نظرت بريطانيا إلى الحركة الوطنية نظرة سخط، بحجة أن المصريين غير مؤهلين للحكم في اللقاء الشهير مع زعماء الأمة، في دار المندوب السامى، أدرك "وينجت" أن المصريين يطالبون بحقهم في الاستقلال والتواصل مع الحكومة البريطانية مباشرة، وتنبأ وينجت بحركة شعبية عارمة سوف تجتاح مصر، وأرسل توقعاته إلى الحكومة البريطانية وبمطالب الشعب المصري، إلا أن الحكومة البريطانية غضبت من موقف "وينجت" الذي وصفته بالمتخاذل والضعيف مع زعماء الأمة في مصر، وأنه كان يجب أن يكون متشددا وعنيفا معهم، ويجب ألا يمنحهم الأمل في مطالبهم، وأن يعمل على كبح جماع حركة سعد زغلول. وأخبر حكومته بأن سعد زغلول يجمع توقيعات من الشعب المصري ليكون ممثلا عنهم أمام الحكومة البريطانية، وأن هناك حملة مرتبة ضد الحماية البريطانية على مصر، وواصل وينجت إخبار حكومته بأمر سعد زغلول وأصحابه وأطلق عليهم توصيف "المتطرفين". وحرص وينجت على إخلاء مسئوليته أمام حكومته، وأنه لم يمنحهم وعودا أثناء مقابلاته التشاورية معهم، وكانت الحكومة البريطانية ممثلة في مستر بلفور، الذي أرسل إلى مندوبه في القاهرة رسالة مضمونها أن طلب المصريين للاستقلال تسبب في انزعاج بريطانيا ،ورفض زيارة سعد إلى لندن وعرض مطالبه التي وصفها بالمتطرفة. ونظرت الحكومة البريطانية إلى الحركة الوطنية نظرة سخط، بحجة أن المصريين غير مؤهلين للحكم، وحاول المندوب السامى حينها الحد من انتشار نفوذ "الوفد" بعد انتشار حركة التوكيلات، وعملت السلطة العسكرية البريطانية على منع تداول التوكيلات بكل ما لديهم من قوة، وتهديد من يشارك في الحركة واعتبرتها الحكومة البريطانية المحتلة إخلالا بالنظام العام. رأى وينجت أن السماح لسعد ورفاقه بالسفر إلي بريطانيا فيه اعتراف رسمى من الحكومة البريطانية بشرعيتهم كممثلين عن الشعب وإعطاء حركة الاستقلال موافقة رسمية، وطالبت الحكومة البريطانية مندوبها السامى "وينجت" بتشكيل حكومة ووزراء بدلا من حكومة رشدى، يرأسها مظلوم باشا أو إسماعيل سري، وخولت بريطانيا "وينجت" سلطة نصح السلطان فؤاد بقبول استقالة حكومة رشدى. سافر "وينجت" إلى لندن للقاء وزير خارجية بلاده، للوساطة في مقابلة الزعماء السياسيين بمصر، إلا أن وزير الخارجية حينها كان يري في الأفكار الوطنية خطرا يهدد بريطانيا، ويؤدى لاندلاع الثورات والاضطرابات، وبعد مراوغات من إنجلترا أسفرت عن نواياها الحقيقية بمنع ذهاب الزعماء المصريين إلى لندن، ومنعت "وينجت " من العودة مرة أخرى إلى مصر. وقدمت حكومة رشدى استقالتها للملك ووافق عليها، وكان هذا دليلا على أن السلطات البريطانية لا تقيم وزنا لأى اعتبار لا يتفق مع مصالحها ومطامعها، وأن قبول الاستقالة معناه تأكيد للحماية البريطانية. واشتدت الأزمة بين الوفد المصري والسلطان والحكومة البريطانية، وفكر القائم بأعمال المندوب السامى "شتيهام" عرض سعد زغلول للمحاكمة، إلا أن القانون أثبت أن لغة الاحتجاج لا تبرر رفع دعوى ضده، وحاول "شتيهام" أن يفرض الإدارة المباشرة على مصر في ظل الأحكام العرفية حتى يتأكد الشعب المصري أنه لا جدوى من وعود الزعماء وهدوء الموقف في نظره. وحاول إبعاد سعد زغلول عن البلاد ونفيه إلى مالطة، وتصورت دار المندوب السامى أنها بذلك تخمد صوت المعارضة، لكن شرارة الثورة المصرية اندلعت في يوم 9 مارس، وأطلقت القوات البريطانية النار على جميع التظاهرات وتم إحراق القري وتدميرها، وتصور القائم بأعمال المندوب السامى أن ضرب الثورة بعنف سيهدئ من الأوضاع، إلا أن الأمور ازدادت اشتعالا، واضطرت بريطانيا إلى الموافقة على مطالب المصريين بسفر الزعماء إلى بريطانيا، وإرسال لجنة "ملنر" لبحث الأوضاع. وكانت بريطانيا ساخطة على أداء دار المندوب السامى والتعامل مع الأزمة، وتأكد وزراء بريطانيا أن مصر بها ثورة شعبية عارمة يصعب السيطرة عليها، وظهرت الحاجة إلى إرسال رجل قوى ليواجه الأزمة، فأرسلت المندوب السامى "اللنبي" إلى مصر.