"جبتك يا عبدالمعين تعينى لقيتك يا عبدالمعين عايز تتعان".. هذا المثل الشعبى يطفو على سطح ذاكرتى كلما هممت بقراءة رسالة من رسائل أصدقائى الحرافيش التى تصلنى تباعًا عقب كل حلقة يتم نشرها فى هذه المساحة.. فالحرافيش مشاكلهم وقضاياهم متشابهة، تقريبًا، برغم تفرعها وتشابكها فى نفس الوقت، وأنا هنا أطالب بحلول، وأدخل معارك يومية، ليس لأننى أحب الصراع مع المسئولين، لكن لكونى أحد هؤلاء الحرافيش الذين لقبونى ب"كبير الحرافيش"، لا أدرى لماذا، لكن يبدو أن أحدهم أراد أن يريح ضميرى فأرسل لى هذه الرسالة التى سأعرضها عليكم هذا الأسبوع والتى جاءتنى على النحو التالى: عزيزى الحرفوش الكبير.. أعلم مدى مسئولياتك وحجم معاناتك التى بالتأكيد أنا وأمثالى من فقراء وحرافيش هذا البلد سبب مباشر أو غير مباشر فيها.. فلو تتخيل أننى كنت سأرسل لك رسالة منذ فترة كى أشكو لك همى المؤقت الذى ألمّ بى فجأة عندما قفز على ظهرى هذا المفعوص الصغير ابنى الذى لم يتجاوز الخمس سنوات كى يقول لى: إن عيد الأم قد هلّ، وإنه يريد شراء هدية لأمه، أسوة بالأطفال الآخرين.. المشكلة يا سيدى لم تكن تكمن وقتها فى هذا المفعوص، وإنما كانت تكمن فيمن حرضه على ذلك، إنهم إخوته الخمسة الكبار الذين استحوا أن يطلبوا ذلك لوقوفهم على ظروفنا المعيشية، لكنهم لم يريدوا فقدان فرصة المحاولة، فحرّضوا هذا الشبل الذى لم أستطع أن أجيبه بشىء لعلمى بالمؤامرة التى تهدف إلى توريطى؛ لأننى إذا وافقت على طلب المفعوص فسيتم تدبيسى مع الخمسة الآخرين بالتأكيد تحت مبدأ إشمعنى هو يعنى يا بابا.. تصور كنت أنوى أن أرسل إليك كى تنصحنى ماذا أفعل فى تلك المشكلة التى تبدو تافهة للكثيرين، لكن عندما تتعرض لها تشعر بالعجز.. نعم، فنحن الفقراء نشعر بالعجز فى جميع المناسبات.. رغم أن المناسبات دشنت للفرحة والبهجة.. فالأعياد، كل الأعياد، تحتاج لمتطلبات، وأنا وأنت وأمثالنا نعمل ليل نهار لنأكل ونطعم أبناءنا ونسترهم، وهذا يحدث بالكاد لقلة دخولنا.. لذلك تبدو لنا الأعياد والمناسبات كارثة لا نطيقها.. أنا تذكرت هذا الآن حيث نمر أيضا بمناسبة أعياد شم النسيم.. تصور يا سيدى الحرفوش الكبير أنا أخاف من الأعياد ولا أشعر بها، ولا أفرح بها، رغم أننى أعذر من ابتدعوها؛ لأنهم يبحثون عن مناسبات للفرح والتلاحم، لأنهم ببساطة غير مهمومين مثلنا.. أعلم مدى معاناتك يا سيدى معنا، والتى من أجلها لقّبناك بكبير الحرافيش.. أما ما أنوى الخوض فيه الآن فهو ذاك التكدس السكانى الذى يفقدنا طعم الحياة اليومية.. فمصر كلها يا عزيزى تتحرك فى خمسة شوارع فقط.. الزحام أمرّ من العمل.. فأنا مثلا أسكن فى منطقة شعبية وأعانى الأمرّين كى أصل لعملى فى ميعاده المحدد، وإلا تم الخصم من راتبى الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، ولكنه يسترنا أمام الناس.. تخيل أننى أستيقظ فى الخامسة فجرًا كى أصل إلى عملى فى الثامنة صباحًا، وأخرج من عملى فى الثانية ظهرًا كى أعود إلى بيتى فى الرابعة عصرًا، وأخرج من بيتى فى الخامسة مساء كى أصل إلى عملى الإضافى فى السابعة بعد المغرب، وأعود فى الثانية بعد منتصف الليل كى أنام ثلاث ساعات لأصحو مواجهًا معركة الوصول إلى العمل، وهكذا دوامة يومية سببها الزحام، ولا مبالاة المسئولين عن حياتنا فى هذا البلد.. "تور فى ساقية".. هذا هو توصيفى أنا وأمثالى ممن خُلِقنا للمعاناة فى هذا الوطن، والباقون تفرغوا للصراع على مقعد الرئاسة الذى يحكموننا من خلاله.. وأنا لا أدرى ماذا ومن سيحكمون، سيحكمون من خلاله بؤسنا ويزيدون آلامنا دون مبالاة، حتى أنهم يتخذون من معاناتنا شعارات لحملاتهم الواهية مثل "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، ونحن كما نحن .. لا عيش أكلنا، ولا حرية شهدنا، ولا بعدالة اجتماعية نعمنا.. فماذا نحن فاعلون.. وماذا أنت فاعل.. وكلنا لا حيلة لنا حتى فى إظهار تلك المعاناة، اللهم إلا من خلال صفحتك هذه.. أنا ومثلى كثيرون يا سيدى ننتظر الإشارة منك بالخروج فى ثورة تأكل كل هؤلاء.. لكن السؤال: هل ستستطيع فك هذا الزحام الذى نحياه بصفة يومية.. أم ستفعل مثل الرئيس مرسى وتتفرغ للصراع على الحفاظ على مقعدك الذى سنمنحك إياه، فنعود لنشعر معك بالفشل والبؤس الذى نشعره الآن مع مرسى ومجموعة المشايخ الحاكمة الذين وثقنا بهم وبنينا حولهم الآمال فى حياة أكثر آدمية.. نعم لقد أصابتنا خيبة الأمل فى مرسى.. فالعمال والفلاحون وسائقو التوك توك خاب أملهم فى مرسى الذى استهل أول خطاباته بإظهار اهتمامه بهم، وعشنا معه الحلم، إلا أن الغطاء أخذ ينسحب عنا شيئا فشيئا ونحن نائمون، حتى صحونا من نومنا لنجد من يقول لنا: "ابقوا اتغطوا قبل ما تناموا وتحلموا برئيس يعيد لكم كرامتكم".. هذا إن كانت لنا كرامة فى هذا البلد!!