سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصر والجزائر.. اللاعنف يحسم الصراع للديمقراطية.. وليام لورانس: آخر ما يرغب المصريون في سماعه المثقفون الأجانب المتطفلون.. اتباع القيادة العسكرية والسياسية بالقاهرة سياسات خاطئة يقودها لسنوات "عجاف"
بالطبع إن مصر ليست كالجزائر، والأهم من ذلك، أنها ترفض أن تكون كالجزائر وآخر ما يرغب المصريون في سماعه هذه الأيام من المثقفين الأجانب "المتطفلين" الذين "يحاضرونهم" عن الديمقراطية هو إخبارهم بما عليهم الاستفادة مما حدث في الجزائر أو تركيا أو دول أخرى تتعامل مع الإسلام والديمقراطية، ذلك ما أكده "وليام لورانس" الذي شغل ولمدة سنتين منصب مدير "مشروع شمال أفريقيا" في "مجموعة الأزمات الدولية" وعاش لمدة عامين في مصر، مما دعاه لتحليل ما يحدث في مصر ومقارنته بما حدث في الجزائر في تحليل سياسي حمل عنوان "هل ستتحول مصر إلى جزائر أخرى؟" وقال لورانس: "مع تصاعد أعمال العنف في مصر عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في ثورة 30 يونيو، ظهر على الساحة سؤال خطير حول ما إذا كانت البلاد ستصبح جزائر أخرى، وللوهلة الأولى يبدو أن هناك ما يبرر تلك المقارنة، وإن كان من باب التحذير على الأقل، ففي عام 1992، ألغى الجيش الجزائري الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، التي كان من المتوقع أن تحقق فيها الجبهة الإسلامية فوزًا ساحقًا، واضطر الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة، ودفعت تلك الإجراءات البلاد إلى "سنوات عجاف" ومأساوية راح ضحيتها أكثر من 200.000 شخص، ولا تزال السياسة الجزائرية مرتبكة حتى هذا اليوم". وأكد لورانس أن التحليل القائل بأن "مصر حالة منفصلة" يميل إلى تفصيل الخصوصيات الثقافية والسياسية والمسارات التاريخية الفريدة من نوعها في البلاد، وعادة ما يعقبه تحليل حالم بأن "مصر" ستجد طريقتها الفريدة للعودة إلى الديمقراطية (وما يستتبعه ذلك من مركزها العادل في القيادة في العالم العربي وخارجه) مشيرًا إلى أنه لو اتبعت القيادة العسكرية والسياسية الانتقالية في القاهرة سياسات خاطئة تحت مسمى تحقيق الاستقرار على المدى القصير، فقد ينتهي الحال بمصر على غرار ما حدث في فترة التسعينات في الجزائر، بل وربما أسوأ من ذلك. وأضاف لورانس أن الذين يؤمنون بأن وضع مصر مختلف تمامًا عن وضع الجزائر يميلون إلى الاستناد في آرائهم إلى عدة عوامل، أولًا، يشيرون إلى أن جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية لم تشكل حكومة مطلقًا، بينما أدى سوء إدارة "حزب الحرية والعدالة" التابع لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر للحكومة خلال عام من توليها السلطة إلى إثارة تظاهرات حاشدة، ثانيًا، يقال إن الإسلاميين في مصر يختلفون عن نظرائهم في الجزائر حيث يتجنبون العنف، ويعود ذلك إلى مشاركتهم الطويلة الأمد في السياسة أو، على العكس من ذلك، بسبب عدم وصولهم إلى الحكم عن طريق العنف، ثالثًا، تختلف الجغرافيا المصرية عن نظيرتها الجزائرية، حيث لا توجد معاقل في الجبال تعمل كحصن لاندلاع ثورة (باستثناء سيناء بطبيعة الحال) رابعًا، كان كفاح مصر من أجل تحقيق الاستقرار مختلفًا، وهو الأمر بالنسبة للحكومة التي انبثقت عنها. خامسًا، الشارع المصري أكثر حشدًا وغير متسامح مع التهديدات التي تواجه الثورة. وأكد لورانس أن المشكلة في هذه الفروق هي أن بعضها لا يثبت أمام التحليل الوثيق، في حين أن أيا منها لا يجعل قصة الجزائر التحذيرية أقل أهمية، مشيرًا إلى أن القول بأنه كان لدى الإسلاميين الجزائريين استعداد كامن للعنف لا يمكن أن يجتاز أي اختبار تاريخي أو اجتماعي. ويقينًا، كانت أعداد غفيرة من الإسلاميين الجزائريين من المحاربين القدماء في الصراع الأفغاني، وكان البعض الآخر قد انخرط في حرب عصابات ضد نظام الشاذلي في ثمانينات القرن الماضي، ومع ذلك فإن الأغلبية العظمى منهم كانوا إسلاميين سلميين يركزون على أنشطة تبشيرية وغيرها من الدعوات، وكان مصدر إلهامهم وتعليمهم في حالات عديدة هم معلمو المدارس المصريون التابعون لجماعة «الإخوان المسلمين» الذين تم نفيهم إلى الجزائر من قبل جمال عبد الناصر، وهناك أيضًا تباين بين آراء الإسلاميين الجزائريين والمصريين حول استخدام العنف. وقال إن أي شخص شهد الإضراب العام في الجزائر العاصمة في مايو- يونيو 1991 أو قام بدراسته يعرف مدى قابلية السكان على حشد الجماهير في ذلك الحين، ودرجة التهديد التي شعر بها النظام، فقد كانت شرائح كبيرة من السكان، من بينهم ملايين الشباب، يعارضون الغش في تقسيم الدوائر الانتخابية من قبل "جبهة التحرير الوطني" بهدف الحد من قوة فوز الإسلاميين في الانتخابات، وقد أدت الاحتجاجات إلى توحيد القوى السياسية من الماويين إلى السلفيين وإغلاق الساحات الرئيسية في العاصمة لفترة دامت عدة أسابيع. وأما من ناحية الإصرار على أن "جبهة الإنقاذ الإسلامية" لم تتول مقاليد السلطة قط، أشار المحللون إلى أن "الجبهة" حكمت معظم مدن وبلدات الجزائر لمدة 18 شهرًا بعد سحق المعارضة في الانتخابات، وما افتقده الجانبان في هذا النقاش هو استمرار نجاح "الجبهة" بعد وصولها إلى سدة الحكم، وكان من المفترض أن تحقق "جبهة الإنقاذ الإسلامية" فوزًا ساحقًا في يناير 1992 بعد أن تولت مقاليد السلطة لمدة عام ونصف العام، وكان سبب ذلك يعود إلى حد كبير إلى حفاظها على قوتها التنظيمية وتقيدها بالمبادئ الديمقراطية، ليشير لورانس إلى أن معارضة السياسة التي كان يدعمها "حزب جبهة التحرير الوطني"، والتي تمثلت بمنح الرجال وكالة للتصويت نيابة عن أفراد أسرهم من الإناث، بالإضافة إلى ذلك كان يُنظر إليها على أنها أقل فسادًا، وعلى غرار جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، كانت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" ستواصل نجاحاتها في الانتخابات. وأكد لورانس أن المتغير الأكثر أهمية فيما يتعلق بالجزائر هو سلوك قوات الأمن والدولة العميقة، مشابهة لفكرة دولة داخل دولة، ففي أعقاب يناير 1992، شنت الحكومة حملة أمنية شرسة في ظل فرض حظر تجول صارم، واعتقلت عشرات الآلاف من الناس وقامت بتعذيب مئات آخرين، واندلع صراع مسلح بين الجيش وآلاف الشبان المسلحين، بينما أُلقي القبض على نحو 25.000 شخص من الإسلاميين الأكثر اعتدالًا وآخرين من أنصار الديمقراطية وتم إرسالهم إلى السجون ومعسكرات الاعتقال النائية في الصحراء، وقد بقي الكثير منهم قيد الاحتجاز حتى أواخر التسعينات، وتم توثيق ذلك من خلال مذكرات نشرت عن فترة السجون. وأكد أحد الجنرالات الجزائريين البارزين في إحدى قاعات محاكم باريس عام 2002 أن الحكومة الجزائرية سمحت عن قصد بإطلاق سراح نحو 800 شخص من الجزائريين "الأفغان" بهدف جر المعارضة الإسلامية نحو التطرف وإثارة المزيد من العنف والفوز في المعركة التالية، وتمثلت الخطة في التخلص من المعارضة الغاضبة والمتشددة في غضون أشهر، وفي حين لا يوجد دليل على أن الحكومة المصرية تقوم بمثل هذه التلاعبات، إلا أن استخدام مصر في الماضي للعملاء المحرضين يجعل من هذه القصة التحذيرية ذات صلة بالموضوع. وأكد لورانس أن العامل الرئيسي هو وضع حد للعنف السياسي، فالعنف السياسي لا يعد أمرًا متأصلًا في مصر أو الجزائر أو أي مجتمع آخر، ولكنه ينشأ من خلال عمليات الانتقام المتكررة، مشيرًا إلى أنه في ظل بيئة الجزائر المستقطبة التي جرى التلاعب فيها، كان هناك من يخشون من الجيش أكثر من خوفهم من الإسلاميين، بينما كان آخرون يخشون الإسلاميين أكثر من خوفهم من الجيش، وفي مصر هذه الأيام، أخذت القوى السياسية "العلمانية" تشبه بصورة أكثر وأكثر تلك القوى "العلمانية" الجزائرية التي دعمت أحداث 1992 وأصبحت تعرف لاحقًا باسم "المستأصلين". وأثبتت طرقهم أنها عقيمة وأدت إلى إطالة أمد المأزق السياسي والحرب، في حين أن الذين وضعوا حلا للأزمة وأنقذوا الجزائر من أسوأ مصير ينتظرها هم المنظمات الشبابية الوطنية مثل "تجمع عمل الشبيبة" وقادة مثل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذين روجوا للمصالحة الوطنية. وبالنسبة لمصر فإن الدرس الحقيقي المستفاد من الجزائر هو القيام بأي شيء لوقف الانجرار بالعنف إلى نقطة اللاعودة، وفي الآونة الأخيرة ركزت الكثير من التحليلات عن الوضع في مصر حول ما إذا كان لدى جماعة «الإخوان» استعداد لاستخدام العنف لمواجهة نظام عزلها من السلطة، مع تناسي درس "الربيع العربي" المهم وهو أن ما يميز نتيجة عن أخرى هو ما يفعله النظام والقوات المسلحة ردا على الحشود.
إن الإجراءات الاستثنائية والاعتقالات الجماعية والرقابة على الصحافة واتخاذ تدابير صارمة أخرى ربما تجلب هدوءًا سطحيا إلى الشارع، مثلما حدث في الجزائر عام 1992، عندما تفاقمت خلالها حدة النزاع الكامن الذي بدأ يخرج عن نطاق السيطرة بعد تسعة أشهر. إن اتخاذ إجراءات خاطئة وغير ديمقراطية مماثلة في مصر سوف يحد بشكل كبير من احتمالات نجاح الثورة على المدى القصير والطويل.