تسود نغمة نشاز مقصودة بين عدد من الإخوان المنشقين عن الجماعة، وكذا عدد من المتصدرين للشاشة الفضية في برامج "التوك شو" مؤداها وجود فارق قد يصل إلى حد الخصومة بين فكر حسن البنا وفكر سيد قطب، وأن الجماعة تنقسم بين الفكرين إلى البنائين والقطبيين في محاولة بائسة للإفلات بعنق الجماعة من مقصلة المحاسبة المجتمعية على ما حملته من فكر منحرف كاد يودي بكيان الدولة المصرية. كما أن الترويج لاعتدال فكر حسن البنا في مقابل تشدد وغلو فكر سيد قطب يمثل جناية ثانية ترتكبها الجماعة في حق المجتمع بعد جناية نشأتها الأولى، إذ أن هذه الدعاية تمثل تلاعبًا بالعقول وقصفًا لها بكلام غير دقيق اعتمادًا على حالة الأمية الثقافية السائدة بين أوساط الشباب، ولبيان ذلك لا بد من استعراض الأدلة الدامغة التي تقول بصحة ما ذهبنا إليه، والأدلة موجودة في بطون كتب البنا وخاصة الرسائل، وفي بطون كتب سيد قطب وخاصة معالم في الطريق. ولا بد أن نعي أن فكر البنا وقطب هو فقه الإخوان وفهمهم ومناط بيعتهم ومنهج حياتهم وحركتهم الذي دفع بصبحي صالح أن يدعو الله أن يميته على الإخوان، وأن لهذا الفقه أهداف تكتيكية وأهداف إستراتيجية، أما الأهداف التكتيكية فتتمثل في محاربة المنكرات الجزئية والعادات غير الإسلامية ليس بقصد الإصلاح وإنما بقصد ربط تلك المنكرات بوجود القوانين الجاهلية والقيم الجاهلية وغياب شرع الله عن الحكم بما يخدم الهدف الإستراتيجي للجماعة وهو العمل الدائب على تغيير الأنظمة الجاهلية التي تحكم العالم الإسلامي. ووجودالإصلاحات الجزئية مرتهن بألا تتحول إلى إستراتيجية ينشغل بها الناس عن إستراتيجية تغيير الأنظمة، إذ في هذه الحالة تتحول الوسيلة إلى غاية، والأهداف التكتيكية إلى أهداف إستراتيجية وهو ما يمثل انحرافًا عن منهج الجماعة وغايتها، فالبنا يذهب في إحدى رسائله إلى الشباب إلى القول: "نحن لا نعترف بأي نظام حكومي، ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها". ويلتقي معه سيد قطب على ذات الدرب ونفس التوجه حين يرى أن الأنظمة التي تستبعد شرع الله أنظمة جاهلية، لا تعايش معها، ولا لقاء معها، ولا تنازل عن شيء من أمور الدين والعقيدة، ولا مداهنتها، بل يجب إعلان الحرب عليها، وتغييرها، ومفاصلتها، واعتزالها شعوريًا، أي كرهها والبراءة منها، والولاء لله ولرسوله والذين آمنوا. إذن فكلا الرجلين يذهب إلى تبني فكرة الجاهلية، جاهلية الأنظمة، وجاهلية المجتمع، وهي جاهلية أشد من الجاهلية الأولي باعتبار أن الجاهلية الأولى جاهلية بدائية بسيطة وساذجة، فإن كان الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم قد حارب الجاهلية الأولى على سذاجتها وبدائيتها كواجب شرعي حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى والقضاء على حكم الجاهلية حتي لا يكون الحكم إلا لله، فحرب الجاهلية المعاصرة أوجب. وإن كان علماء الإسلام ما قبل الإخوان قد فشلوا في مهمتهم الشرعية تجاه الدين فليقم الإخوان بهذه المهمة المقدسة فهم عليها أقدر وبها أجدر من كل العلماء السابقين والمعاصرين واللاحقين إلى يوم الدين. هذا هو منبع فكر التكفير الذي بذره البنا وسار على دربه وانتهج نهجه سيد قطب، ولا معنى مطلقًا للتفريق بينهما سوى ممارسة التدليس والغش.