بلغت عبارات التعازي والتعبير عن قيمة صنع الله إبراهيم كأديب وإنسان عنان السماء، وكعادة العرب حين يكتشفون فجأة قيمة من كان يعيش بين مضاربهم فيمطرونه بقصائد الرثاء الممزوجة بالمدح والحسرة، لكن ماذا بعد! في واقع الحياة ومأسويتها اليومية التي يعيشها المبدع العربي، هو كم الحب والاعتراف بعبقريته وإبداعه المتفرد بعد وفاته، وصنع الله يستحق بلا شك هذا الاعتراف بقيمته وبإبداعه وكان سيسعده هذا أكثر لو رأى هذه التعبيرات والإشادات في حياته الطويلة، التي لم يجن منها غير السجن والتهميش والتكريم المشبوه فيه من قبل مروضي الحظيرة الثقافية، ولكنه أدرك الفخ ورفض تلك الجائزة وقيمتها المالية بشجاعة رفعت قيمة الكاتب المصري الحر ابن التاريخ الحضاري البنَّاء..
وبصفتى شاهد عيان على هذا الحدث المتفرد في تاريخ ثقافتنا العربية وإرباك ممثل الدولة في شخص وزير الثقافة فاروق حسني، وجابر عصفور والربكة التي رأيتها على وجه الوزير والوجوم الذي ساد ملامح عصفور، وفرحة جميع الحضور بلا استثناء في القاعة وتصفيقهم الحاد وهرولة الكاتب خيري شلبي على صنع الله حاضنا، وسماعي لجملة (الله أكبر) وكأن صنع الله عبر بارليف الصمت والخزي والخوف، حطم بارليف الاستبداد ودك حصون الحظيرة! وعلى الرغم من حداثتي العمرية وحداثة تكويني النقدي والأكاديمي وقتئذ تعلمت الكثير، وأدركت ثمة مواقف تعرف بها الرجال، فمن غيره يملك هذا الرفض بوجه النظام في وقت شح فيه الرجال الحقيقيين.
أصبح صنع الله مثالا اتخذته في حياتي الثقافية والحياتية، وصحيح قابلته مرات قصيرة وسلام من بعيد لبعيد، ولكن إبداع الرجل الروائي ظل قريبا جدا من مسيرتي الأكاديمية والبحثية، تعرفت عليه أكثر وعرفت وفهمت تمرده وما فعل من خلال شخصياته الروائية وسماته الأدبية ومساره الإبداعي. رحل صنع الله ومثل رحيله رحيل كل المبدعين المصريين الذي عاشوا في صمت وتجاهل الاحتفاء بهم، وحين رحلوا أمطرت السماء عليهم الرثاء وتفوهت ألسنة زملائهم بالعزاء وتبارى الجميع في سبق التعازي والإشادة ونشر بعض ما كتبوه عن قيمة الراحل، وهذا ما حدث بالضبط مع صنع الله، لتصل هذه الإشادات إلى مخطوطات لو جمعت لأصبحت كتابا ضخما. وفي واقع الأمر أرى هذه المخطوطات التي سطرت في عزاء صنع الله ما هي إلا تعبير عن خيبتنا كزملاء في الإبداع والأدب والنقد على بث هذه الروح الإيجابية في محبة الأديب الراحل، والتي كانت أولى أن ندونها ونخطها في حياته، وكذلك هي تعبير عن فقدان بوصلة الدولة في مؤسساتها الرسمية للثقافة والنشر والترجمة في الإهمال بلا مبرر لقيمة إبداع الرجل في التسويق له كنشر وترجمة وتكريم حقيقي مخلص. ولأهمية هذه المخطوطات وعبارات العزاء، وكل ما كتب عن صنع الله، وجب أن يضمها كتابا عن سيرة ومسيرة الرجل، وأن تفتح قاعة باسمه في مسقط رأسه أو بمكتبة الإسكندرية ليكون مزارا عالميا يضم كل ما ترك المبدع من أوراق سطر عليها بعض أحلامه ومسودات رواياته وأفكار فنه، وهذا هو التكريم الحقيقي الذي يستحقه كل كاتب مصري أخلص في تصوير معاناة البشر وترك بصمته الجينية المتفردة في الإبداع المصري الخالص. وما أقترحه ليس بجديد بل هو سنة حسنة متبعة في كوريا الجنوبية حيث يحيون بيت الكاتب في مسقط رأسه بقريته ليكن سكنا لكل زائر يتلمس القراءة والكتابة والهدوء وسط الطبيعة الخلابة، وتنظم هذه الزيارات والإقامات للطلاب في المراحل الصغيرة كي يتعلموا قيمة الإبداع والمبدعين دون دروس إنشائية صماء، يتحول بيت المبدع إلى واحة إبداع ودار علم وفن وقدوة، هذا غير الاهتمام بالكاتب في حياته وتفرغه للكتابة والإبداع ونشر أعماله وترجمتها وتقديمها للعالم وللجوائز المحلية والعالمية. وعلى صعيدنا العربي رأيت الاحتفاء بالكُتاب في حياتهم والترفيه عنهم، فتجربة دولة الإمارات العربية الممثلة في مؤسسة الإمارات للآداب في تقديم ونشر وترجمة وتسفير كتاب الإمارات إلى المحافل والأكاديميات الدولية بهدف التعريف بمبدعيهم وكتاباتهم في الخارج، وقد استقبلت بعض هؤلاء الكُتاب في المؤسسة الأكاديمية التي أعمل فيها، وقد نُظم لهم لقاءات تعارف بالكُتاب الكوريين وطلاب الجامعات. كذلك تفعل مملكة المغرب عبر مؤسساتها الأكاديمية مع كتابهم الكبار بالاحتفاء بهم بتدوين الكتب عن مسيرتهم الإبداعيةوضم كافة الأبحاث والمقالات النقدية التي تناولت أعمال الكاتب في حياته اعترافا من الدولة ومؤسساتها بقيمة الكاتب. ومن هذا المنطلق فياليت مؤساسات الدولة الثقافية والمعنية بالترجمة والنشر أن تقوم بدورها في إعادة نشر روايات وقصص وكل ما كتب صنع الله، وكل ما كتب عنه، وأن تخلد ذكراه، وأن تقوم بترجمة أعماله باللغات المختلفة حتى يصل إلى كل العالم ليس فقط ليعرفوا من هو صنع الله.. بل ليعرفوا أن مصر تستعيد قواه الناعمة، وأنها لا تدفن أبناءها المبدعين بصمت مخزي، وليعرفوا قيمة مصر من قيمة اهتمامها بأنبل وأنجب ما أنجبت مصر من كتابها الكبار. أعتقد أن هذا هو التكريم الحقيقي، وهذا هو العزاء المخلص لقيمة صنع الله الإبداعية. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا