغة الغجر.
أما عن مهن الغجر فإننا نجد أنها تطورت تدريجيًا عبر الزمن، ومع ذلك فإنهم لايزالون يشتهرون بالأعمال المعدنية كإصلاح المواقد القديمة، وتنظيف الأواني النحاسية، فيمكن مثلًا للمترجل في الشوارع الخلفية لمنطقة خان الخليلي أن يرى العديد من أفراد الغجر وهم يعملون في الصناعات المعدنية الزخرفية، ويكون من نتيجة تعرضهم لحرارة الشمس العالية التي تتميز بها مصر بالإضافة إلى حرارة الأفران أن ينعكس هذا على لون بشرتهم التي تشتهر بسمرتها الواضحة.
في منطقة أخرى من المدينة تنوعت مشاريع الصناعات المعدنية للغجر، ففي أكشاك خشبية استطاع الواحد منهم من خلالها أن يجد مصدرًا تسويقيًا لمهاراته في المجتمع غير الغجري بطبيعته، وهو ما يؤكد اندماج الكثير من الغجر بشكل أوسع في المجتمع المصري ككل.
ويضيف:"أثناء زيارتنا الأخيرة لمصر سافرنا خارج القاهرة لنلتقي بأسرة واحد من الغجر الذين يعملون بالحدادة في دلتا النيل، في زيارتنا لمنزلهم الفقير دلفنا عبر ممر ضيق يمر بغرفة مخصصة لعمل الوالد في تلك الغرفة المظلمة شاهدنا أدوات عمله من المطرقة والسندان والفرن الناري الصغير، وفي لمسة عصرية بدلًا من أن يتم تغذية النار بمنفاخ، وجدناه قد أوصله بخرطوم متصل بمروحة كهربائية.
شاهدنا الرجل وهو يجلس حافيًا عاقد الساقين في مكان عمله الضيق الساخن ويعمل في مهارة الخبير، وبمجرد أن قام بتسخين المعدن طرق عليه ليشكله كما يريد، ثم رأينا الشرر وهو يتطاير حين استخدم مجلخة كهربائية لضبط حواف القطعة المعدنية التي يقوم بتشكيلها. بعد مشاهدة عمله قام بدعوتنا لمنزله من خلال الباب الخلفي لمنطقة عمله.. انحنينا لنعبر تلك الفتحة الصغيرة الموجودة في الحائط التي تحل محل الباب والتي أوصلتنا إلى فناء داخلي فوجدنا نفسنا أمام برج طوله 12 قدما من قطع الخردة المعدنية، وراء هذا الفناء كان يقع منزله، وعلمنا أثناء هذه الزيارة أن زوجة الغجري عادةً لا تعمل خارج المنزل إلا لمعاونة زوجها في عمله ولاحظنا أيضًا أن كل الغجر المتواجدين في تلك المنطقة يعملون جميعًا في مجال الأعمال المعدنية".
تواترت الأخبار عبر الزمن تؤكد أن الغجر دومًا ما كانوا يشاركون في أعمال التسلية والترفيه، فهم يتتبعون الموالد في مختلف أرجاء مصر، حيث يؤجرون للعابرين المراجيح الشعبية وألعاب التصويب والرماية وغير ذلك من دروب التسلية والترفيه.
نسبة كبيرة من الغجر تعتمد على السياحة كمصدر رزق أساسي، فنسبة عالية من سائقي الخيول والجمال في المناطق السياحية هم في الأساس من الغجر، وبينما يتجولون بين السائحين لتأجير الخيول لهم ينتشر أطفال الغجر لبيع الحلى والتذكارات السياحية بالقرب من أبي الهول. أيضًا فإن مهنة"الغوازي" لا تزال موجودة في المناطق الريفية بمصر. وكما تم التوثيق عبر القرون الفائتة فإن نساء الغجر اشتهرن بالعمل في مجال التنجيم من خلال قراءة الكف ووشوشة الودع وأصداف البحر، وبالرغم من معلوماتنا التي كانت توضح بأن أعمال الترفيه هي وظيفة الغجر الريفيين إلا أننا وجدنا إحدى عائلات النوّر الحضرية تعمل أيضا في نفس المجال حيث يعمل الرجال كعازفين بينما تعمل النساء كراقصات وأثناء مصاحبتنا لهذه الأسرة الحضرية القاهرية استمتعنا بحفلة موسيقية قصيرة من تقديمهم حيث غنى الرجلان وهما يعزفان على آلة العود وأخبرتنا هذه العائلة بأنه يمكننا أن نحضر عروضا لراقصات الغجر في العديد من الفنادق السياحية الموجودة على طول شارع الهرم بمنطقة الجيزة.
ونتيجة لاهتمام "رينولدز" بالتراث الشعري فإن الكثير من شعراء الغجر في إحدى قرى دلتا النيل شاركوه حياتهم ورؤيتهم وتجاربهم. ولأنهم كانوا يكرهون الطريقة المهينة التي يُنادون بها من سكان القرية من غير الغجر فإن هؤلاء الشعراء الغجريين فضلوا أن يُطلق عليهم لفظ "الهليب".
وقبل الغزو التكنولوجي كان مثل هؤلاء من شعراء الغجر يُستأجرون ليرووا القصائد التراثية لأبطال العرب ويعزفوا على الربابة في حفلات الزفاف وغيرها من الاحتفالات، وكان الشاعر الموهوب يظل يروي ويحكي حتى ساعات متأخرة من الليل ويبهج مخيلة المستمعين بحكايات المعارك والأبطال المنتصرين، ومع الاستخدام الذكي للغة كان الشاعر يتجاوز بأدائه وموهبته وضعه الاجتماعي ويُحلق فوق مستمعيه متقمصًا شخصية البطل الذي يروي عنه في القصيدة، فتتجلى المفارقة الساخرة ويبرز التحول الاجتماعي في هذه المشاهد للشاعر الغجري وهو يروي الملاحم الشعرية كما يصفه " رينولدز" بدقة.
ومن المعروف أيضًا أن الغجر لا يشاركون بصورة ملحوظة في النشاط الزراعي، لكنهم يشاركون على نطاق ضيق في أنشطة رعي الأغنام والماعز أو الاعتناء بالحدائق الصغيرة أو تجهيز المراعي لتصير صالحة لرعي الأغنام، وادعت واحدة من نساء الغجر بأن عائلتها تملك جاموسًا يحلبون ألبانه ويصنعون منه الجبن، وفكرة امتلاك جاموس يشير إلى نمط حياة مستقر لا يعرف الترحال.
وعلى النقيض من نموذج المرأة الغجرية الريفية التي سلف ذكرها نجد أن المرأة الغجرية الحضرية تعمل خارج منزلها في بيع الخضروات والفواكه وهن منتشرات في شوارع القاهرة، بعضهن تتحرك مسافات لا بأس بها حتى تجدن موقعًا مُربحًا يمكنهن أن يقمن فيه أكشاكا أو مصاطب لبيع منتجاتهن، ووفقًا لإحدى المجموعات الغجرية وجدنا أن مساكنهن كانت تبعد مسافة ثلاثين دقيقة بالتاكسي عن مناطق عملهن.
التسول أيضا يعد أحد أهم المهن التي تمتهنها نساء وأطفال الغجر فتجد المرأة منهم تحمل طفلها الذي تبدو عليه ملامح سوء التغذية بوضوح أمام المارة في الشوارع وتتسول بحجة أن صغيرها في حاجة للطعام، والحقيقة أن شوارع مصر بها عدد كبير من المتسولين والشحاذين ولكنه ليس من المعروف تحديدًا كم هي نسبة الغجر فيما بينهم.
وعلى الرغم من مجانية التعليم في مصر، إلا أنه من الواضح أن أغلب أبناء الغجر لا يلتحقون بالمدارس، ولكن من تصاريف الأقدار أن العائلات الغجرية الريفية - التي تتوارى وتختبئ في المجتمع المصري بخلفيته الثقافية - استفادت كثيرًا من هذا الأمر، ففي محاولة منهم لأن يذوبوا في مجتمعهم وأن يعيشوا كما يعيش جيرانهم فإن الكثير من أطفال النوّر بدءوا يرتادون المدارس، ليس هذا فحسب بل لقد علمنا أيضًا أن البعض منهم تقدموا كثيرًا في المراحل التعليمية حتى صار منهم معلمون وبعضهم ترك مصر باحثًا عن فرص عمل برواتب أفضل فكان منهم من توجه إلى ليبيا على سبيل المثال.
وعن الزواج في الثقافة الغجرية نجد أن الغجر يتميزون بالزواج من بعضهم البعض وفي دراسة الدكتور "نبيل حنا" عن الغجر في مصر وجدناه يؤكد على أن زواج الأقارب يعد قاعدة صارمة فيما بين الغجر بعضهم وبعض.
وبالتحدث مع أحد الرجال المصريين الذين عاشوا بين الغجر، أوضح لنا أنه بالرغم من محاولة الغجر الاندماج بشكل أوسع في الثقافة المصرية إلا أنهم لا يتزوجون من المصريين العاديين، وعلى حسب إفادته فإن ذلك يُعزى إلى أن المصري العادي لا يقبل أن يتزوج من الغجر،علاوة على ذلك علمنا أن عائلات النوّر في المناطق الريفية لا يتزوجون فقط من المصريين العاديين بل لا يتزوجون أيضًا من جماعات وطوائف الغجر الأخرى، ولكن الأمر قد يختلف بعض الشيء مع عائلات النوّر في الحضر فأثناء زيارتنا لإحدى العائلات الغجرية في القاهرة أكدت لنا هذه العائلة بأن اثنتين من نساء الأسرة اللائي يجلسن معنا في الغرفة هن من المصريات العاديات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.