سمي العصر الحجري المتوسط بهذا الاسم، لأن علماء أصول الشعوب رأوا أن هناك فترة تمثل فترة انتقال بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، والمحطة التي تنسب إلى هذا العصر هي مرمدة بني غالب، ويظهر من شكلها صناعتها المكروليتية – الآلات والتي كانت تصنع في العصور السابقة ولكن بشكل أصغر. الجو السائد في هذا العصر تتفق بداية العصر الحجري الحديث مع عصر تقهقر الجليد الذي ظل إلى يومنا هذا، ففي إفريقيا الشمالية أخذ الجو يصير أكثر جفافا وأشد حرارة من العصر السابق، وظهر ذلك في الهضاب الصحراوية التي بدأت تتكون منذ العصر الحجري القديم الأعلى، والواقع أن قلة الأمطار وشدة التبخر سببا نقصا محسوسا في نظام المياه ولكن على الرغم من ذلك بقيت بعض جهات الصحراء معمورة وبخاصة الأماكن التي حول عيون الماء والبحيرات التي تكونت من مجاري مياه ضئيلة، أما الجهات فقد انقلبت فيها الغابات اليانعة التي كانت تسبغ عليها بهجة إلى أراض عشبية لا يستطيع الإنسان أو الحيوان البقاء فيها. تكوين وادي النيل.. ففي خلال هذه المدة أخذ وادي النيل يكون ببطء شكله الحالي وكذلك بدأ النهر يسير في النظام الذي هو عليه الآن، وقد كان هذا النهر في خلال تكوينه يترك رواسبه في الوادي الذي يغطيه بالمياه ثم ينكمش تدريجيا حتى أصبح على ما هو عليه الآن، إذ كان في كل عام يفيض على جانبيه في تاريخ معين لمدة ثلاثة أشهر ويترك الغرين الذي يجلبه معه من منابعه مما يكسب الوادي خصبا، وعند انتهاء هذا الفصل ينكمش مجرى النيل ثم يترك مجموعة من المستنقعات على حافة الصحراء حيث خلفت مياهه الجزء الأعظم من الغرين على السهل. وفي هذه المستنقعات كانت تنبت بكثرة النباتات المائية وبخاصة السقى (البردي) الذي كانت تأوي إليه الحيوانات الخطرة كجاموس البحر والتمساح، أما باقي السهل فكان يغطي كل عام بنباتات يانعة تنعدم وتزول بسرعة في خلال التسعة أشهر التي كان الحر فيها مهلكا، وكانت مخلفات هذه النباتات تأوي الحيوانات والحشرات المؤذية. وعن تكوين الدلتا فهي تكونت في مصب النهر القديم المعروف بالدلتا طبقات غرين لانخفاضها مؤلفة من مستنقعات عدة مزدحمة بالبردي ولم تكن حدودها معينة وذلك بسبب البرك التي تغمر معظمها واعتمرت الصحراء بمساكن الإنسان هذا العصر فمنذ بداية هذا العصر فإنها تتمشى مع التغيرات الجوية سنبينها: فقد هاجر إلى وادي النيل بجوار مجاري المياه الغزيرة لكن البقية الباقية من قبائل أخذت تجوب في خلال الأزمان السالفة الجبال والهضاب التي كانت تغطيها الغابات المبكرة، والواقع أن العصر الحجري الحديث هو العصر الحقيقي الذي أهلت فيه مصر بالسكان. أما عن القرى فكانت واقعة على المرتفعات البسيطة التي على حافة الوادي، وكان الجزء الخصب من هذا الوقت أقل انخفاضا واتساعا مما هو عليه الآن بعد أن غمره الغرين مدة اثنى عشر ألفا من السنين تقريبا، فلا شك في أن هذه القرى قد غطيت الآن بالطبقات السميكة من الغرين الذي لا ينفك يزداد من قرن لقرن ويمكن العثور عليها أن ارتفاع منسوب المياه في الطبقات الأرضية، وهذه القرى موجودة غائرة في سفح التلال أو المرتفعات الصناعية في كل المدن المصرية التي ظهرت في فجر التاريخ وتقع عادة بعيدة عن النيل وقريبة من الصحراء، ويظهر لنا فيها أسس يرجع عهدها إلى العصر الحجري الحديث (بعض القرى النيوليتية أي من هذا العصر التي اكتشفت) مثل قرية العمري القريبة من القاهرة وهي ( رأس حوف، مرمدة بني سلامة الواقعة على حافة الدلتا الغربية، ثم ديمة، وكوم أوشيم، وقصر الصاغة، المواقع الأربعة في الفيوم.