عقدت مناظرة ثقافية دينية بعنوان "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية" برعاية هيئة الكتاب عام 1992، وذلك بعد موافقة الدكتور فرج فودة على الحضور مع عدد من علماء الإسلام والدعوة من بينهم الشيخ محمد الغزالى والمستشار مأمون الهضيبى، المتحدث الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك، أما فودة فحضر المناظرة باعتباره مفكرًا تبنى الدعوة إلى مبادئ التنوير والعقل إيمانا بحقوق الإنسان وكرامته، وبالفعل ذهب فرج فودة إلى أرض معرض القاهرة للكتاب حاملا إيمانه كله فى سبيل البحث عن الحياة ودفاعًا عن مدنية الدولة لتفعيل الوحدة والمساواة أمام حلم المواطنة. وهى المناظرة التى اغتيل الدكتور فرج فودة على إثرها بعد أن جاء على صفحات جريدة النور الإسلامية 1992 بيان جبهة علماء الأزهر فصيل شيوخ التكفير بأن فودة قد خرج على الملة ووجب قتله لأنه مرتد، بعد أن دكت حجته حصونهم وأوهامهم وفضح زيفهم.. إنهم وكما وصف فودة الجماعات المتشددة" السائرون خلفًا.. المتحدثون خرفًا.. الممسكون سيفًا.. القارئون حرفًا.. التاركون حرفًا". استمرت المناظرة ساعتين ونصف الساعة من الحوار سجلها التليفزيون المصرى فى بداية التسعينيات وكانت مادة جيدة لمركز الإعلام العربى الذى لم يفوت الفرصة وحرص على تفريغ المناظرة فى كتاب اعتبره صاحب المقدمة "صلاح عبدالمقصود" وثيقة تاريخية فى وجه العلمانيين بعد أن قضت عليهم الحجة والبرهان ؟! صاحب المقدمة العظيمة لكتاب "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية" هو بالفعل وزير الإعلام الحالى صلاح عبدالمقصود الذى ترأس مجلس إدارة مركز الإعلام العربى الذى يصدر 5 دوريات صحفية هى "الرسالة – القدس –الزهور – حصاد الفكر – الفرسان". عبدالمقصود لأنه قيادى صاحب جينات إخوانية عالية التركيز حتى النخاع، كتب فى المقدمة وبالحرف الواحد وبعد أن رفض عنوان المناظرة الأصلى مقترحًا اسمًا أفضل وأنسب للمناظرة "مصر بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية"، هذا هو العنوان الصحيح الذى كان ينبغى أن تعقد حوله المناظرة من وجهة نظر عبد المقصود، وبعد وصلة من المدح المطول فى شخص الدكتور سمير سرحان الذى أدار المناظرة عادل عبدالمقصود، ليؤكد أن الحوار من جانب علماء الإسلام كان حضاريًا دحض شبهات فريق العلمانين بشهادة حشود الجماهير التى تعدت ال 30 ألف من الرجال والنساء، والذى اعتبرهم عينة بسيطة من شعب مصر المسلم الذى صوت على تعديل الدستور وقتها مطالبًا بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع بنسبة98% ممن شاركوا فى الاستفتاء. معترفًا أن المفكرين والفلاسفة جميعًا لا مصطلح آخر لهم سوى العلمانية يناسب أفكارهم وأى أفكار عزيزى القارئ، فكر يدعو إلى إقامة الحياة على أسس العلم الوضعى والعقل بعيدًا عن الدين الذي يتم فصله عن الدولة وحياة المجتمع بغرض التقديس والعبادة، وإسكانه مستودع الضمير الفردى طمعا فى تطبيق مبادئ الدولة المدنية لحماية كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والفكر. وتوقف عبدالمقصود قليلا قبل أن يبدأ فى طرح ما جاء بالمناظرة قائلا: "لقد كانت المناظرة كاشفة فاضحة لدعاوى العلمانين الذين أفصحوا عن رغبتهم فى اتباع نظام الغرب شبر بشبر وذراع بذراع.. إننا فى مركز الإعلام العربى نرى أن هذه المناظرة وثيقة تدل على أن مصر أنجبت وتنجب الدعاة والمجاهدين من أبناء عمرو بن العاص إلى أبناء حسن البنا"!! واستمر صاحب المقدمة الرائعة فى ترسيخ فكر جماعة الإخوان المسلمين مكن خلال جمل كهذه جاءت لتظهر أن جماعة الإخوان المسلمين هى كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة، هدفها تحكيم الكتاب والسنة وتطبيق الشريعة الإسلامية فى شتى مناحى الحياة، والوقوف بحزم أمام سياسة فصل الدين عن الدنيا، ووقف المد العلمانى. أما المناظرة جاء فيها مقدمة للشيخ الغزالى امتزجت بصيحات وهتافات الجمهور"الله اكبر.. لله الحمد، الجهاد سبيلنا" 30 ألف رجل وامرأة كما اوضح عبد المقصود، مدى قدرتهم على حشد الشعب مكررًا كلمات ومفردات نسمعها الآن و بنفس النبرة مثل "استفتاء، الأغلبية، الشريعة، شعب مصر المسلم 98% ". الشيخ الغزالى جاء وجه علي غلاف الكتاب يشع نورا مقارنة بالعلماني فقير الفكر والدين فرج فودة الذي رافقت ملامحه ظلمات"الأبيض والأسود" لتكسو وجهه في إشارة لما هو عليه من إلحاد و عدائية للإسلام والشريعة، شيخنا قال فى حديثه جملة كان له تأثير واضح علي الحضور هى "لا يضر حتى إذا كان الحاكم مغتصبًا يغفر له متى أقام شرع الله"، ثم دعا فى المناظرة إلى ضرورة محاربة الغزو الثقافى والاستعمار التشريعى والتربوى كما حورب الاستعمار العسكرى، كل هذه الحروب كانت جهادًا فى سبيل الله ودعوة تنتهى بعد أن تجلو عن مصر بلد الإسلام وموطنه أفكار "القبعات العلمانية "لأنهم يحقدون على الله ورسوله بحقدهم على الإسلام! أما المستشار مأمون الهضيبى، المتحدث الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين فكان رأيه أن تطرح المناظرة تحت عنوان الدولة الإسلامية والدولة غير الإسلامية، مؤكدًا أن الأحكام الواردة فى القرآن الكريم تقول إن الإسلام دين ودولة، محددًا الخيار المطروح أمام الجميع "إما نكون مسلمين أو لا نكون"، قائلا: إن إقامة الحدود كانت من اختصاص الرسول الكريم فى وقت النبوة والرسالة.. مشيرًا إلى أن الرسول كان نبيًا وحاكمًا يطبق شرعًا فى آن واحد، مضيفًا: أما عن الإرهاب والجهازى السرى لجماعة الإخوان.. فنحن نفخر ونتقرب إلى الله بالجهاز السرى؛ لأنه جيش أعد حقًا للمقاومة"!!. في الإخير جاء دور الدكتور فرج فودة ،قال فى بداية كلمته إن التصفيق والهتافات سواء بالتأييد أو الاعتراض قد يحمل معني واحدًا هو عدم ثقة فريق بمن يمثله.. وأعتقد أن هذا غير وارد"، ثم بدأ فى طرح وجهة نظره بشىء من الهدوء وأدب الحوار قائلا: "بين الإسلام واللاإسلام الدولة رؤية واجتهاد وفقه، فالأول فى أعلى عليين والثانى كيان سياسى يلزمه برنامج تفصيلى يحدد أسلوب الحكم من يقولون بالدولة الدينية ليس لديهم هذا البرنامج حتى هذه اللحظة"، طالبًا من فريق الدعوة لتطبيق مبادئ الدولة الدينية "أفحمونا لو سمحتم" بمثال ناجح لدولة تطبق مبادئ الشريعة فى شبه الجزيرة العربية؟! أما حجة فودة الأخيرة فكانت الإرهاب واسالة الدماء تمزيق الأشلاء وتفتيت الوطن بالفتن بيد الجماعات المتشددة قائلًا - كل هذا يحدث وأنتم على البر.. فماذا ممكن يحدث للوطن إذ خضنا التجربة معكم-.