المواطن الفقير يشعر بأنه لا ناقة له ولا جمل فيما تشهده البلاد حاليًا من هذا الزخم السياسي الذي وصل إلى حد الاقتتال، فالحرافيش يثورون ليعيشوا وليس ليناضلوا من أجل تشكيل حكومات أو عقد ندوات أو ليجلسوا أمام شاشات الفضائيات يشهدون لقطات من ثورتهم ويسمعون أغنيات عن ملحمة صنعوها في خمسة أيام، ثم عادوا كما كانوا فرحين باللقب الذي أطلق عليهم منذ زمن ولم يضجروا منه، فهم ظلوا يحملون لقب حزب الكنبة لسنوات طوال وعادوا ليحملو ه مرة أخرى دون ضجر أو تمرد لكنهم يريدون العيش الذي خرجوا من أجله ويريدون الأمان، أكتب هذه المقدمة بعد أن قرأت تلك الرسالة التي وصلتني ضمن العديد من رسائل هذا الأسبوع والتي سأنقلها لكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة: عزيزى الحرفوش الكبير: دعنى في البداية أهنئك وأهنئ نفسى وكل أمثالنا الحرافيش بزوال حكم الإخوان المسلمين، ودعنى أذكرك بتهنئة تلقيتها انت من خلال رسالة مثل رسالتى هذه وقمت بنشرها في نفس هذه المساحة عقب زوال حكم مبارك، قد وصلتك من حرفوش مثلى، ودعنى أيضا أقول لك إننا لم نشارك في الثورات على الحكام كى نهنئ بعضنا البعض، ودعنى أسألك: كيف يكون شعورك حين تتلقى التهانى على خلع نظام ومجىء آخر، هل تشعر بالفرحة، هل تشعر بالفخر، هل تشعر بالإنجاز ؟! أنا لا أظن أنك تشعر بكل هذا، ليس تقليلا من كونك أحد صانعى هذه الثورات وأحد الداعين لها، ونحن شاركنا فيها بدعوة منك ومن باقى أصدقائنا الحرافيش من خلال هذه المساحة التي أغدقت علينا بها جريدتكم، بل لأنك مثلنا تشعر بما نشعر وتأمل فيما نأمل وأنا بذلك على يقين.. لذا ياسيدى أود أن أقول لك إن السياسيين هم من يفرحون بهذه الإنجازات والإعلاميين هم من يظلون يحتفون بها على الفضائيات التي كانوا يحاربون بها تلك الأنظمة، والفنانون والمطربون هم من يتغنون ويرقصون ويصنعون الدراما التي تعبر عن فرحتهم برحيل نظام كان جاثمًا فوق صدورهم، أصحاب الأموال من رجال الأعمال أو حتى أصحاب الدخول الثابتة هم من يفرحون ويغنون، لكن أمثالنا لا تلبث فرحتهم بمثل هذا الإنجاز رغم ضخامته أن تنتهى بمجرد عودتهم إلى بيوتهم عقب سماع قرار الخلع أو التنحى أو العزل، إن هي إلا أسماء سميتموها، لا يلبث أحدنا أن يعود إلى منزله وينظر في الوجوه الضامرة والأفواه المفتوحة حتى يتذكر أنه ثار على الجوع وعاد جائعا، ثار على الظلم وعاد مظلوما، ثار على قلة الحيلة وعاد قليل الحيلة أمام طلبات أبنائه من مأكل وملبس ودواء، صدقنى ياعزيزى الحرفوش، لقد شعرت بهذه الأحاسيس بالفعل، فعقب بيان السيسى الذي حدد فيه إقامة مرسي وعزله عن الحكم وحقق أهداف الثورة التي خرجنا من أجلها في الشوارع والميادين شعرت بفرحة غامرة، فاحتفلت مع من يحتفلون في الميدان وعدت إلى الشارع أرقص ما تبقى من الليل مع من يرقصون، ومع فجر اليوم الجديد عدت إلى منزلى تملأنى نشوة النصر وتغمرنى سعادة الفوز برحيل الإخوان عن حكم مصر.. إلا أننى بمجرد أن دخلت المنزل ووجدت أبنائى الخمسة في عين العدو يفترشون الأرض ويتناثرون هنا وهناك وأمهم نائمة في منتصف تلك الدائرة التي صنعوها وهم نيام رغما عنهم لضيق الصالة التي يضطرون للنوم بها لأن شقتنا تتكون من صالة وحجرة وحمام ومطبخ، إلا أن الحجرة ليس بها مروحة، فالمروحة الوحيدة موجودة في الصالة، أما الحجرة فبها سرير متهالك أقضى عليه ساعة كل كام أسبوع عندما يكون الأبناء قد أجمعوا على أن يناموا في وقت واحد، فأفرغ عنهم نصف الدائرة وأختطف أمهم وأسرق معها هذه الساعة، عدت ياسيدى إلى المنزل فتذكرت أننى كما أنا، لم أغير أي شىء سوى الرئيس ووزرائه وحكومته، ولأن الثورات يعقبها الأمل انتظرت يوما يعقبه يوم يعقبه أسبوع ثم أسابيع، وها هو قد اقترب الشهر ومازال الرئيس الجديد المؤقت يختار في حكومته المؤقتة التي تختار محافظين مؤقتين يختارون بدورهم رؤساء مراكز وقرى لا يختلفون عنهم، الجميع مؤقتون يا سيدى، في ظل أناس على الطرف الآخر يتظاهرون ويهددون ويخربون والأمن يتفرغ لهم، والفضائيات تتفرغ لهم والجيش يتفرغ لهم والرئيس بحكومته وكل مؤقتيه يتفرغون لهم، ونظل نحن كما نحن الطرف الخاسر في المسألة.. خسرنا كل شىء، حتى الحلم خسرناه في بلد أصبح نصفه ساسة يتصارعون والنصف الآخر جوعى معذبين، قل لهم ياسيدى الحرفوش الكبير من منبرك هذا إننا جوعى..عاطلون، والذين يعملون منا وأنا واحد منهم أظننى وصفت لك بين السطور السابقة كيف يعيشون.. قل لهم ياعزيزى كفى تناحرا على السياسة وتوزيع المناصب، فقد ذهب الإخوان لغير رجعة، اللهم إلا أنكم لأجل ذلك كنتم معنا وبنا تثورون، قل للسيسى انت ضربت ضربتك فقضت على من كانوا يريدونها لأنفسهم ولاية على حساب أهلها الطيبين، قل له لم يتبق غير إرهاب أفرزته الجماعة المقضى عليها بضربتك القوية، قل له اضرب بقوة ضربة واحدة ونحن معك ضاربون، اضربها ضربة واحدة حتى نعيش !