عمل كرومر لأول مرة في مصر مندوبًا لصندوق الدين المصرى عام 1877 " كرومر إفلين بارنك " شخصية لعبت دورًا مهما في تاريخ مصر على مدى ربع قرن، بدءا من الاحتلال البريطاني لمصر وتعيينه معتمدا بريطانيا، لضمان تبعية مصر لانجلترا، وأدت حادثة دنشواي إلى عزله. اللورد كرومر، مندوب بريطانيا السامي في مصر من عام 1883 إلى 1907، كان رمزا لوجه الاحتلال السافر، وقد طبق في مصر ما استفاده من تجربة الاستعمار البريطاني في الهند، وهو من كبار دعاة التغريب والاستعماريين في العالم، الذين وضعوا مخطط السياسة التي يتبعها الاستعمار. وتعد فترة حكمه "علامة مفصلية" في تاريخ مصر، فقد أذل المصريين بالتحكم في قناة السويس والسيطرة عليها، والتحكم في مياه النيل، وسيطر على سياسة البلاد وسحق كرامتها واغتصب ثرواتها. شخصية كرومر المتعالية والمتعجرفة - كما وصفه المؤرخون- لعبت دورًا في إذكاء الغضب الوطنى المصري تجاه الوجود البريطانى، وقد ارتكب أكبر خطأ في حياته السياسية حينما أيد الأحكام الصادرة بحق المصريين المتهمين في حادث دنشواي في يونيو 1906 والبالغ عددهم 52 متهمًا ،الذين نفذت فيهم أحكام تراوحت بين الإعدام والجلد، وقد طلب رئيس الوزراء البريطاني من كرومر أن يغير سياسته في مصر أو أن يستقيل، ففضل كرومر الاستقالة. حادث دنشواي وقعت في 13 يونيو عام 1906 وفيها هاجم الفلاحون الضباط الإنجليز بعد أن قتل الإنجليز امرأة بطريق الخطأ وأصابوا آخرين توهموا أنهم يهاجمونهم، ومات ضابط إنجليزى من شدة الحر بعد ركضه مسافة 8 كم هربًا من الأهالي. وقضت المحكمة المصرية برئاسة بطرس غالي وأحمد فتحي زغلول باشا وعضوية 3 قضاة إنجليز بإعدام 4 فلاحين لأنهم تهجموا على الضباط الإنجليز، تنفيذا لتعليمات اللورد كرومر المندوب السامي البريطانى، فعمت الفوضى البلاد، وسافر مصطفى كامل إلى انجلترا ليندد بمذبحة كرومر الاستعمارية ضد الفلاحين المصريين، وطاف في عواصم أوربا لعرض قضية استقلال مصر، ونجح مصطفى كامل في الضغط على الحكومة البريطانية التي أقالت اللورد كرومر عام 1907، بعد إثارة الرأي العام البريطاني ضده. وقد عمل كرومر لأول مرة في مصر مندوبًا لصندوق الدين المصري عام 1877 الذي استحدثه الخديو إسماعيل في مصر للعمل على وفاء الدين الذي تراكم على الحكومة المصرية للدول الأجنبية من جراء مشروع قناة السويس، ثم أصبح عضوًا في لجنة المراقبة المالية المصرية سنة 1879 ومن مصر إلى الهند حيث عين وزيرًا للمالية 1880 1883، وقام بإصلاحات مالية عديدة، واختارته الحكومة البريطانية سنة 1883 عقب احتلالها مصر 1882 ليكون «الوكيل البريطاني والقنصل العام» بدرجة وزير مفوض في السلك الدبلوماسي، ثم ما لبث أن عين بعد الاحتلال البريطاني مباشرة مندوبًا ساميًا، ومعتمدًا لبريطانيا. ولد كرومر في 26 فبراير 1841، وهو الابن التاسع لهنري بارنك - عضو مجلس العموم- وبدأ حياته ضابطًا سنة 1858، ثم مرافقًا للمندوب السامي البريطاني على الجزر الإيونية سنة 1861، بعد ذلك أمينًا خاصًا لحاكم الهند البريطاني (1872 1876). كان اللورد كرومر الحاكم الحقيقي لمصر، وعين مستشارين من بريطانيا في كل وزارة من الوزارات المصرية، كما عين مفتشين بريطانيين في كل مديرية من مديريات البلاد، ولم يكن رئيس وزراء مصر يتم تعيينه إلا بعد استشارة وموافقة اللورد كرومر.. وقد وقف في وجه الدولة العثمانية حينما حاولت تعديل الحدود المصرية من الشرق، واعتبر ذلك تهديدًا لقناة السويس. وسحب كرومر من الخديو عباس حلمي الثاني كل سلطة فعلية، وتجاهل النظام النيابي، وقيّد سلطة مجلس شورى القوانين الذي أقره بدلًا من المجلس النيابي، وقصر التعليم في المدارس على مهمة تخريج صغار الموظفين في الحكومة المصرية، وكافأته الحكومة البريطانية بمنحه لقب «إيرل» عام 1901، وأقامت له الحكومة المصرية حفل وداع سنة 1907 بدار الأوبرا المصرية. وعينته الحكومة الإنجليزية سنة 1917 رئيسًا للّجنة التي ألفتها لبحث أسباب إخفاق حملة الدردنيل في أثناء الحرب العالمية الأولى، لكنه مات في العام نفسه قبل أن تنجز اللجنة عملها. وتمثل كتابات "كرومر" في كتابه "مصر الحديثة" خطة عمل كاملة وأيديولوجيا شاملة للقضاء على مقومات الفكر العربي وتمزيق وحدة العالم الإسلامي، ومقاومة القيم والمفاهيم العربية والإسلامية.