إن ما أراه من مآخذ على تاريخ المسلمين الأوائل لا يعني اعتراضا عليهم أو إنقاصا من قدرهم ومنزلتهم ومصاحبتهم للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لكنهم أولا وأخيرا بشرٌ مثلهم مثلنا، لكنهم أشد تعقيدا منّا، لأنهم عاشوا مرحلتين متناقضتين تماما مرحلة الجاهلية القرشية ومرحلة البعثة النبوية. عاشوا الظلام والنور، عاشوا جهل الوثنية، وتشبعوا من علم الإيمان، ثم عاشوا مرحلة الغنائم والأنفال والخيرات ومتاع الفتوحات.. لذلك نزل القرآن بأحكامه وأوامره ونواهيه منجما على مدار ثلاثة وعشرون عاما، يخاطب تلك الشخصية والنفسية والفكرية التي نشأت في بيئات مختلفة ومناخ مختلف.
فما كان من القرآن إلا أن يعلمهم تدريجيا ويحرِّم ويحلِّل بحكمة ورشد من لدُنه لأنهم بشر، وما حصل بعد وفاة النبي لهو خير دليل على أنهم كانوا بشرا وليسوا ملائكة.. لذلك عندما ننتقد بعض تجاوزاتهم وأخطائهم ننتقدهم كبشر فلا يمكن أن يكون تاريخهم وسيرتهم وأعمالهم نموذجا صالحا للتطبيق الآن بالمطلق.
فإذا كانت الأحكام الشرعية قابلة للتغيير بتغير العُرف والواقع والزمن فكيف تكون أعمال هذا الجيل الأول قابلة للتطبيق الآن، في مجتمع مختلف تماما عن مجتمعهم وفي بيئات مختلفة تماما عن بيئاتهم، وفي أزمنة ومجتمعات وأجيال وثقافات تفصلنا عنهم خمسة عشر قرنا من السنوات؟! في رأيي المتواضع أن من بين أسباب تأخر المسلمين اليوم؛ هو ارتباطهم الوثيق بالماضي، وبالطبع لا أقصد التمسك بأصول الدين وقرآنه وتشريعاته، كذلك السنة الصحيحة التي لا شبهة فيها ولا ضعف في سندها وروايتها؛ وإنما أقصد هذا التقديس المبالغ فيه لذلك الجيل الأولي من الخلفاء والصحابة ومن تلاهم على مدار القرن الأول من بعد وفاة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-..
فلست متفقا مع هذا الارتباط الوثيق بتاريخهم وأفعالهم، وذلك لسببين، السبب الأول هو أن واقعهم كبشر لم يكن واقعا ملائكيا، وما يُقص علينا من اختلافاتهم التي بسببها قُتل من قُتل وتشرَّد من تشرَّد، حتى أن خلافاتهم ومعاركهم وما حدث من الفتن الكبرى والصغرى والظاهرة والخفية وغيرها؛ كانت وما زالت سببا رئيسيا في الطائفية والمذهبية والتي أفرزت تيارات الإسلام السياسي المتطرفة، والتي نعاني من نكباتها وداعشيتها وإرهابها حتى اليوم..
ولا أدري ولا أحد غيري يدري أو يجزم متى ستنتهي، ومتى ستزول، فالظاهر يؤكد على أن هذه الطائفية ستبقى إلى أن يشاء الله بزوالها، السبب الثاني في عدم اقتناعي بواقع القائمين على الدين من الذين جعلوا من سيرة الصحابة قصصا ملائكية ويناشدون الناس في كل خطاباتهم ومنابرهم أن يتمسكوا بسيرة هؤلاء الذين مر على تاريخهم ما يقارب من خمسة عشر قرنا! ثم نجد مَن يقدسهم ويصل بهم إلى حد يقارب مكانة النبي فهذا لا يتوافق مع عقل ولا منطق ولا حتى مع عقيدة صحيحة، فالتقديس الحقيقي لله وحده وليس للصحابة ولا لأحدٍ من البشر عموما، فلا ينبغي أن يصل ذلك التقدير إلى حد القداسة والعصمة لبشر يخطئون ويصيبون، والدين الإسلامي لا يقدّس أي إنسان مهما علت منزلته. ومن العجيب والمؤسف أن تجدد هذا تعدد في الرؤى حول هؤلاء الناس الذين مر على رحيلهم قرون من الزمان. هذه الرؤى المختلفة والمتعارضة كان سببها دائما استدعاء هذا التاريخ السلفي، فدعونا نستعرض باختصار رؤية المذاهب الثلاثة وهم الشيعة والسنة والصوفية لأولئك السلف.. فعند مبادئ الشيعة، لا تُقبل فكرة عدالة جميع الصحابة بشكل عام، بخلاف ما هو سائد عند المذاهب الاخرى، فالشيعة يرون أن في الصحابة المؤمن والكافر، الصالح والطالح، ولذلك فهم لا يقولون بعدالة كل صحابي، وفي المقابل هم يقدسون الأمة الاثنى عشرية ويمجدون الصحابي علي بن أبي طالب لدرجة أن بعضهم يقدسونه ويتوهمون أنه نبي.. أو في مكانة النبي وما دونه من الصحابة فهم ليسوا عدول، وليسوا مستحقين لأي تقدير، بل وصفوهم بالنفاق وغير ذلك من الإهانات التي لا داع لذكرها، فالشيعة يوالون الأئمة المعصومين ويتبعونهم في منهجهم وأحاديثهم وسيرتهم في كتبهم. أما أصحاب مذهب السنة فهم على خلاف المذهب الشيعي في إنقاص قدر الصحابة، فجمهور جماعة أهل السنة يرون ويؤكدون على أن كل الصحابة عدول، وأن عدالتهم مثبتة بنصوص الكتاب والسنة، وأن الله ورسوله قد زكّاهم، واختارهم لنصرة الدين، وأنهم هم خير القرون وخير الناس. ثم نأتي إلى الصوفية فهم يُنظرون إلى الصحابة على أنهم قُدوة ومصدر إلهام في الزهد والتقوى، ثم اقتبسوا من حياتهم وأقوالهم ما يعزز طريقهم الروحاني، ومستندين في ذلك إلى أقوالهم في كتبهم، وخاصة الخلفاء الراشدين كأصل لطرقهم في الزهد والذكر والتقشف والإقبال الشديد على الله، وهذا ما اعتبروه نواة أولى لحركة الزهد في الإسلام. اختلفوا فتفرقوا فكان النصر حليف عدوهم.. موقعة أُحد دروس مستفادة هم عبيد منافعهم وطابعهم الغدر إذن نحن أمام اختلافات كثيرة وآراء متباينة لكل مذهب عن الآخر في مواجهة الجيل الأول من المسلمين، فهل تلك الطائفية المذهبية خادمة للإسلام! وكيف لغير المسلمين أن يعترفوا بهذا الدين الذي اختلف أهله حول رجل مسلم عاش ومات قبل قرون، ولا زالت اختلافاتهم خارج حدود العقل وخارج حدود الدين نفسه! وما زال في العقل عن ذلك الجيل تساؤلات لكنهم غير مطالبين بالإجابة لأنهم ببساطة رحلوا ومعهم حقيقة ما جرى لهم ومعهم من بعضهم البعض. ومازالت الافتراءات مستمرة ومازالت السفينة غارقة في بحور التاريخ، تحيط بها أمواج هائجة وأمواج مفتعلة ليبقى الحال على ما هو عليه. [email protected] ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا