حتي ساعة كتابة هذه السطور.. مساء يوم الثلاثاء الماضي, لاتزال الصورة غير واضحة بشأن تعامل الحكومة مع المعتصمين من الإخوان ومن يشيعهم بميداني رابعة والنهضة, فبعد أن خرج الشعب ليعلن رفضة لاستمرارهم في حكم مصر, وبالفعل أزاحهم بعد أن اضطرت القوات المسلحة للانحياز للإرادة الشعبية, فقد حدث ما كان متوقعا من تمسكهم بالحكم والعض عليه بالنواجذ,حيث صعدوا من نبرة واسلوب رفضهم للاستجابة للإرادة الشعبية, بالاعتصام بالميادين العامة وتهديدهم للأمن العام والسكينة بشوارع القاهرة والمدن الكبري, والقيام بعمليات إرهابية ضد جنودنا بسيناء والمواطنين الآمنين أيضا, ثم استقواأهم بامريكا ومن يدور بفلكها للضغط علي الحكومة والفريق أول عبدالفتاح السيسي لإرجاعهم للحكم مرة أخري, الأمر الذي جعل الفريق أول السيسي يطلب من الشعب العون والمساندة بإعلان موقف الجماهير الصريح والقاطع مما يحدث, فكان اكبر حشد شعبي لم يعرف التاريخ مثله بأي دولة, حيث خرج قرابة الأربعين مليونا لشعب يبلغ تعداده85 مليون, أي قرابة نصف الشعب المصري كله, ليعلن تأييده لما تم من خطوات ورفضه صراحة لعودة حكم الإخوان, وتفويض سلطات الدولة بالقيام بكافة الإجراءات المناسبة للتعامل مع ما يقومون به من عمليات إرهابية تروع أمن وأمان المواطنين وتهدد امن وسلامة وبقاء مصر ذاتها. إلا أن الضغوط الدولية التي مورست ولاتزال تمارس من الولاياتالمتحدة علي الحكومة وعلي الفريق السيسي نفسه قد فاقت الخيال, وبصورة يصعب كثيرا إيجاد تفسير لها غير أن يكون لها مصلحة مؤكدة لبقاء الإخوان أو عدم محاكمتهم حتي لا ينكشف المستور بينهما, في صورة عقد صفقة ما تمكنهم ورموزهم من الخروج الآمن وضمان عدم إقصائهم من المشاركة في العملية السياسية من جديد. وعلي ما يبدو. فإن ما أعلن وما قرئ من خلفيات لتلك الضغوط التي مورست علي الفريق السيسي بالذات, بصورة صريحة وعلنية أو خفية وغير مباشرة, مارستها الولاياتالمتحدة بنفسها, أو دفعت بعضا من أعوانها للقيام بها مثل ألمانيا وتركيا وقطر وغيره, تلك الضغوط علي ما يبدو تؤتي ثمارها, فرغم مرور اكثر من خمسة عشر يوما علي التفويض الشعبي للفريق السيسي, فما يزال الحال علي ما هو عليه, حيث غلت نسبيا يد القوات المسلحة والشرطة عن القيام بعمل حاسم باتر يستجيب لإرادة الشعب ويعلي من شأن مكانة الدولة وهيبتها وتفعيل القانون الذي ينتهك كل ساعة ويعيد الأمن والأمان للمواطنين, وطالت الفترة بصورة زادت من ثقة الإخوان بأنفسهم استشعروا فيها انهم ليسوا بمفردهم وأن هناك من له مصلحة في بقائهم ولا يتخلي عنهم ويساندهم, فتمكنوا من إعادة تنظيم صفوفهم والحصول علي مزيد من الأسلحة والأدوات التي قد يستخدمونها في مقاومة تدخل الدولة لإجلائهم من الميادين والشوارع التي استوطنوها وأحالوا حياة سكانها لجحيم لا يطاق, وإستقدموا أطفال ونساء بالأجر أو الوعود الخادعة والأوهام الزائفة لإستخدامها دروعا بشرية يحتمون خلفها أو وقودا يضحون بهم من أجل إعطاء صورة أكثر دموية إذا قامت الحكومة بإخلائهم بالقوة, بل أنهم قاموا بتطوير هجومهم من حيث النوعيه والمكان علي المواطنين والمنشأت العامة وتوسيع مجال تظاهراتهم وأعمالهم العدائية. وكان من الطبيعي أن تصاب الجماهير بالإحباط, لما بدا من ارتعاش يد الحكومة وترددها في القيام بعمل حاسم, حتي أنه بدأت تظهر نداءات تطالب بسحب التفويض السابق إعطاؤه للسيسي للتعامل مع الإرهاب, علي الرغم من إدراكهم لحجم ما يتعرض له من ضغوط دولية فاقت الخيال, إلا أن الشعب وبعد ثورة يوليو العظيمة والتي فوض فيها السيسي تفويضا كاملا, قد أيقن لأول مرة أنه صاحب الإرادة والشرعية الوحيد بمصر, وأنه قادر علي كسر أي قيد وتحد كل من تسول له نفسه سلب حريته وعزته وكرامته. لقد رفع الشعب صور السيسي إلي جوار صور الزعيم عبد الناصر, فقد رأت الجماهير فيه أن التاريخ يتكرر وناصر عاد من تاني, حتي أن الغرب رأي ذلك أيضا, فقد نصح بعض الخبراء السياسيين الأمريكيين اوباما بعدم الضغط بصورة عنيفة علي السيسي حتي لا يصنعوا منه ناصر جديدا بالمنطقة. وهي مكانة وثقة نعتقد أن الفريق اول السيسي أهل لها وعلي قدرها, فلأول مرة منذ أكثر من خمسين عاما تقول مصر لأمريكا لا, حدث ذلك في عدة مواقف, لذلك يطالبه الشعب بأن يستمر فيما بدأه, فقد اعطاه ثقته الكاملة, وهي الثقة التي لا يحصل عليها من الشعوب إلا الزعماء الذين يجود بهم التاريخ في لحظات فارقة وخطيرة ونادرة تمر بها الأمة, وأن يستكمل ما قام به ولا يستجيب أو يلين لأي ضغط يمارس عليه من أي جهة, حتي ولو كانت ماما أمريكا. فلا خروج آمن لمن خان بلده وباع ترابها وأضر بسيادتها, لا عفو عمن قتل الأبرياء بدم بارد لتحقيق مصلحته الشخصية, حتي ولو كان تحت مسمي صفقة لتحقيق الأمن وفض الاعتصامات ووقف العمليات الإرهابية بسيناء, وليتذكر السيسي أن عبد الناصر تعرض لضغوط أعنف حين أراد بناء السد العالي, تدرجت في الشدة حتي وصل الحال بها وهو في سبيله للعمل وفق مفهوم سيادة القرار المصري واستقلاليته ورفض اي ضغوط تمارس علي مصر لتأميم قناة السويس, وهو ما دفع الغرب للجنون فصعدوا من تهديدهم واعمالهم العدائية ضد مصر حتي حدوث العدوان الثلاثي, إلا أن مصر, وكما لابد أن تقضي العدالة السماوية, كتب لها النصر والخروج منتصرة.. ولناصر الزعامة الحقيقية والخلود المشرف في التاريخ. ونزيد علي ذلك ونقول للسيسي إن الظرف والمصلحة الوطنية تحتم محاكمة قيادات ورموز نظام الاخوان محاكمة سياسية أيضا فضلا عن محاكمتهم جنائيا, فالمحاكمات السياسية تكون للسياسيين إذا اتهموا بإفساد الحياة السياسية بمصر وارتكاب أعمال من شأنها الإضرار بالأمن القومي وحرية واستقلال الوطن والمواطنين, فالمحاكمة السياسية مجالها أعم واشمل, كما ان اثار ومخاطر جرائمها بفرض ثبوتها في حق من اتهم بارتكابها تكون أفدح, وعقابها أيضا يكون اشد, ولا يتحتم ان يكون قضاتها من أعضاء السلك القضائي وحده بل من الممكن ان يشاركهم فيها بعض من رموز الأمة وقادتها, وتكمن فائدتها الكبيرة في كونها كاشفة لمسار العملية السياسية عن الفترة التي تشملها مجال المحاكمة, فتمثل عبرة لمن يتحمله عبء الحكم مستقبلا فيأخذ منها عبرة له, ولا يكرر أخطاء من سبقه, وهي أيضا فرصة لكتابة التاريخ بناء علي حقائق وليس بناء علي افتراضات وتخمينات, فكلتا المحاكمتين يكملان بعضهما ولا يتعارضان, بل يمكن ان يتزامنا حيث إن مجاليهما مختلفان, لذا علينا إلا نهمل الأخيرة حتي يأخذ كل ذي حق حقه ويعاقب من أجرم في حق بلاده, والمحاكمات السياسية ليست بدعة فهناك سوابق يحفل التاريخ بها لدول سبقتنا كثيرا في طريق الديمقراطية أخذت بالمحاكمات السياسية إلي جوار الجنائية.