لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير مجرد احتفال ثقافي أو مناسبة بروتوكولية لاستعراض منجز عمراني ضخم، كان المفترض أن يكون لحظة فخر وطني، تستحضر فيها مصر أعظم ما في تاريخها، وتظهر للعالم وجهها الحضاري النقي، لكن المشهد لم يخل من صدمة.. فبينما كانت الكاميرات تسلط أضواءها على عظمة المتحف وأبهة الافتتاح، لاحت في الصفوف الأولى وجوه يعرفها المصريون جيدًا، رمزان للفساد والاحتكار وفساد التزاوج بين السلطة والمال في آخر عهد مبارك.
فمن حق الشعب أن يتساءل: كيف يأتي هؤلاء من قاعات المحاكم إلى مقاعد الشرف؟ كيف يتحول من أدانه القضاء، ومن اتهمه الناس بإفساد الحياة السياسية والاقتصادية، إلى ضيف شرف في حدث يفترض أنه يجسد طهارة التاريخ المصري وسمو حضارته؟ كيف يجلس هؤلاء على المنصة ذاتها التي تحتفي بتاريخ مصر المجيد؟ خاصة وأن الأمر لم يكن مجرد حضور عابر، بل ظهور مقصود ومعلن، حيث تحدث الاثنان أمام الكاميرات باعتبارهما شريكين استراتيجيين في مشروع المتحف.. وهنا تحديدًا بدأ الجرح الوطني ينزف من جديد: أي رسالة تريد الدولة أن تبعثها إلى المصريين حين تضع رموز الفساد في واجهة مشروع قومي؟ أهي رسالة غفران؟ أم إعلان رسمي بأن ذاكرة الأمة يمكن أن تشطب بلمسة مال؟
المتحف المصري الكبير ليس مجرد بناء حجري أو مشروع استثماري، بل رمز لهوية مصر وعمقها التاريخي، حين يفتتح بهذا الشكل، وتقدم وجوه العار في ثوب الرعاة الوطنيين، يتحول الحدث من لحظة فخر إلى إهانة رمزية لذاكرة العدالة، إنه تشويه متعمد للوعي الجمعي.. وتحد صارخ لوجدان أمة لا تزال تنزف من جراح الفساد الذي دمر مؤسساتها في العقود الأخيرة، المصريون لم ينسوا صاحب القضية التي هزت الضمير العام، ولا الذي صار اسمه مرادفًا للاحتكار والهيمنة وشراء الولاءات، هؤلاء لم يكونوا يومًا شركاء في التنمية، بل شركاء في نظام أفسد السياسة والاقتصاد معًا، ودفع بالشعب إلى الانفجار في يناير 2011.
الوجوه التي أطاحت بها انتفاضة يناير تعود الآن من الأبواب الخلفية، لا كمتهمين، بل كرجال إنجاز، المشهد برمته يعكس نزعة سياسية واضحة لتبييض صفحة الماضي وتلميع رموزه تحت شعار الشراكة مع القطاع الخاص، لكن الحقيقة أن هذه ليست شراكة، بل استسلام تام لرأسمالية الفساد.. في الظاهر يتحدث الإعلام الرسمي عن تعاون الدولة مع المستثمرين الوطنيين، وفي الجوهر، ما نراه هو إعادة إنتاج التحالف القديم بين رأس المال والسلطة الذي حذر منه الزعيم جمال عبدالناصر قبل أكثر من ستين عامًا حين قال: "إن الرأسمالية الطفيلية لا تبني أوطانًا، بل تبتلعها".
كيف يمكن إقناع الناس بأننا نعيش ميلاد جمهورية جديدة بينما يتصدر مشهدها رموز العهد الذي أسقطته الانتفاضة الثورية؟ هل يمكن بناء شرعية جديدة بوجوه تذكر الشعب بالظلم، والتزوير، والاحتكار، والتوريث؟ المصريون الذين تحملوا التضييق وارتفاع الأسعار وضغوط الحياة اليومية، كانوا ينتظرون أن يروا في هذا الافتتاح صورة مصر النقية، لا عودة من لوثوها، لقد أحس كثيرون أن النظام يوجه لهم رسالة صادمة مفادها: "انتهى زمن الحساب.. ومن كان بالأمس فاسدًا، اليوم هو راعٍ رسمي للوطن".
قد يستطيع المال أن يلمع الواجهات، لكنه لا يغسل العار، والتاريخ مهما حاول البعض طمسه، لا ينسى من سرق رغيف الفقير، ولا من زور إرادة الأمة، إنها مفارقة موجعة أن يكرم في حفل المتحف المصري الكبير رجال كانوا عنوانًا لفساد الحاضر، بينما ينسى الذين قدموا دماءهم دفاعًا عن كرامة هذا الشعب..
قد يظن البعض أن المصريين نسوا، لكن الذاكرة الشعبية لا تموت، هي فقط تنتظر لحظة العدالة لتنفجر من جديد، ولعل ظهور هذه الوجوه على منصة الشرف أيقظ الغضب الكامن في قلوب الملايين الذين رأوا في الحدث تجسيدًا لما يسمونه الاستقرار على حساب الكرامة.
حين يمنح الفاسد شرعية وطنية، يتحول الوطن نفسه إلى رهينة، وحين تمنح الرأسمالية الطفيلية لقب الشريك في التنمية، تتحول التنمية إلى غطاء لنهب جديد، إن ما حدث في افتتاح المتحف المصري الكبير ليس حادثًا معزولًا، بل علامة على عودة شبكة المصالح القديمة إلى قلب القرار الوطني.. مستفيدة من حاجة الدولة إلى التمويل ومن ضعف الذاكرة الرسمية التي تريد أن تبدأ من الصفر كل مرة، لكن الشعوب بخلاف الحكومات، لا تبدأ من الصفر، هي تحفظ من الذي باع ومن الذي خان ومن الذي صمت حين كان الوطن ينهب.
من موقع الانتماء الوطني للغالبية العظمى من الفقراء، لا يمكن السكوت أمام هذه المهزلة الأخلاقية والسياسية، فالمعركة الحقيقية اليوم ليست على متحف أو مبنى، بل على هوية الجمهورية الجديدة: هل هي جمهورية العدالة الاجتماعية التي حلم بها جموع الفقراء؟ إن الإنجاز بلا عدالة هو كيان بلا روح، والتنمية التي تبنى على تبرئة الفساد ليست تنمية، بل عودة مقنعة للنهب المنظم باسم الوطن.
حتمًا يحق للمصريين أن يفتخروا بالمتحف المصري الكبير كأعظم صرح أثري في العصر الحديث، لكن لا يحق لأحد أن يسرق من هذا الفخر نقاءه، أو يلوث رمزيته بإعادة تدوير رموز الفساد، فالحضارة التي عمرها سبعة آلاف عام لا تكرم بوجوه شوهت حاضرها.. والجمهورية التي تريد أن تبنى من جديد لا يمكن أن تقوم على أنقاض الكرامة، يا من في يدكم القرار، احذروا اللعب بذاكرة هذا الشعب، فهي الذاكرة التي أسقطت من قبل عروشًا ظن أصحابها أنهم خالدون، وليعلم الجميع أن مصر ستبقى وطن العدالة لا وطن الصفقات، وطن الشرفاء لا وطن المحتكرين، ومهما حاول الفاسدون أن يتزينوا بثوب الوطنية الزائف. جدلية الفرص والطبقات في مدارسنا وجامعاتنا الهندسة الانتخابية في مصر! إن عودة الفاسدين إلى منصة الشرف خيانة، وطعنة في قلب العدالة الاجتماعية التي حلم بها الفقراء والمهمشون، وليعلم الجميع أن مصر العميقة هي مصر الشعب لا مصر المحتكرين، مصر الفلاح والعامل لا مصر المقاول والسمسار، فليفتح المتحف للحضارة، لكن لا تغلقوا ضمير الأمة خلف جدرانه، اللهم بلغت اللهم فاشهد. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا