الزعيم والمغوار قائدان نجحا في تلبية إرادة الشعب المصري والاستقواء به والوقوف في وجه الدول الغربية وهزيمتها والقضاء على مخططاتها في السيطرة على مصر، هكذا أوضح التاريخ الذي يؤكد مدى التشابه بين الزعيمين اللذين تربعا على عرش قلوب المصريين. وفي مقارنة بين تعامل عبدالناصر في أزمة تأميم قناة السويس وبين السيسي في 30 يونيو ومدى التشابه في إدارة الأزمتين، ومواقف العداء من القوى الدولية وخروج التظاهرات لتأييد كل منهما، فقد نجح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في حل أزمة السويس من خلال إصدار أصعب قرار وهو تأميم شركة قناة السويس في يوليو1956 وإنهاء الاحتلال البريطاني وإعلان استقلال مصر التام، وهو ما أدى إلى العدوان الثلاثي على مصر، فقد تنبه الزعيم عبد الناصر للمؤامرات التي تحاك ضد مصر والأحلاف والتكتلات العسكرية في المنطقة التي تهدد استقلالها. وأزمة السويس هي بداية عهد جديد في الصراع بين القوى العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة دولية طامحة لتبوؤ مكانة مهيمنة في السياسة الدولية، فضلا عن صراع الوجود الاستراتيجي بين الولاياتالمتحدة - ممثلة للعالم الغربي- وبين الاتحاد السوفييتي - ممثلا للعالم الشرقي. كما نجم عن أزمة السويس تصور خطير لدى الشعوب العربية وقادتها، مفاده أن موقف الولاياتالمتحدة المناوئ للعدوان الثلاثي مبني على نظرة أمريكية متصالحة وصديقة نحو العرب، وتبين من خلال سلوك الولاياتالمتحدة، الذي يوحي بالود والصداقة نحو العرب في عهد الرؤساء إيزنهاور وكنيدي ومستهل فترة جونسون، فأدى ذلك إلى رسم سياسات مغلوطة بأن الولاياتالمتحدة ستساند العرب ضد أي عدوان إسرائيلي، كما حدث في أزمة السويس. ولم يخطر ببال أحد أن عبد الناصر استغل التناقض "الأنجلو أمريكي" وأوهم الولاياتالمتحدة بأنه سيكون تحت عباءتها، إلى أن فشل العدوان الثلاثي على مصر، وكشف عبدالناصر عن وجهه الحقيقي لأمريكا، أنه لم يعد حليفا لهم، ولم تعد مصر تحت السيطرة الأمريكية. بعد أزمة السويس ازدادت شعبية جمال عبد الناصر، خاصة بعد إعلان قيام الاتحاد العربي بين سوريا ومصر كنواة لدولة عربية شاملة ذات نظام لامركزي، والتي أعلنت عام 1958، مما أدى إلى تسريع قيام الحركات المناهضة للأنظمة الموالية للدول العظمى الاستعمارية، وكان عبد الناصر والقومية العربية خطرا على الوجود الإسرائيلى في المنطقة، لذا فقد حرصت القوى الاستعمارية على إفشال الوحدة. وبعد مرور 57 عاما نجد الفريق أول عبد الفتاح السيسي قد نجح في إنقاذ مصر من حكم جماعة الإخوان، التي أرادت إنهاء استقلال مصر، وكانت تعمل على تنفيذ مشروع الخلافة الإسلامية بالتبعية إلى أمريكا، وبيع كنوز وثروات مصر، وعندما علم "السيسي" بالمؤامرات التي تحاك ضد مصر فقد أعلن إنهاء حكم محمد مرسي، بناء على رغبة من الشعب المصري الذي خرج بالملايين للمطالبة بإنهاء حكم المرشد وجماعة الإخوان التي احتلت مصر. وثارت الدول الغربية على مصر وضد الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وهددت أمريكا بمنع المعونة، واجتمع مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع المصرية، وحاولت بشتى الطرق عرقلة "السيسي" وإعادة حكم الإخوان، إلا أنها فشلت، نتيجة وقوف الشعب المصري إلى جانب المؤسسة العسكرية والسيسي في قراره ودعمه وتأييده، مثلما لبى رغبتهم في التخلص من الإخوان. الدكتور رفعت سيد أحمد، رئيس مركز يافا للدراسات السياسية، يقول: إن هناك تشابها كبيرا بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والفريق أول عبد الفتاح السيسي، في جانبين أساسيين هما الإرادة الشعبية والإرادة السياسية، فعبد الناصر في أزمة السويس كان لديه إرادة سياسية قوية في التعامل مع الأزمة، ورفض إنذار الدول الغربية له، وقام بتأميم قناة السويس رغم الصعوبات التي كانت تواجهه، وبالمثل فقد أصدر الفريق أول عبد الفتاح السيسي قرارا بعزل رئيس الإخوان مرسي، وتلبية رغبة الشعب ولم يهتم بتهديدات الدول الغربية. وأكد "رفعت" أن التحدي الحقيقي أمام "السيسي" هو إكمال ما بدأه، مثلما فعل عبد الناصر في بناء نموذج للاستقلال الوطني، فعبد الناصر لم يكن غرضه إحداث فرقعة سياسية، بل أراد استقلال مصر، ولفت إلى أن الشعب المصري أحب السيسي لأنه وجد فيه بعض صفات عبد الناصر، فضلا عن أنه لم يجد قائدا يتمتع بالنزاهة والقدرة على التغيير والإرادة الوطنية منذ زمن، مؤكدا أن السيسي قرأ التاريخ جيدا، وأخذ من تجربتي ناصر والسادات، متمنيا أن يكمل السيسي مسيرة عبد الناصر في الاستقلال الوطني. الدكتور جمال شقيرة- أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس- يؤكد أن الزعيم عبدالناصر والفريق السيسي متشابهان، فكل منهما يمتلك كاريزما وجماهيرية كبيرة، و"السيسي"خرج من ذات مؤسسة عبد الناصر، وكلاهما انحاز إلى إرادة الشعب. وأشار إلى أن أزمة السويس و30 يونيو متشابهتان من عدة زوايا، رغم الفارق الزمني من 1956 إلى 2013، فقد حرصت حكومة الإخوان على أخونة الدولة والقضاء على وحدة المصريين، فضلا عن أن الظروف الدولية متشابهة، ففي أزمة السويس كان هناك تكتل دولي متمثل في العدوان الثلاثى، وفي ثورة 30 يونيو كانت أمريكا تمارس غطرسة القوة وأنها المتحكمة في العالم. "شقيرة" يؤكد أن الزعيم عبد الناصر نجح في إدارة الأزمة، وصمد من أجل الحصول على حق المصريين في قناة السويس واستردادها من بريطانيا التي كانت تسرق دخل القناة وقوت المصريين، وفي ثورة 30 يونيو حرص السيسي على الوقوف إلى جانب المصريين والقضاء على جماعة الإخوان التي استقوت بالمخابرات الخارجية. مشيرا إلى أن عبد الناصر استقوى بالإرادة الشعبية، فقد خرجت التظاهرات في جميع المحافظات لدعم عبد الناصر أثناء خطاب المنشية، ورفض عبد الناصر مطالب من حوله في الخضوع لإنجلترا، واستمد الإرادة الحديدية من المصريين، وكان يؤمن بأن الجماهير المصرية لن تخذله، كما نجح في تحريك الشعوب العربية، وانتصر على العدوان الثلاثي، وعرفت الدول الغربية قوة مصر. ويري "شقيرة" أن السيسي درس أوضاع مصر، وفهم طبيعة الشعب، وشعوره بأن جماعة الإخوان تدفع مصر نحو نفق مظلم، فاتخذ قراره الحاسم بالوقوف مع المصريين ضد الفاشية الدينية ومندوب الإخوان في قصر الاتحادية، مختتما بقوله: كلتا الأزمتين أثرتا على مستقبل الحياة السياسية في مصر، وكلا القائدين استطاعا تلبية إرادة الشعب والاستقواء به على الأعداء.