قال الخبير الأثري أحمد عامر، مفتش الآثار بوزارة السياحة والآثار والمتخصص في علم المصريات، إن سيناء تمثل مدخل مصر الشرقي، ولعبت دورا بارزا على مدار التاريخ، وكانت شاهدة على أحداث هامة شكلت تاريخ المنطقة ومصر بأكملها. وأوضح "عامر"، في بيان صحفي اليوم السبت، أنه نجد طريق "حورس الحربي" الذي كان بمثابة انطلاق الجيش المصري منه للخروج خارج الدولة المصرية، حيث كان ذات أهمية ثقافية كبيرة، فكان يربط بين العديد من المعالم الأثرية مثل قلعة "ثارو"، و"نقوش حورس"، التي تُعد من أقدم النقوش التاريخية في مصر القديمة، فنجد أن طريق "حورس الحربي" كثيرا ما سارت عليه الجيوش المصرية القديمة إلى آسيا، وقد قامت على طول هذا الطريق الحصون المصرية وبخاصة فى المناطق الاستراتيجية الهامة لتكون مركزا لبعض الجنود المكلفين بحراسة الطريق ومخازن لما تحتاج إليه الجيوش. وأشار إلى أن سيناء لعبت دورا هاما منذ الفترات الأولى في عصر المصريين القدماء، حيث نجد أنه في عهد الملك "زوسر" قام بإرسال حملة عسكرية إلى سيناء لمنع تسلل البدو إلى داخل مصر، وأعقبها أيضا إرسال الملك "سنفرو" في الأسرة الرابعة، بجانب حملته التعدينية، قوة عسكرية لصد البدو، ومن هنا نجح في تأمين حدود مصر الشرقية. وتابع: وفي الأسرة الخامسة، أرسل الملك "جد كا رع اسيسي" بعثات تعدينية وتجارية لسيناء، هذا وقد تطورت الجهود العسكرية في تأمين حدود سيناء في عصر الملك "أمنمحات"، الذي قام بتجديد القلاع والحصون وشن حملات عسكرية على البدو المغيرين ليمتد نفوذ مصر في سيناء شرقا وغربا في عصر "سنوسرت الأول"، ويرسل حملات مكثفة لجلب المعادن والأحجار الكريمة، وقد استمر المصريون القدماء في فرض سيطرتهم على الحدود وتأمينها حتى عصر الأسرة التاسعة عشر. واستطرد أن الملك "سيتي الأول" أمر بتجديد نقاط الحراسة وحفر المناجم وبناء القلاع في سيناء لحمايتها من بدو "الشاسو" ، فلذلك ظلت سيناء ذو طبيعة خاصة على مر العصور، لما تمثله من موقع استراتيجي هام للدولة المصرية. ولفت إلى أن الكشف الأخير يمثل أهمية كبيرة، نظرا لما يحتويه من قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة، بل وتعتبر واحدة من أكبر وأهم القلاع المكتشفة على طريق حورس الحربي، وهو ليس الكشف الأول عن مثل هذه القلاع ولكنه أضخمها، نظرا لأن ملوك الدولة الحديثة كانوا يقومون ببناء مثل هذه القلاع والتحصينات الدفاعية لحماية حدود مصر الشرقية وتأمين أهم الطرق الاستراتيجية، حيث إن بناء كل قلعة، والتي يتم اكتشافها، تمثل خطوة جديدة لفهمنا للتنظيم العسكري والدفاعي لمصر القديمة. وقال إنه تم الكشف عن أحد عشر برجا دفاعيا حتى الآن، كما تم الكشف عن البرج الشمالي الغربي وجزء من السورين الشمالي والغربي، بالإضافة إلي سور زجزاجي في الجانب الغربي من القلعة، قسمها من الشمال إلى الجنوب ويحيط بمنطقة سكنية خُصصت للجنود، كما تم العثور على كسرات وأوان فخارية متنوعة، بالإضافة إلى يد إناء مختومة باسم الملك "تحتمس الأول"، وكميات من الأحجار البركانية، إلى جانب فرن كبير لإعداد الخبز وبجواره كميات من العجين المتحجر، وهذا يؤكد أن القلعة كانت بمثابة مركزا متكاملا للحياة اليومية للجنود في تلك الفترة. كانت البعثة الأثرية المصرية العاملة بموقع تل الخروبة الأثري بمنطقة الشيخ زويد شمال سيناء قد كشفت عن قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة، تُعد واحدة من أكبر وأهم القلاع المكتشفة على طريق حورس الحربي، وتقع بالقرب من ساحل البحر المتوسط. ويُعد هذا الكشف الأثري إضافة جديدة تؤكد روعة التخطيط العسكري لملوك الدولة الحديثة، الذين شيدوا سلسلة من القلاع والتحصينات الدفاعية لحماية حدود مصر الشرقية وتأمين أهم الطرق الاستراتيجية التي ربطت مصر القديمة بفلسطين. كما أسفرت أعمال الحفائر عن الكشف عن جزء من السور الجنوبي للقلعة بطول نحو 105 أمتار وعرض 2.5 متر، يتوسطه مدخل فرعي بعرض 2.20 متر، بالإضافة إلى أحد عشر برجًا دفاعيًا تم الكشف عنهم حتى الآن. كما تم الكشف عن البرج الشمالي الغربي وجزء من السورين الشمالي والغربي، حيث واجهت البعثة تحديات كبيرة بسبب الكثبان الرملية المتحركة التي غطّت أجزاء واسعة من الموقع. والبعثة كشفت أيضا عن سور زجزاجي بطول 75 مترًا في الجانب الغربي من القلعة، يقسمها من الشمال إلى الجنوب ويحيط بمنطقة سكنية خُصصت للجنود، وهو تصميم معماري مميز في عصر الدولة الحديثة يعكس قدرة المعماري المصري القديم على التكيف مع البيئة القاسية. وتم العثور كذلك على كسرات وأوانٍ فخارية متنوعة، بينها ودائع أساس أسفل أحد الأبراج ترجع إلى النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة، بالإضافة إلى يد إناء مختومة باسم الملك تحتمس الأول. كما وُجدت كميات من أحجار بركانية يُرجح أنها نُقلت عبر البحر من براكين جزر اليونان، إلى جانب فرن كبير لإعداد الخبز وبجواره كميات من العجين المتحجر، ما يؤكد أن القلعة كانت مركزًا متكاملًا للحياة اليومية للجنود. وأثبتت الدراسات الأولية أن القلعة شهدت عدة مراحل من الترميم والتعديل عبر العصور، منها تعديل في تصميم المدخل الجنوبي أكثر من مرة، في حين تأمل البعثة استكمال أعمال الحفائر للكشف عن بقية الأسوار والمنشآت المرتبطة بها، ومن المتوقع العثور على الميناء العسكري الذي كان يخدم القلعة في المنطقة القريبة من الساحل. ومساحة القلعة الجديدة تبلغ نحو 8000 متر مربع، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة القلعة التي تم اكتشافها بالموقع نفسه في ثمانينيات القرن الماضي، والتي تقع على بعد نحو 700 متر جنوب غرب القلعة الحالية. وتُعد هذه القلعة إضافة جديدة لسلسلة من القلاع العسكرية المكتشفة على طريق حورس الحربي، من أبرزها تل حبوة، وتل البرج، والتل الأبيض، وجميعها تعود إلى عصر الدولة الحديثة.