يلوح المشهد السياسي في مصر بإمكان تكرار السيناريو الجزائري عندما ألغيت في مطلع التسعينات نتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية التي فازت بها الجبهة الإسلامية، فنزل الإسلاميون يومها إلى الشارع وخاضوا مواجهات مسلحة مع الجيش واستمرت هذه المواجهات أكثر من عشر سنوات وقتل فيها أكثر من مئة ألف شخص. ويتوقع خبراء سياسيون أن يتكرر هذا السيناريو في مصر إذا واصل الإخوان تشددهم وسلبيتهم وقرروا مواجهة العسكر، كما حدث في أحداث "الحرس الجمهوري" ،و في سيناء التي تضج بالإسلاميين المسلحين. ويرى مراقبون للمشهد السياسي الراهن، أن مصر دخلت منعطفا خطيرا بعد مقتل العشرات وجرح المئات من المتظاهرين المعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري، وبعد انسحاب حزب "النور" من العملية السياسية ودعوة حزب مصر القوية إلى استقالة الرئيس المؤقت عدلي منصور، وتحميل مسؤولية الأحداث لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. روايات متضاربة وتضارب الروايات بشأن المسئول عن أحداث " الحرس الجمهوري"، فجماعة الإخوان المسلمين وصفتها بالمذبحة التي يتحمل مسؤوليتها السيسي، وأوضحت أن الحرس الجمهوري أطلق النار على المصلين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي وأدى ذلك إلى مقتل عشرات الأشخاص بينهم أطفال. أما القوات المسلحة فأعلنت أن ضابطا قتل وأصيب أربعون آخرون بعدما حاولت "مجموعة إرهابية مسلحة" فجر اليوم الاثنين اقتحام نادي ضباط الحرس الجمهوري. وأثارت هذه الأحداث أسئلة كثيرة عن إمكانية تكرار السيناريو الجزائري بمصر وانزلاق البلاد نحو حرب أهلية كما حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأستبعد القيادي في التيار الشعبي عصام الإسلامبولي انزلاق مصر إلى السيناريو الجزائري "لأن المؤسسة العسكرية المصرية قوية واستجابت للشعب المصري وتطلعاته وحمت البلاد من مؤامرات خطيرة". على الجانب الأخر كرر القيادي في حزب "الحرية والعدالة" خالد حنفي موقف الجماعة بأنهم لن يعتدوا على أي شخص حتى لو اعتدى عليهم، "فنحن لم نمارس العنف حتى عندما كنا في السلطة ولن نمارسه الآن ولا حتى في المستقبل" ودعا جميع المتظاهرين للسلمية والتحقيق مع السيسي "المسئول الأول عما جرى من قتل للمصلين". وأمل حنفي أن يتراجع الجيش خطوات للوراء "لأنها المرة الأولى التي يطلق فيها جيش وطني النار على مواطن مصري ويُوقع مذبحة" بحق المتظاهرين. مرحلة اللاعقلانية أما العسكريون فلكل رؤيته وتحليله لما جرى، فاللواء أركان حرب المتقاعد عبد الحميد عمران أعرب عن مخاوفه من انزلاق الوضع بمصر نحو السيناريوين الجزائري والسوري حتى، وأكد أن التيار الإسلامي في مصر مصمم على عدم الانزلاق للعنف وهم ينظرون إلى الأمور بأن "المواجهات مع الجيش يسقط فيها الآن العشرات ولكن إذا تحولت لمقاومة مسلحة للسلطة فيصبح الرقم آلاف القتلى". واعتبر أن بيان الجيش القاضي بمقتل ضابط وإصابة جنود في هجوم لا يبرر إطلاق النار على مصلين وقتل عشرات منهم وهذا أيضا حصل في العريش قبل أيام حين كان المتظاهرون يصلون. وأشار إلى أن البلاد تدخل في مرحلة "اللاعقلانية"، وتابع أن قيادات الجيش حين تعطي أوامرها يصل الأمر للضابط على الأرض بأن عليه إطلاق النار والقتل وهذا لا يكون مقصد القيادة، وأكد أن الجيش لن يتراجع ولكن يجب على الجميع حصر الخسائر الناجمة عن الإجراءات التي قام بها الجيش. وخلص إلى أن البلاد تفتح على المجهول إذا لم يرفض قسم من الجيش ما يجري وينبه الضباط السيسي بأنه بعد أحداث الحرس الجمهوري وانسحاب حزب النور وطلب عبد المنعم أبو الفتوح من الرئيس المؤقت الاستقالة لم يعد هناك إجماع حول الخطة السياسية. في المقابل أكد اللواء المتقاعد مجدي البسيوني استحالة انزلاق البلاد للسيناريو الجزائري "لأن الجيش يسيطر على الوضع" في البلاد. وأضاف أن الحرس الجمهوري لم يرد على إطلاق النار متهما مجموعات مسلحة بإطلاق النار على المتظاهرين وقيام بعض منهم بارتداء زي عسكري "لإيهام الآخرين أن الحرس اعتدى على المتظاهرين، لكن الحقيقة أن مسلحين اعتلوا أسطح البنايات وبادروا بإطلاق النار على الجيش". وأوضح أن المسلحين أطلقوا النار على الحرس والمتظاهرين للإيقاع بين الشعب والجيش، فمن يهدد ويتوعد وينادي بالجهاد والاستشهاد في رابعة العدوية يمكن أن يمارس أعمال عنف في محافظات عدة "بمشاركة عناصر فلسطينية من حماس وغيرها من الفصائل". تحذيرات ومخاوف كتبت مجلة "تايم" أن تجربة الجزائر، عندما اختار ملايين الناخبين حزبا سياسيا إسلاميا لإدارة البلاد لكن العسكر تدخلوا وطردوا الفائزين بالانتخابات بالقوة واختاروا مجموعة من الساسة بدلا منهم، وإراقة الدماء التي أعقبت القرار الجزائري قبل 21 عاما تقدم دروسا منبهة للجنرالات في مصر الذين فعلوا نفس الشيء عندما أطاحوا بالرئيس محمد مرسي بعد سنة فقط من فوزه بالرئاسة في انتخابات ديمقراطية، مما أثار موجة عنف في الشارع بين المؤيدين والمعارضين. وأشارت المجلة إلى أنه رغم وجود اختلافات في تاريخ البلدين فإن صراع الجزائر يقدم بعض المقارنات المثيرة التي بدأت عندما عدل الدستور الجزائري للسماح للأحزاب السياسية الأخرى غير جبهة التحرير الوطنية للتنافس في الانتخابات، لكن عندما فاز الإسلاميون فيها تدخل العسكر منذ البداية وحلوا البرلمان وحظروا الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في حين أن الإخوان المسلمين المتمثلين في حزب الحرية والعدالة في مصر حكموا طوال سنة كاملة ومن المحتمل أن يشاركوا في الانتخابات القادمة قريبا. واعتبرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أن ما يحدث في مصر يقارب ما حدث في تركيا عام1997 عبر إزاحة أول حكومة للتيار الإسلامي ولكن أعربت في الوقت نفسه عن خشيتها من تكرار سيناريو الجزائر 1992. وعلقت صحف غربية أخرى عن هواجس السيناريو الجزائري وأمكانية حدوثه في مصر، وأبدت مخاوفها من إمكانية أن تدخل مصر دوامة عنف كتلك التي وقعت في الجزائر قبل عقدين فكتبت صحيفة "ساربروكر تسايتونغ" تقول: "يجب على المعارضة الليبرالية أن تتوقع أنه بإمكان الجيش الإطاحة بحكومة منتخبة ومدعومة من قبلها، لذلك فإن الفرح بعزل مرسي ينم عن قصر نظر فمصر يهددها الانقسام العميق، وربما حتى الوقوع في السيناريو الجزائري". وتشابه معها تعليق صحيفة "برلينر مورغنبوست" الذي جاء فيه: "لا زالت كل السيناريوهات محتملة، فهل يا ترى ستقع حرب أهلية كما حدث في الجزائر في بداية تسعينات القرن الماضي عندما انقلب الجيش الجزائري على الإسلاميين ولقي 150ألف شخص حتفهم؟ لا توجد الآن إجابة موثوق بها (على ذلك السؤال)". أما صحيفة "ميتلدويتشه تسايتونغ" فدعت إلى التفكير في الملايين التي انتخبت مرسي، وقالت: "من غير المتوقع أن يكون أكثر من 13 مليون مصري صوتوا لصالح مرسي في جولة الإعادة قبل عام قد تحولوا كلهم الآن إلى معسكر خصومه، وسينظر كثير من أتباع مرسي إلى تدخل الجيش على أنه اعتداء آخر على معتقداتهم الدينية والفكرية". درس الجزائر ومن جانبه حذر رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية الجزائرية التابعة للإخوان المسلمين، عبد الرزاق مقري من "تكرار سيناريو أسوأ من السيناريو الجزائري في مصر في حال عدم إعادة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي إلى الحكم". و حذر مقري من أن "الجزائر جربت هذا المسلسل، وإذا بدأت القوات المسلحة المصرية بهذه الطريقة فإن قوة الإخوان كبيرة وليست حركة عادية وسيكون الأمر أخطر من السيناريو الجزائري بالخصوص مع وجود تعاطف عالمي مع الإخوان جراء الإنقلاب على رئيس منتخب منهم"، داعياً الجيش المصري إلى "مراجعة حساباتهم والرجوع إلى الشرعية الدستورية صمام الأمان لحماية مصر". وفي مقال للصحفية رولا خلف في صحيفة "الفاينانشال تايمز" قالت إن حالة الجزائر لابد أن تكون درسا للجيش والإخوان المسلمين في مصر. وقالت الكاتبة إن قياديين إسلاميين جزائريين نصحوا الإخوان المسلمين في مصر بعدم اللجوء إلى حمل السلاح، بعد عزل محمد مرسي من الرئاسة على يد الجيش. وتضيف أن القياديين الجزائريين أشاروا على الإخوان في مصر بعدم السير على نهج الإسلاميين في الجزائر، وإنما التعلم من التجربة التركية، حيث أن الإسلاميين أعادوا تجميع أنفسهم بعدما أبعدهم الجيش عن السلطة في 1997. فبعد عشرين عاما لا تزال الجزائر متأثرة بأحداث العنف التي شهدتها البلاد في التسعينيات، عقب تعطيل الجيش للمسار الانتخابي الذي كان لصالح الإسلاميين، ممثلين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وترى الكاتبة أن المقارنة مع الجزائر لا مفر منها، لتشابه تدخل الجيش المصري مع ما قام به الجيش الجزائري، على الرغم من اختلاف الوقائع. فالجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية كانت مزيجا من التيارات، عديمة التجربة، وتعرضت لقمع واسع من قبل الجيش بعد تعطيل المسار الانتخابي، أما الإخوان المسلمين في مصر فهي جماعة دقيقة التنظيم ولها تجربة طويلة في المعارضة، استخدمت في مراحل من تاريخها أساليب مختلفة من المهادنة والمغالبة مع أنظمة الحكم. العشرية السوداء وجدير بالذكر أن حرب "العشرية السوداء" في الجزائر هو صراع مسلح قام بين النظام الجزائري القائم وفصائل متعددة تتبنى أفكار موالية للجبهة الإسلامية للإنقاذ والإسلام السياسي، منها الجماعة الإسلامية المسلحة والحركة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح والجيش الإسلامي للإنقاذ وهو الجناح المسلح للجبهة الإسلامية للإنقاذ. وبدأ الصراع في يناير عام 1992 عقب إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لعام 1991 في الجزائر والتي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا مؤكدا مما حدا بالجيش الجزائري التدخل لإلغاء الانتخابات التشريعية في البلاد مخافة من فوز الإسلاميين فيها. بالرغم من أن حدة العنف قد خفت منذ عام 2002 ولكن واستنادا إلى وزارة الداخلية الجزائرية لا يزال هناك قرابة 1000 من ما تصفهم الحكومة ب "المتمردين المسلحين" نشطين في الجزائر في سبتمبر 2005 أيدت أغلبية كبيرة من الجزائريين العفو الجزئي الذي أصدرته الحكومة الجزائرية عن مئات من المسلحين الإسلاميين ضمن ما عرف "بميثاق السلم والمصالحة الوطنية" بهدف إنهاء من عقد من النزاع. بموجب قانون المصالحة الوطنية ، الذي اقترحه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تم العفو عن عدد كبير من الأشخاص الذين تورطوا في أعمال عنف، لكن المعارضين للميثاق يعتبرون أن المصالحة غير ممكنة دون تحقيق العدالة ويطالبون بأن تفتح الدولة تحقيقا بشأن آلاف الأشخاص الذين اختفوا طيلة الأعوام الماضية ولم يعرف مصيرهم و عرف هذا بملف المخطوفين .