لم تكن أحكام المحكمة الإدارية العليا بإلغاء نتيجة الانتخابات في 30 دائرة بعدة محافظات مجرد حدث عابر في سجل الاستحقاقات النيابية، ولا خطأً إداريًا يمكن تجاوزه ببيان توضيحي أو تبرير مُقتضب، بل كانت عنوانًا فاضحًا لأزمة صامتة داخل مؤسسات يُفترض أنها تتصدر مشهد الضمانات والنزاهة، ما جرى لم يكن تفصيلًا صغيرًا في كتاب الديمقراطية المصرية، بل صفحة كاملة سُطّرت بمداد ثقيل، تُطرح معها أسئلة مُلحّة عن المسؤولية والرقابة والثقة العامة. الحقيقة التي كشفتها حيثيات المحكمة الإدارية العليا لا تحتمل اللبس ولا التأويل، فالأحكام جاءت مبنية على امتناع الهيئة الوطنية للانتخابات عن تقديم المستندات التي طلبتها المحكمة، أو تقديمها بصورة منقوصة لا تمكّن القاضي من ممارسة دوره الرقابي. هذا الامتناع لم يكن حادثة منفردة، بل نمطًا تكرر في كل الدوائر التي أُبطلت نتائجها، وهو ما وصفته المحكمة، بلغة القانون، بأنه يحجب عنها القدرة على فحص مزاعم المرشحين الخاسرين المتمثلة في: أخطاء الفرز، الفروق بين اللجان العامة والفرعية، منع الوكلاء، التوكيلات التي لم تُسلّم، اللجان التي شهدت تسويدًا جماعيًا أو تصويتًا منظمًا، ومحاضر لم تُسلّم للمرشحين بالمخالفة للقانون. وعلى الرغم من تنوع الدعاوى والدفوع، كانت المحكمة تطلب شيئًا واحدًا محددًا: محاضر الفرز الأصلية للجان الفرعية (نموذج 11 ن فردي) لا محاضر الحصر العددي، لكن ما قدّمته الهيئة كان صادمًا: دوائر لم يُقدَّم فيها أي محاضر على الإطلاق، دوائر أخرى قُدّم فيها بعض المحاضر وغاب أغلبها، الاعتماد على محاضر الحصر العددي بدلًا من محاضر الفرز، رغم أن المحكمة قالت بصريح العبارة: الحصر العددي لا يحل محل محاضر الفرز، ولا ينهض دليلًا على سلامة العملية الانتخابية. بهذا السلوك، لم تترك الهيئة للمحكمة أي مساحة لتقييم حقيقة ما جرى داخل اللجان، فلم تستطع المحكمة أن تقول إن الانتخابات سليمة.. ولا أن تؤكد وقوع تزوير، والسبب واحد: الجهة المسؤولة عن تقديم الأدلة لم تتجاوب، وبدا وضحًا وجود نكول عن الوفاء بالتزامها القانوني في إيداع المحاضر تحت بصر المحكمة، والنكول هنا في معناه القانوني هو التخلي والامتناع. في دولة تسعى لبناء مؤسسات راسخة لم يكن يليق أن تطلب أعلى سلطة قضائية إدارية من الهيئة الوطنية للانتخابات محاضر الفرز فلا تجد تجاوبًا بل امتناعًا وتخليًا، في وقت كان ينبغي على الهيئة أن تكون أول من يحترم إجراءات التقاضي. إن الهيئة، التي ألغت بنفسها نتائج 19 دائرة قبل أحكام المحكمة لاعترافها بوجود مخالفات شابت العملية الانتخابية، كان ينبغي أن تكون جاهزة بالأوراق ومحاضر الفرز أمام الإدارية العليا تعزيزًا للشفافية وتأكيدًا على نزاهة الانتخابات، وبخاصة بعد ما ورد في طعون المرشحين من شهادات ومشاهدات عن منع الوكلاء، وتسويد بطاقات، وتوجيه جماعي، وغياب محاضر، لا يمكن تجاهله. لم تكن الأزمة قانونية فقط، بل سياسية أيضًا؛ فالمشهد الذي رأيناه يفتح الباب واسعًا أمام سؤال أكبر من أي دائرة انتخابية: أين ذهبت فكرة الثقة العامة؟ الانتخابات ليست صناديق فقط، بل منظومة متكاملة من الإجراءات والضمانات، وعندما تتعثر منظومة البيانات والمحاضر، أو تتجاهلها الجهة المسؤولة، فإن الرسالة التي تصل للمجتمع تكون أقسى بكثير من مجرد خطأ إداري. إنها رسالة تقول إن الإجراءات ليست محكمة، وإن المستندات ليست محفوظة كما يجب، وإن العملية الانتخابية يمكن أن تتعرض للاهتزاز بمجرد غياب ورقة واحدة. إن الثقة لا تُبنى بالتصريحات، بل بالأوراق، والشرعية لا تُصان بالأمنيات، بل بالبيانات المتاحة والمكشوفة للشعب. ما حدث يطرح أسئلة لا يمكن الهروب منها: من يتحمل تكلفة إعادة الانتخابات في هذا العدد الهائل من الدوائر؟ من المسؤول عن الامتناع عن تقديم المحاضر أو تقديمها ناقصة؟ من الذي سمح بانزلاق العملية كلها إلى هذا المستوى من السجال القانوني؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذها الهيئة الوطنية للانتخابات حتى لا يتكرر ذلك؟ نحن أمام أزمة لا تحتمل التجميل؛ ففي وقت تمر فيه البلاد بظروف اقتصادية صعبة، لا يُعقل أن تُصرف أموال طائلة على انتخابات لا تُستكمل أوراقها ولا تُراجع إجراءاتها ثم تُعاد من جديد، ولا يمكن أن يُطلب من الناس الصبر على الأوضاع المعيشية بينما هم يرون بأعينهم خللًا إداريًا بهذا الحجم في استحقاق دستوري مهم تكون نتيجته إنفاق أموال طائلة. إن احترام إرادة الناس، التي أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي في بيانه للهيئة والشعب قبيل إعلان نتائج المرحلة الأولى للانتخابات، يبدأ من احترام الأوراق التي تُثبت هذه الإرادة، وما جرى في الدوائر الثلاثين ليس مجرد بطلان نتائج، بل بطلان ثقة إذا لم توضّح الهيئة موقفها بشفافية مسؤولة. تطوير ماسبيرو على طريقة المسلماني جلابية الرئيس! في النهاية، ليست المشكلة أن نتائج الانتخابات في 49 دائرة أُلغيت، بل إن النظام الإداري الذي كان يُفترض أن يصون الانتخابات هو الذي أخفق، وما لم تستعد الهيئة الوطنية للانتخابات احترام هذا المبدأ، فإن كل استحقاق قادم سيظل معلّقًا بين الشك واليقين. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا