كبيش: الدولة قادرة على وزن الأمور، والعلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة بين الدول، فالدولة التي تقرر قطع العلاقات مع دولة أخرى، لا يلحق بها الضرر وحدها، وإنما يصيب أيضا الدولة الأخرى في ظل التدخلات الأجنبية في الشأن المصري، خاصة من أمريكا وتركيا وقطر، وتصريحات سفراء تلك الدول وقيادتها بأن ما يحدث في مصر انقلاب عسكري وليس ثورة، وأن هناك انتهاكا لحقوق الإنسان في مصر، والمطالبات بزيارة الرئيس المعزول محمد مرسي في محبسه، يعود بنا ذلك إلى فكرة "المندوب السامي البريطاني "، واستحداث مندوب سامي جديد ولكنه أمريكي، إنه سفير أمريكا في مصر الذي يحاول أن يكون طرفا أساسيا في الحياة السياسية المصرية، وهذا ما يرفضه الشعب والقيادات السياسية في مصر. عدد من أساتذة القانون طالب بطرد السفراء الأجانب الذين يتدخلون في الشأن المصري تدخلا سافرا بما يضر بمصالح الأمن القومي المصري.. دكتور نبيل مدحت سالم -أستاذ القانون الجنائي- يري أن تدخل الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية في الشأن الداخلي المصري يعكس فشل أكبر مخطط أمريكي لإعادة رسم حدود دول الشرق الأوسط، وتقسيمها لصالح إسرائيل بضغط من اللوبي الصهيوني العالمي الذي لم يجد أفضل من ذلك وسيلة لتحقيق هذا الهدف من تمكين الفاشية الدينية من دول المنطقة، فبدأ بتونس، ثم يقود حاليا حربا ضروس ضد النظام الحاكم في سوريا، عندما أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه في مصر- من خلال تمكين جماعة الإخوان التي وصفها "بالإرهابية " - بالقفز على الحكم بانتخابات مزورة، ونجح بالفعل. أضاف "سالم" أن أمريكا وأعوانها فوجئوا بقيام الشعب المصري المسلم المتدين، والمسيحيين المتدينين بالانتفاض في وجه الجماعة "الفاشية" الإخوانية وإزاحتها من سدة الحكم. واستنكر "سالم" تصريحات "آن باترسون" سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية في مصر حول ضرورة إعطاء الإخوان الفرصة لحكم مصر، مؤكدا أن هناك علاقة تربط بين تلك التصريحات، وبين ما يحدث في سيناء حاليا من عمليات إرهابية يرتكبها الخائنون من جماعة الإخوان، الذين خانوا مصر خيانة عظمى، مشيرا إلى أن الرئيس المعزول ترك المنطقة " ج " في سيناء بالكامل للإرهابيين من كل بقاع الأرض، فضلا عن فتحه للأنفاق والمعابر في شمال سيناء والحدود الغربية مع ليبيا لتسليح تلك الفصائل الإرهابية. وأضاف أن أمريكا وحلفاءها أصيبوا بخيبة الأمل بعد تصدي مصر وشعبها وجيشها وأفراد شرطتها لهذا المخطط الاستعماري، بإسقاط حكم الإخوان، مشيرا إلى أن هذا يفسر لهفة الدول الغربية في محاولتها إعادة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية مجددا. وأكد ضرورة أن تكون الحكومة المصرية قوية لا تهتز يدها أو ترتعش من تصريحات الدول الغربية، لا سيما بعد موقف الدول العربية الشقيقة "المملكة العربية السعودية، الإمارات، الكويت، والبحرين "، ورفضها التدخل الأجنبي في الشأن المصري، وإعلان السعودية عن استعدادها لتعويض مصر بمساعدات في حال قطع الدول الغربية مساعداتها لمصر، مشددا على ضرورة طرد سفراء الدول التي تتدخل في شئون مصر الداخلية تدخلا سافرا مثل الولاياتالمتحدة وتركيا وقطر. وأوضح أن الحكومة المصرية حكومة انتقالية، ولكنها يجب أن تتصرف بمفهوم ثوري بحت، بحيث لا تسيء تصرفاتها إلى مكتسبات ثورة 30 يونيو، وأن يكون لديها القدرة والشجاعة على طرد السفراء الذين يهاجمون مصر ويتدخلون في شئونها، وهذا مطلب شعبي، ويجب أن تنفذه الحكومة باعتبارها ممثلة عن الشعب المصري. وذكر أن قواعد القانون الدولي لا تجيز لأي دولة أجنبية التدخل في الشئون الداخلية لدول أخرى، ولا يملك هذا إلا مجلس الأمن في حالة مخالفة الباب السابع من ميثاق المجلس الذي يتعلق بوجود مذابح أو حرب أهلية وانتهاك لحقوق لإنسان في الدولة، وهو ما لا ينطبق على الحالة المصرية. دكتور محمود كبيش - أستاذ القانون الجنائي، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة- يرى أن هناك حدودا للتدخلات الأجنبية في الشئون المصرية، كما أن هناك حدودا لتدخل السفراء الأجانب في مصر، وتلك الحدود تتيح لمصر ممارسة كافة سلطاتها على أقليمها في شئونها الداخلية، ولا يمكن أن تتدخل أي دولة أجنبية في شئونها، وذلك وفقا لمعايير القانون الدولي، مضيفا أن الدولة تمارس كافة سلطاتها على إقليمها وفقا للقوانين والنظم التي أرستها في إقليمها، كما تصبح الدولة ملتزمة بتنفيذ الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مع دول أخرى، من احترام حقوق الإنسان، ومكافحة ومناهضة التعذيب، وغيرهما من الاتفاقيات التي تجعل الدولة ملتزمة بتنفيذها. أضاف كبيش أن فكرة "المندوب السامي" أو السفير الأجنبي لدولة لدى مصر، لن يكون مقبولا منه التدخل في شئون مصر الداخلية بل ومرفوض تماما، خاصة أن مصر لم تخل بالتزاماتها الدولية أمام العالم وفقا للاتفاقيات الدولية الموقعة عليها، موضحا أن مقاومة مصر للإرهاب ومحاربته للقضاء عليه داخل بلادها يتوافق مع التزامات مصر الدولية في مكافحة الإرهاب، مؤكدا أن التدخل الأجنبي الذي نراه من تركيا والولاياتالمتحدة وقطر تحديدا تدخل وصفه " بالغريب"، ووفقا لاتفاقيات مكافحة الإرهاب تصبح مصر ملتزمة بالقضاء على الإرهاب في بلادها، وكان من المفترض إذا لم تفعل مصر ذلك وتركت الإرهاب يجتاح البلاد فتصبح ملامة أمام المجتمع الدولي وأمام شعبها. وعن المطلب بقطع التمثيل الدبلوماسي مع الدول التي تتدخل في الشأن المصري مثل أمريكا وتركيا وقطر، قال "كبيش": هذا جائز حدوثه ولا مانع منه، ولكن يجب أن تكون آخر خطوة يتم اللجوء إليها، ويتعين أولا استدعاء سفير الدولة الأجنبية للتشاور، بالإضافة إلى قيام مصر بإدانة تصريحات الدولة الأخرى التي تقف ضدها، وهكذا يتم التدرج في المعاملات الدبلوماسية، وصولا إلى قطع العلاقات في حالة استمرار الدولة الأخرى التدخل في الشأن المصري. وعن الأضرار التي يمكن أن تصيب مصر جراء قطع العلاقات، أوضح "كبيش" أن الدولة قادرة على وزن الأمور، وأن العلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة بين الدول، فالدولة التي تقرر قطع العلاقات مع دولة أخرى، لا يلحق بها الضرر وحدها، وإنما يصيب أيضا الدولة الأخرى، مشيرا إلى أنه إذا استمر التدخل السافر في الشئون المصرية لا سبيل ولا حل إلا بقطع العلاقات مع تلك الدول المتدخلة، والتضحية ببعض المصالح الاقتصادية بين البلدين في سبيل المحافظة على سمعة مصر وهيبتها. وطالب "كبيش" بضرورة منع بث بعض القنوات التليفزيونية المحرضة ضد مصر، والقبض على الإعلاميين والضيوف أيضا الذين يبثون موادا محرضة ضد مصر تضر بمصالحها وبأمنها القومي، وقال: إن هؤلاء الإعلاميين يرتكبون جريمة الإضرار بمصالح الوطن وتجب محاكمتهم. وقال المستشار يسري عبد الكريم - الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة: إن مصر دولة قوية مستقلة ذات سيادة وأقدم من أمريكا، ومن قطر ومن أي دولة من الدول التي تنفذ تعليمات الولاياتالمتحدة بالتدخل في شئون مصر لحساب إسرائيل. وعن قطع العلاقات مع الدول الأجنبية وطرد سفراء الدول المتدخلة في الشأن المصري، قال "عبد الكريم": إن هذه مواءمات سياسية تزنها السياسة المصرية، متمثلة في رئاسة الدولة، وباقي أعضاء القيادة السياسية والدبلوماسية المصرية والسفارات التي تمثل مصر في دول العالم، وتلك السفارات وممثلوها يقع على عاتقهم دور مهم في إبلاغ رسالة إلى العالم الخارجي - والدول الذين يمثلون مصر فيها - برفض مصر التام التدخل في شئونها، وألا يتجاوز الدبلوماسي على أرض مصر حدود الدبلوماسية الدولية، وفقا لأعراف القانون الدولي، وعدم التحريض على أفعال من شأنها الإضرار بالأمن القومي والمصالح الوطنية.