في هذه السلسلة نستعرض مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة. يوسف يمارس الدعوة إلى الإيمان بالله في السجن لا تكاد تمضي سوى أيام قلائل، حتى يصل الخبر إلى النسوة، ويبدو أنهن كن من ذوي الشأن كذلك، وتتحدث بعضهن لبعض، وما يدريك بحديث المرأة عن المرأة: ".... امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبًّا".. استولى على قلبها وكيانها.. إنها موغلةٌ في الظلال، مغرقةٌ في الخطيئة: "إنا لنراها في ضلال مبين". وإن هي إلا سويعات، ويصل إليها خبرهن، وفحوى حديثهن، ولكنها تكون أكثر منهن ذكاءً، وأشد منهن مكرا، فتدبر للهن ما حدثنا القرآن الكريم عنه، فتعد العُدَّة لاستقبالهن، وتعد لهن المجالس الفاخرة، وفاكهة مما يتخيرن، وتعطي لكل واحدة منهن سكينا، لتقطع بها ما يحتاج إلى التقطيع من الطعام. في تلك الأثناء، كان يوسف داخل البيت، وما نظنه غافلا عما يُكاد له، وإلا فلماذا تطلب منه سيدة القصر أن يخرج على النسوة: "وقالت اخرج عليهن". (يوسف: 31). نجاح خطة امرأة العزيز ويخرج مَن ملك شطر الجمال، ومنَّ الله عليه بطهارة الباطن، وإخلاص الإيمان.. وهنا يتوقف الزمان، فتصيب الصدمة عقلهن، ويستولى الذهول على أفئدتهن، وتُفتن بحسنه ووضاءته مشاعرهن، وتشتعل عواطفهن، لقد رأين ما لم يكن في حسبانهن، ولم يخطر على بالهن. فلما طارت منهن العقول، إذا بهن يفقدن السيطرة على ألبابهن، ويجرحن أيديهن.. هكذا طغت العاطفة، وهيمن الحب والهوى، وتوقف التفكير عن العمل!! يا للمفاجأة، ويا للجمال الذي لا يوصف، ويا لخفقان القلب، ويا لسطوة الشهوة، ويا لقوة الضعف، وضعف القوة!! فتنة النسوة بسيدنا يوسف لقد رأين من استولى على قلوبهن فأكبرن طلعته، وقلن: "حاش لله ما هذا بشرا، إن هذا إلا ملكٌ كريم". حققت امرأة العزيز ما تريد، ونالت ما تبتغي، كان نجاحها باهرا فيما فعلت وخططت.. وشعرت أن النساء اللاتي قلن ما قلن "إنا لنراها في ظلال مبين"، الآن يتمنين كلهن ما تمنته، ويشتهين ما اشتهته.. لقد ظنن، وهن يلمنها، أن يوسف بشر عادي كغيره، أما وقد رأينه الآنن فلم يسبق أن رأين بشرا يشبهه، فلا لوم عليها إذن، وهذا الذي دفعها لأن تهتك كل حجاب وأن تزيل كل ستر، حتى لا يبقى هناك سرٌّ مكتوم، ولماذا تخفي في نفسها ما دام النسوة جميعا، تمنت كل مقطعة يدها أن تسعد نفسها؟!! فإذا بها تخبرهن بكل وضوح: "فذلكُنَّ الذي لمتُنني فيه، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم". ما أقوى هذه الكلمة "فاستعصم" (يوسف: 32).. هي دليل الإخلاص، وبرهان الإيمان، وإثبات التقوى.. هنا تتأكد براءة يوسف، عليه السلام، من التهمة التي رمته بها سيدة القصر.. لقد "استعصم"، ورفض الانزلاق في هُوة المعصية. امرأة العزيز تحدد عقابين ليوسف وهنا تؤكد المرأة العاشقة أنه لابد من عقاب شديد يتلاءم مع تمنعه وترفعه، وتصارحهن بهذا العقاب: "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين". ما عليه إلا أن ينفذ أمر سيدته، وإلا فالسجن سيكون مصيره، والصغار مآله. توعدته بنوعين من العقاب، الأول هو "ليسجننَّ"، والثاني: "ليكونًا من الصاغرين". كلا العقابين تم تأكيده بالنون، لكن الأول أدته بنون التوكيد الثقيلة، والثاني أكدته بنون التوكيد الخفيفة. الأولى مفتوحةٌ مشددةٌ، والثانية خفيفةٌ ساكنةٌ.. فالسجنُ قد يكون سببا في رضوخه واستجابته لرغبتها، أما الإذلال والصغار والهوان فهو شيء لا تقدر عليه، أي أنه أمر صعب على نفسها؛ لأنها تحبه، ولا تستطيع أن تهينه.. أي أنها غير متأكدة من أنها تقدر على إذلال حبيبها. يبدو أن يوسف كان يصغي إلى هذا الوعيد الذي صارحت به النسوة، فما كان منه إلا الإصرار على ما كان عليه من استعصام، لكنه إن لم يثّبِّتهُ الله فقد يضعف عن المقاومة: "قال رب السجنُ أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه". (يوسف: 33). وكأنه أدرك أنه إن أطاع امرأة العزيز، فإن ذلك وراءه ما وراءه، ولن يقف الأمر عندها وحدها، ولكن قال: "مما يدعونني إليه".. ولم يقل (مما تدعوني إليه).. فهو يدرك أن النسوة جميعهن قد أعجبن به، وتمنته كل منهن لنفسها.. فالاستجابة إليها تعني الاستجابة لهن جميعهن!! يؤكد ذلك ما ذكره القرآن الكريم فيما بعد: "ما خطبكن إذا راودتن يوسف عن نفسه". (يوسف: 51). ويستجيب الله دعاء يوسف.. وعلى الرغم من براءته الواضحة، والتي عرفها الجميع، وتأكدوا منها، إلا أنهم استقر رأيهم على أن يسجنوه حتى تسكن العاصفة، وتهدأ الأمور، وينسى الناس تفاصيل تلك الفضيحة. وهنا يأتي بنا القرآن الكريم إلى حلقة جديدة، أشد إيلاما في حياة سيدنا يوسف، عليه السلام، وهي السجن. يوسف في السجن وبعد أن تتابعت عليه الابتلاءات واشتدت عليه المحن، وجد يوسف عليه السلام نفسه خلف جدران السجن، لا لذنب ارتكبه، بل لطهارته وإيمانه. كانت امرأة العزيز قد راودته عن نفسه، فلما استعصم واتقى، قلبت الموقف لتخفي خزيها، فكان جزاؤه السجن بدلًا من مكافأة العفة. السجن أحب إليّ ألقي يوسف عليه السلام في السجن وهو شاب غريب، بعيد عن أهله، مظلوم، لكن قلبه لم يكن ممتلئًا إلا بالله.. لم يكن السجن في عينه ضيقًا، بل كان خلوة يتعبد فيها، وينشر فيها النور لمن حوله. قال في دعائه: "رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ". السجن حفظ واصطفاء.. لا عقوبة فاستجاب له ربه، وجعله في السجن، لا كعقوبة، بل كحفظ واصطفاء. ولقد كانت سنوات السجن ليوسف عليه السلام محطة تربوية عظيمة. أثبت فيها أن الإيمان يصنع من السجن مدرسة، ومن الظلم وسيلة للتمكين، وتمحيص النفس المؤمنة. لم يكن السجن بالنسبة ليوسف عليه السلام مجرد جدران خانقة، تعزله عن العالم الخارجي، بل وجد في ظلام السجن فرصة لنشر التوحيد، وهداية القلوب. دخل معه فتيان إلى السجن، كانا حائرين، وقد شاهدا رؤى أرّقتهما، فقال أحدهما: "إني أراني أعصر خمرًا"، وقال الآخر: "إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه". لم يشأ يوسف أن يجيب فورًا، بل استثمر الموقف ليزرع التوحيد في القلوب. قال لهما: "أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ؟". قال ذلك ليعلّمهما أن الله وحده هو الرزاق، وهو من يملك علم الغيب، وأن ما يناله من علم تفسير الأحلام هو من الله، لا من نفسه. نشر التوحيد في السجن شرح لهما حقيقة الإيمان، ثم شرع في تفسير رؤياهما، فأخبر أحدهما بأنه سيعود ليخدم الملك، والآخر بأنه سيُصلب وتأكل الطير من رأسه. وتم الأمر كما قال. ومع علمه بمصيرهما، لم ينس مَن بيده مفاتيح الفرج، فقال للناجي منهما: "اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ"، أي عند الملك، لعله يُخرجني من السجن. لكن الإنسان بطبعه ينسى، فنسي الفتى ما قاله له يوسف، وبقي يوسف في السجن بضع سنين أخرى، صابرًا محتسبًا. رؤيا الملك.. وخروج يوسف من السجن وبعد مرور عدة سنوات، إذا بمعجزة الله تحدث، فقد رأى الملك رؤيا غريبة حيرت الحاشية: "إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجاف"، ولم يجد من يفسرها. وقتها فقط، تذكر خادم الملك يوسف، وجاءه طالبًا تفسيرًا. عندها، طلب الملك لقاء يوسف، لكنه رفض أن يخرج قبل أن تظهر براءته. فقال: "ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ". من قصص القرآن الكريم.. سيدنا يوسف، هكذا واجه الرسول ابن الرسول فتنة امرأة العزيز من قصص القرآن الكريم.. سيدنا يوسف الصدِّيق بين ابتلاءين ونعمتين رفض أن يخرج من السجن دون أن تُنصف سمعته، فشهدت النسوة ببراءته، وقالت امرأة العزيز: "الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين". خرج يوسف من السجن بعزة المظلوم الذي نصره الله، وبهيبة من جعل الله في قلبه نورًا وصدقًا. وفسر الرؤيا بدقة مدهشة، بل قدّم خطة اقتصادية كاملة لإنقاذ مصر من المجاعة القادمة.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا