بالأمس، حظيت بحضور العرض المسرحي الملحمي الملك لير على خشبة المسرح القومي العريق بالعتبة بالقاهرة، في نسخته الثالثة التي يقدمها النجم الكبير الدكتور يحيى الفخراني، عن النص الخالد لعملاق الأدب الإنجليزي وليم شكسبير؛ ذلك الكاتب الذي استطاع أن يضع إصبعه على جرح الإنسان أينما وجد، وأن يكتب عن جوهر النفس البشرية، بما يجعل نصوصه صالحة لكل زمان ومكان. وقد وقف إلى جانب الفخراني، النجم القدير طارق الدسوقي، في أداء رفيع المستوى، يليق بتاريخ الرجلين، إلى جانب مجموعة من الفنانين الشباب، الذين أدهشوني بما يمتلكونه من حضور، وقدرة لغوية، وانفعال صادق، يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن جينات المسرح القومي ما زالت تجري في دماء الأجيال الجديدة.
وللحظة، وجدتني مشدوها لا بالنص وحده، بل بالمكان، المسرح القومي، بكل ما يحمله من تاريخ وهيبة، بدا وكأنه معبد للروح، فكيف لا نشعر بالفخامة ونحن داخله؟ وكيف لا نوقن أن الفن ليس ترفا بل احتياجا، وأن ارتياد المسرح ليس فقط للمتخصصين، بل ضرورة حياتية؟ المكان في حد ذاته قصة؛ جدرانه تحكي، وستائره تنطق، وخشبة عرضه، التي شهدت عمالقة المسرح المصري والعربي، ما تزال تحفظ أصواتهم وترددها.
ما شدني أيضا، هو أن المسرح كامل العدد منذ الليلة الأولى، ولأسابيع مقبلة؛ في زمن يقال فيه إن الناس هجرت المسرح، ها هو الواقع يثبت العكس، وها هو الجمهور يعود بإرادته ليعانق الخشبة من جديد، كأن شيئا في الداخل كان ظمآنًا لهذا النبع.
أما عن الفخراني، فماذا أقول؟ رأيتُ على الخشبة وحشا مسرحيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حضور طاغٍ، صوت يملأ المكان دفئا أو قسوة بحسب المشهد، نظرات تخترقك، كأنك أمام ملك حقيقي تهوي مملكته على رأسه، ويظل في كبريائه شامخا. المفارقة المؤثرة، أن الفخراني الآن بات قريبا من سن الملك لير نفسه، وهو ما منح الأداء عمقا استثنائيا، وبرغم بلوغه الثمانين أطال الله في عمره، فإنه يتحرك على الخشبة بخفة شاب، ويملأ المكان بالحيوية، حتى في لحظات الألم والحزن. كانت كلماته تبكينا، ولكن أداءه يمنحنا بهجة الاكتشاف.
ولن أنسى هنا المخرج المبدع شادي سرور، الذي نسج العرض بخيوط من الدقة والإحساس، فخرج العمل متماسكا، عميقا، سلسا، لا يغرق في التراثي ولا يتنكر له. بلغة مسرحية رفيعة، أعاد تقديم الملك لير بما يناسب لحظتنا الراهنة، دون أن يفقد النص روحه الأصلية.
أما الجيل الجديد من الممثلين، فقد قدم مفاجآت مذهلة؛ امتلكوا اللغة الشكسبيرية وكأنهم ولدوا وهم ينطقونها، وكان أداؤهم نابضا بالإحساس، متقنا في التلوين، صادقا في المشاعر، شعرتُ بأن شعلة المسرح لا تموت، بل تتقد في قلوب شابة تعرف قدر هذه المهنة.
وفي لحظة صمت، جلستُ أراقب الجمهور من حولي حيث وجوه شابة وكهول، نساء ورجال، ضحكوا، تأثروا، صفقوا بحرارة.. شعرت أن هذا الجمهور هو بطل العرض الخفي، هو الشريك الحقيقي في استمرار الحياة الثقافية في مصر، رغم ما يحيطنا من فوضى واستهلاك وتفاهة. فات الميعاد.. دراما صادقة تحترم عقولنا عادل إمام.. أيقونة الفن والشعب هذا هو وجه مصر الحقيقي، بلد الفن والثقافة، بلد الإنسان الذي يعرف كيف يبكي من كلمة صادقة، وكيف يصفق بحرارة لمشهد مدهش.. في قلب عالم يشتعل بالصراعات، ما زالت القاهرة تضيء بعيون جمهور يدخل المسرح بلهفة العاشق، ويخرج منه وهو أكثر فهما لنفسه وللوجود.. مصر ما زالت هنا. حاضرة في الملك لير، وفي كل عرض يوقظ بداخلنا إنسانيتنا. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا