في بلادٍ تعاقبت عليها الحضارات كأنها تمرين طويل على الصبر، وفي وطنٍ يعيش مواطنوه في زحمة التاريخ والجغرافيا والأخبار العاجلة، لا عجب أن تكون السخرية هي اللغة غير الرسمية للشعب.. وربما الأكثر صدقًا من كثير من خطابات البرلمانيين. نعم، المصري لا يسخر لمجرد التسلية، هو لا يضحك هربًا من الواقع، بل يضحك عليه. وسط أزمات متلاحقة، بين ارتفاع الأسعار وانخفاض الروح المعنوية، وبين تقارير البورصة والتضخم والصواريخ الباليستية وهزيمة الأهلي من بالميراس، تخرج السخرية كفعل مقاومة، لا يقل أهمية عن أي احتجاج.. لكنها احتجاج بلغة أكثر حدة، وأكثر تهذيبا في الوقت ذاته. السخرية هنا ليست نكتة تروى في قعدة فارغة.. إنها ضمير حي، يوقظ النائمين من غيبوبتهم بابتسامة مريرة.. هي طريقة راقية في النقد، لا تسيل فيها دماء، بل تسيل فيها الأسئلة كالحبر في الشريان. المصري حين يسخر، فهو يوجه سؤالًا مؤلمًا بطريقة مضحكة: هل ترون ما نراه؟ هل نشعر جميعًا بهذا الاختناق؟ إنها صفعة ناعمة، وصفعة الناعمين أبلغ من كل العنف الصاخب، لكن السخرية في لحظات أخرى قد تكون أيضًا رقصة الوداع، رقصة إنسان اكتشف أنه لم يعد فاعلا في المشهد، وأن كل ما يملكه هو أن يراقب من بعيد.. بابتسامة باهتة لا تخلو من وجع. السخرية قد تبدو خفيفة لكنها في واقعها محملة بثقل الوجع، ليست دائما علامة على القوة، بل أحيانا على قلة الحيلة. هي درع من الكلمات يرتديه المواطن كي لا تصيبه الشظايا النفسية لما يدور حوله. هي سترة نجاة من غرق جماعي في أخبار لا تنتهي. في مصر، حين يقول أحدهم: "الحمد لله، الدولار بقى بخمسين.. رقم سهل الحفظ ومريح للذاكرة"، فهو لا يحتفل، بل يودع. وحين تهمس فتاة في جلسة صديقات: "نفسي فساتين الزفاف تنزل على بطاقة التموين"، فهي لا تمزح، بل تتنفس داخل غرفة ضيقة من التوقعات المؤجلة. السخرية ليست مجرد أسلوب للتعاطي مع الأزمات، بل هي في كثير من الأحيان وسيلة لفهمها، هي محاولة لوضع يد المواطن على موضع الألم، ثم الضحك عليه قبل أن يبكي.. ولأن أهل العلم والدراسات والاستطلاعات غالبا ما يخلطون بين الضحك والوجع، فهم يتوهمون أن الضحك علامة رضا. ولا تدري أن الناس قد يضحكون وهم في أقصى حالات الألم. ما لا يدركه جمهور السيكو سيكو حمارتك العرجا وسباق اللئيم السخرية في مصر فعل وجودي. هي مرآة مهشمة يرى فيها الناس وجوههم بشكل أوضح، وإن كانت ضحكة مغمسة بدمعة. فإذا رأيت المصري يضحك في وقتٍ لا يدعو للضحك، فلا تتعجب.. فربما كانت تلك هي قبلة الحياة التي تعيد له القدرة على الاستمرار، وربما كانت رقصة الوداع الأخيرة لإنسانٍ قرر أن يخرج من المشهد، ولكنه -كعادته- يخرج وهو يضحك. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا