لا يخفى على أي مراقب منصف رؤية انحياز الإعلام الأمريكي في تياره الرئيسي للإخوان المسلمين ضد ثورة 30 يونيو، ولكن ما لاحظته في مصر هو إرجاع هذا الانحياز فقط لموقف الإدارة الأمريكية الحالية من الثورة. في الواقع إن الأسباب أوسع وأعقد من ذلك بكثير، فما هي هذه الأسباب؟ أول هذه الأسباب ترجع لسيطرة اليسار الأمريكي بدرجة كبيرة على وسائل الإعلام وعلى الجامعات، ورغم أن اليسار بحكم تعريفه يسار وأن الإسلام السياسي هو أقصى اليمين فإن مساحة كبيرة مشتركة بينهم في رؤيتهم للغرب وعدائهم له، ومن هنا جاء تعاطف وانحياز. ثانى هذه الأسباب تعود إلى عشرات الملايين التي أنفقنها جماعة الإخوان المسلمين والتنظيم الدولى للإخوان على شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط الأمريكية من أجل تحسين صورة الإخوان على مدى العام الماضي. ثالث هذه الأسباب يعود إلى قناة الجزيرة المعادية للثورة المصرية، حيث إن هذه القناة والتي أصبحت شبكة كبيرة لديها عقود تبادل للأخبار مع محطات أمريكية واسعة الانتشار مثل "سى إن إن"، و "إم إن بي سي" وغيرها، وهذه العقود مستمرة منذ سنوات، وبدواعي الثقة تأخذ القنوات الأمريكية الصور وبعض الأخبار من شبكة الجزيرة بدون أن تدري أن بعضها مزور تماما. رابع هذه الأسباب يعود إلى أن هناك دولا بوسائل إعلامها وصحفييها تقف مع الإخوان لأنها محكومة من نفس الفصيل، مثل تركيا وتونس، وهؤلاء لا يخاطبون تنظيم الإسلام السياسي ويحشدونه في كل مكان فقط ولكنهم يخاطبون وسائل الإعلام العالمية أيضا من أجل الانتصار للإخوان . خامس هذه الأسباب تعود إلى التداخل الناعم بين بعض المؤسسات الأمريكية المهمة وبعض رجال الصحافة والإعلام، ففى كثير من الأحيان ترغب الإدارة أو أجهزة الدولة الأمنية والسياسية في تسريب رأيها لصحفي معين، الصحفي يجد نفسه أمام سبق صحفي مسرب خصيصا له أو لصحيفته، وهذا إغراء لا يقدر على رفضه، فينشره، وحيث إن إدارة أوباما منحازة للإخوان فإن كثيرا من الأخبار التي تدعم وجهة نظرها قد تم تسريبها للصحافة وهي بدورها نقلت هذا الإنحياز. سادس هذه الأسباب تعود إلى تقديس الثقافة السياسية الإمريكية لمبدأ الانتخابات وبنفس القدر نفورها من حكم العسكر الذي يأتي من خلال الإطاحة بنظام منتخب، طبعا هم غير مدركين لطبيعة النظام الإخواني الذي لم يترك طريقا للمصريين لتغييره. ولكن يبقى السؤال هل وسائل الإعلام الأمريكية بهذه الهشاشة؟، وهل هي منحازة أم تقف على مسافة واحدة من جميع الأحداث الداخلية والخارجية؟. والإجابة في تقديري أن وسائل الإعلام الأمريكية ليست هشة بل هي تتميز بقدر كبير من الموضوعية والدقة والمهنية، ولكنها في نفس الوقت عرضة للتأثر في سوق رأسمالي منفتح، وأيضا لا تجد عيبا في الإنحياز ولا تجده ينتقص من مهنيتها، ولنضرب مثلا بسيطا لتفسير هذا الذي يراه البعض متناقضا، ففى السباق الرئاسي الأخير بين أوباما ورومني إنحازت النيويورك تايمز لأوباما بشكل سافر عندما أعلنت في افتتاحيتها أن جميع المحررين اجتمعوا وناقشوا ميزات وعيوب كل مرشح واتفقوا على إعلان تأييدهم لأوباما، ولكن الموضوعية جعلتها تنشر وجهات النظر المختلفة لكلا المرشحين وتقبل إعلانات الترويج من كلا المرشحين. هذا هو الفرق بين الموضوعية والإنحياز في الصحافة الأمريكية. هناك مثل روسي يقول الموضوعية أن تعلن إنحيازك من البداية، فهم يرون أن الكل منحاز في الحياة، ولكن المدرسة الأمريكية في الإعلام فصلت بين الموضوعية والإنحياز وعلمت صحفييها إمكانية الجمع بين الموضوعية والإنحياز. نعم الإعلام الأمريكي منحاز للإخوان للأسباب التي ذكرتها ولكن به من الموضوعية والمهنية ما يجعل التواصل معه ممكنا ومثمرا، فلا تتركوا الملعب للإخوان ولتنظيمهم الدولي ولحلفائهم الأشرار.