بعد إعلان بكين عن «الذهب الصيني الخالص».. خبراء: «المصري الأضمن»    توقيع اتفاقية مصرية - إيطالية لإنتاج الغاز الحيوي ودعم الطاقة النظيفة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا وتثمن جهود ترامب لحل النزاع    فيديو متداول ل«افتتاح ملعب بالعراق من إهداء الملك سلمان».. ما حقيقته؟    البطل فى مأزق.. الأزمات تحاصر ليفربول قبل مواجهة ريال مدريد النارية    تقرير: سلوت يفكر في قرار جديد بشأن صلاح    نجم النصر يقترب من المشاركة أمام اتحاد جدة    سائق سيارة نقل ذكي يسرق حقيبة أجنبية بمدينة نصر والنيابة تحقق    المخرج سعد هنداوى يطالب بتكريم عادل إمام ببناء دار عرض تحمل اسمه    طب المناطق الحارة والجهاز الهضمي بجامعة أسيوط ينظم مؤتمره الرابع والعشرون الاربعاء    انتخابات مجلس النواب 2025| 7 سيدات يواجهن 122 مرشحًا في قنا    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان روما الاعتراف بدولة فلسطين (صور)    الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة بتروجيت وسط تركيز عالٍ وتظلم رسمي ضد الكاف    رئيس المركزي للمحاسبات يفتتح أعمال المجلس التنفيذي ال79 للإنتوساي بشرم الشيخ    النيابة تصرح بدفن جثمان طفل شبرا الخيمة بعد انتشاله من بلاعة    البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في كنائس قبرص    المتحف الكبير.. ذاكرة الحضارة ووجدان التاريخ!    إيهاب فهمى ووفاء مكى يقدمان واجب العزاء فى شقيق فريدة سيف النصر    مكتبة مصر العامة تحتفي بالتراث الفلبيني في احتفالية ومعرض فني بعنوان باجكيلالا – الاعتراف    هل على العقارات المؤجَّرة زكاة؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح    ملك الأردن: لن نرسل قوات إلى غزة ومستعدون لدعم الشرطة الفلسطينية    وفاة طفل أردني بعد لدغة "ذبابة الرمل السوداء"    طريق جديدة لجرارات القصب لتخفيف الزحام بأرمنت والمحافظ يتابع التنفيذ    بدء صرف معاشات نوفمبر الأسبوع القادم.. «التأمينات» تعلن الجدول الرسمي للمستفيدين    الفائز بجائزة النجمة البرونزية بمهرجان الجونة..الفيلم المصري المستعمرة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي    محمد سلام: عودة مفاجئة ومسيرة صعود صنعت حب الجمهور.. وانتقال للبطولة بمسلسل كارثة طبيعية    تأجيل محاكمة 89 متهما بقضية "خلية داعش مدينة نصر" لجلسة 11 يناير المقبل    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    جولة ترامب الآسيوية.. باكستان تسعى لإغراء واشنطن وقطع الطريق على الهند    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لأفضل 11 لاعباً فى العالم من فيفبرو    مدير تعليم سوهاج يشارك في الاجتماع التنسيقي لتنفيذ مبادرة الأنيميا والتقزم    جدول مواقيت الصلاة غدًا الثلاثاء 28 أكتوبر بمحافظات الصعيد    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    بث مباشر.. الفتح في ضيافة الرياض الليلة الساعة 5.35 في دوري روشن السعودي 2025    «فنانون ومبدعون».. ما هي الأبراج التي تتمتع بخيال واسع؟    متي يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025؟    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    عاجل- إنهاء حالة الطوارئ في جنوب إسرائيل لأول مرة منذ 7 أكتوبر    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    حين تصير شجرة الزيتون شاهدة على الحرب.. كيف استهدفت إسرائيل ذاكرة فلسطين الخضراء؟    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    «تعليم أسيوط» يعلن تلقى طلبات الراغبين في العمل بالحصة لمدة عشرة أيام    المشاط: الإحصاءات تُمثل ركيزة أساسية في صنع القرار ودعم مسيرة التنمية    وزير العمل: إصدار القانون الجديد محطة فارقة في تحديث التشريعات الوطنية    قنا: تحرير 330 مخالفة تموينية وإحباط تهريب 50 طن أسمدة مدعمة خلال أسبوع    4 أساسيات للانش بوكس المثالي للمدرسة.. لفطار رايق وصحي    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    شيخ الأزهر في القمة العالمية للسلام بروما: لا سلام بالشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    دعاء الحج والعمرة.. أدعية قصيرة ومستحبة للحجاج والمعتمرين هذا العام    أسعار اللحوم اليوم الاثنين في شمال سيناء    بعد قليل.. محاكمة المتهمين ومصور فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم الشرع في استخدام الغناء والموسيقى في الإعلانات؟.. الإفتاء تجيب
نشر في فيتو يوم 10 - 01 - 2022

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "ما رأي الشرع في الغناء والموسيقى واستخدامها في الإعلانات المَرئيَّة والمَسمُوعة لِتَروِيج المُنتَجات الغذائية، وخصوصًا آلَات (الدرامز - الأكسيليفون - الطبلة)؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
الموسيقى: عِلمٌ يُعرَف منه أحوالُ النَّغَم والإيقاعات، وكيفية تأليف اللُّحون، وإيجاد الآلَات، وتُطلَق كذلك على الصوت الخارج مِن آلات العَزف.
ومسألةُ سماع الموسيقى مسألةٌ خلافيةٌ فقهية، ليست مِن أصول العقيدة، وليست مِن المَعلوم مِن الدِّين بالضرورة، ولا ينبغي للمسلمين أن يُفسِّق بعضُهم بعضًا، ولا أن يُنكِر بعضُهم على بعضٍ بسبب تلك المسائل الخلافية؛ فإنما يُنكَر المُتفَقُ عليه، ولا يُنكَر المُختلَفُ فيه، وطالما أن هناك مِن الفقهاء مَن أباح الموسيقى -وهؤلاء مِمَّن يُعتَدُّ بقولهم ويجوز تقليدُهم- فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية، خاصةً وأنه لم يَرِد نَصٌّ في الشرع صحيحٌ صريحٌ في تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلافُ بشأنها.
رأي الشرع في الغناء والموسيقى
وعُمدةُ القائلين بالتحريم -وهُم الجمهور- ظواهِرُ بعض الآيات القرآنية الكريمة التي حمَلَها جماعةٌ مِن المُفسِّرين على الغناء والمَزَامير؛ كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ [لقمان: 6]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3]، وقوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: 64].
ومِن السُّنة حديثُ أبي عامرٍ أو أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» رواه البخاري في "الصحيح" مُعَلَّقًا.. إلى غير ذلك مِن الأحاديث في هذا المعنى.
وذهب كثيرٌ مِن المُحقِّقين مِن أهل العلم -مِن الصحابة فمَن بَعدَهم- إلى أنَّ الضرب بالمَعازف والآلات ما هو إلَّا صوتٌ: حَسَنُه حَسَنٌ وقبيحُه قبيحٌ، وأنَّ الآيات القرآنية ليس فيها نهيٌ صريحٌ عن المَعازف والآلات المشهورة، وأن النهي في حديث البخاري إنما هو عن المجموع لا عن الجميع؛ أي: أن تَجتمعَ هذه المُفرداتُ في صورةٍ واحدة، والحِرُ هو الزنا، والحرير مُحرَّمٌ على الرجال؛ فالمقصود النهي عن التَّرَف وليس المقصودُ خُصوصُ المَعازف، وقد تَقرَّر في الأصول أنَّ الاقتِرانَ ليس بحُجَّةٍ، فعَطفُ المَعازف على الزنا ليس بحُجَّةٍ في تحريم المَعازف، وأنَّ الأحاديثَ الأخرى منها ما لا يَصحُّ، ومنها ما هو مَحمولٌ على ما كان مِن المَعازف مُلهِيًا عن ذِكر الله أو كان سببًا للفواحش والمُحرَّمات، فالصحيح منها ليس صريحًا، والصريح منها ليس صحيحًا.
حكم استخدام الغناء والموسيقى في الإعلانات

وهذا مذهب أهل المدينة، وهو مَروِيٌّ عن جماعةٍ مِن الصحابة: كعبدِ الله بن عُمر وعبدِ الله بنِ جعفر وعبدِ الله بنِ الزُّبَير وحسَّانِ بنِ ثابتٍ ومُعاوِيَة وعَمرو بنِ العاص رضي الله عنهم، ومِن التابعين: القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -وكان لا يُحدِّث حديثًا حتى يَضرِب بالعُود- وغيرهم.
قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/ 113، ط. دار الحديث): [نَقَل الأثباتُ مِن المُؤَرِّخين أنَّ عبدَ الله بنَ الزُّبَير رضي الله عنهما كان له جَوَارٍ عوَّادَاتٌ -أي: يَضربن بالعُود- وأنَّ ابن عمر رضي الله عنهما دَخَل عليه وإلى جَنْبِه عُودٌ، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فناوَلَه إياه، فتَأمَّلَه ابنُ عمر فقال: هذا مِيزانٌ شامي، قال ابنُ الزبير: يُوزَن به العقول] اه.
وعلى هذا المذهب ابنُ حزمٍ وأهلُ الظاهرِ وبعضُ الشافعيةِ ومنهم الشيخُ أبو إسحاق الشيرازي والقاضيان: الماوردي والروياني والأستاذُ أبو منصور عبدُ القاهر بنُ طاهر التميمي البغدادي والرافعيُّ وحُجَّةُ الإسلامِ الغزاليُّ وأبو الفضل ابنُ طاهر القيسراني والإمامُ عزُّ الدِّين بنُ عبد السلام وشيخُ الإسلام تقيُّ الدِّين بنُ دقيق العيد وعبدُ الغني النابلسي الحنفي.. وغيرُهم.
وقد صَنَّف في إباحة الآلات والمَعازف جماعةٌ مِن أهل العِلم: كابن حزم الظاهري في رسالته في السماع، وابن القيسراني في كتاب "السماع"، والأدفوي في "الإمتاع بأحكام السماع"، وأبي المواهب الشاذلي المالكي في "فرح الأسماع برخص السماع"، وغيرهم كثير.
ومِمَّن صَرَّح بإباحة الآلات والمَعازف حُجَّةُ الإسلام الغزاليُّ رحمه الله؛ حيث قال في "إحياء علوم الدين" (2/ 287، ط. دار المعرفة): [واللَّهوُ مُعِينٌ على الجِدِّ، ولا يَصبِرُ على الجِدِّ المَحضِ والحَقِّ المُرِّ إلَّا نُفُوسُ الأنبياء عليهم السلام، فاللَّهوُ دواءُ القلب مِن داءِ الإعياءِ والملال، فينبغي أن يكون مُباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر مِن الدواء.
فإذًا اللَّهوُ على هذه النية يَصيرُ قُربَةً، هذا في حق مَن لا يُحرِّكُ السَّمَاعُ مِن قلبه صفةً محمودةً يطلب تحريكها، بل ليس له إلَّا اللَّذَّةَ والاستراحةَ المَحضَةَ، فينبغي أن يُستحَبَّ له ذلك ليتوصل به إلى المقصود الذي ذَكَرناه، نعم هذا يَدُلُّ على نقصانٍ عن ذروة الكَمَال؛ فإنَّ الكاملَ هو الذي لا يحتاج أن يُرَوِّح نفْسَه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومَن أحاط بعِلم علاج القلوب ووجوه التلَطُّف بها لسياقتها إلى الحق، عَلِم قطعًا أنَّ ترويحَها بأمثال هذه الأمور دواءٌ نافعٌ لا غِنَى عنه] اه.
حكم الشرع في الغناء
وكذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام، نُقِل عنه أن الغناء بالآلات وبدونها قد يكون سببًا لصلاح القلوب، فقال: الطريق في صلاح القلوب يكون بأسباب من خارج؛ فيكون بالقرآن، وهؤلاء أفضل أهل السماع، ويكون بالوعظ والتذكير، ويكون بالحداء والنشيد، ويكون بالغناء بالآلات المختلف في سماعها كالشبابات، فإن كان السامع لهذه الآلات مُستَحِلًّا سماعَ ذلك فهو مُحسِنٌ بسماع ما يحصل له مِن الأحوال وتاركٌ لِلوَرَع لِسَمَاعِه ما اختُلف في جوازِ سَمَاعِه اه. نقلًا عن "التاج والإكليل" للعبدري المالكي (2/ 363، ط. دار الكتب العلمية).
وقال الشيخُ ابنُ القَمَّاح: سُئِل الشيخ عِزُّ الدِّين بنُ عبد السلام عن الآلات كلها، فقال: مُباح، فقال الشيخُ شرفُ الدِّين التلمساني: يريد أنه لم يَرِد دليلٌ صحيحٌ مِن السُّنة على تحريمه -يُخاطِب بذلك أهل مصر- فسَمِعَه الشيخُ عِزُّ الدِّين، فقال: لا، أَرَدْتُ أنَّ ذلك مُباح. اه نقلًا عن "فرح الأسماع برخص السماع" للإمام أبي المواهب الشاذلي (ص: 73، ط. الدار العربية للكتاب). ونقل القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 54، ط. دار الكتب المصرية) قول القشيري: [ضُرِب بين يَدَي رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم يومَ دَخَل المدينةَ، فَهَمَّ أبو بكرٍ بالزَّجرِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْهُنَّ يا أبا بكر؛ حتى تَعلَم اليهودُ أنَّ دِينَنَا فَسِيح»، فَكُنَّ يَضرِبنَ ويَقُلْنَ: نحن بنات النجار، حَبَّذَا محمد مِن جار]، ثم قال القرطبي: [وقد قيل: إنَّ الطَّبل في النكاح كالدُّفّ، وكذلك الآلات المُشهِرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يَحسُنُ مِن الكلام ولم يَكُن فيه رَفَث] اه.
ونقل الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/ 118) في باب: (ما جاء في آلة اللَّهو أقوالَ المُحرِّمين والمُبِيحِين)، وأشار إلى أدلة كُلٍّ مِن الفريقين، ثم عَقَّب على حديث: «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا ثَلاثَةٌ: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ» بقول حُجَّةِ الإسلام الغزاليّ: [قلنا: قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: ((فهو باطل)) لا يَدُلُّ على التحريم، بل يَدُلُّ على عَدَمِ فائدة] اه، ثم قال الشوكاني: [وهو جوابٌ صحيحٌ؛ لأنَّ ما لا فائدةَ فيه مِن قِسمِ المُباح] اه، وساق أدلةً أخرى في هذا الصدد، مِن بينها حديثُ مَن نذَرَت أن تَضربَ بالدُّفِّ بين يَدَي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- إن رَدَّه اللهُ سالمًا مِن إحدى الغزوات، وقد أَذِن لها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوفاء بالنذر والضربِ بالدُّفّ. رواه الترمذيُّ وصحَّحَه مِن حديث بريدة رضي الله عنه، فالإذن منه يَدُلُّ على أنَّ ما فَعَلَتْهُ ليس بمعصيةٍ في مثل ذلك المَوطن، وأشار الشوكاني إلى رسالة عنوانها "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مُطلَق السماع".
وقال الإمام ابنُ حزمٍ في "المحلَّى" (7/ 567، ط. دار الفكر): [إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». فمَن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كُلُّ شيءٍ غير الغناء، ومَن نوى به ترويحَ نفْسِه ليَقوَى بذلك على طاعة الله عز وجل ويُنَشِّطَ نفْسَه بذلك على البِرِّ فهو مُطيعٌ مُحسِن، وفِعلُه هذا مِن الحق، ومَن لم يَنْوِ طاعةً ولا معصيةً، فهو لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عنه؛ كخروجِ الإنسان إلى بُستانه مُتَنَزِّهًا، وقُعُودِه على بابِ دارِه مُتَفَرِّجًا، وصباغِه ثوبَه لازُورْدِيًّا أو أخضر أو غير ذلك، ومَدِّ ساقِه وقَبضِها وسائر أفعاله] اه.
ونَخلُصُ في كُلِّ ما سَبق إلى أنَّ الغناءَ بآلةٍ -أي مع الموسيقى- وبغير آلةٍ مسألةٌ ثارَ فيها الجَدَلُ والكلامُ بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى؛ فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى:
اتفقوا على تحريم كل غناءٍ يَشتَمِل على فُحشٍ، أو فِسقٍ، أو تَحريضٍ على معصيةٍ؛ إذ الغناءُ ليس إلَّا كلامًا، فحَسَنُه حَسَنٌ، وقَبِيحُهُ قَبِيح، وكُلُّ قولٍ يَشتَمِل على حرامٍ فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزنُ والنَّغَمُ والتأثير؟
واتفقوا على إباحة ما خلَا ذلك مِن الغناء الفِطرِيِّ الخالي مِن الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة: كالعرس، وقُدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها، واختلفوا في الغناء المصحوب بالآلات.
والذي نُرَجِّحُه ونَميل إلى القول به هو جوازُ استعمالِ المَعازفِ وسَمَاعِها بشرط اختيارِ الحَسَنِ وعَدَمِ الاشتغالِ بما يُلهي عن ذكر الله تعالى أو يَجُرُّ إلى الفسادِ أو يَتنافى مع الشرع الشريف؛ إذ ليس في كتاب الله تعالى ولا في سُنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في معقولِهِما مِن القياس والاستدلال ما يَقتضي تحريمَ مُجَرَّدِ الأصواتِ المَوزُونةِ مع آلةٍ مِن الآلات، بل الفِطرَةُ النَّقِيَّةُ تَستَمْلِحُ الأصواتَ الجميلةَ وتَستَعْذِبُها، حتى قيل: إنَّ قرار ذلك في الفِطَر مَرَدُّه إلى خطاب الله سبحانه لبني آدم في الذَّرِّ عندما أَخَذَ العَهدَ عليهم بقوله: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 172]، وهذا هو ما نراه أوفق لعصرنا.
وينبغي في هذا المقام التنبيه على عدة نقاط:
أولًا: جواز التخَيُّر مِن مذاهب المجتهدين والأئمة المتبوعين: فإن مسائل الشرع الشريف على قسمين:
- قسم انعَقَدَ الإجماعُ عليه وأصبح معلومًا مِن الدِّين بالضرورة -سواء أكان مُستَنَدُه قَطعيَّ الدلالة في الأصل أم صار كذلك بإجماع الأمة على حُكمِه-، وهذا القسم لا تجوز مُخالَفته؛ لأنه يُشَكِّلُ هوية الإسلام، والقَدْحُ فيه قَدْحٌ في الثوابت الدِّينية المُستَقِرَّة.
- والقسم الثاني: هو تلك المسائل التي اختَلَف أهلُ العِلم في حُكمِها ولم يَنعقد عليها الإجماع، فالأمرُ فيها واسع، واختلافُهم فيها رحمة، ويجوز للمسلم أن يأخذ بأي الأقوال فيها.
ثانيًا: الإنكار يكون في المجمع عليه: فقد ذكر الحافظ السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 158، ط. دار الكتب العلمية) أنه: [لا يُنكَر المختلَفُ فيه، وإنما يُنكَر المُجمَعُ عليه] اه. وهذا يعني أنَّ المسألة إذا اختَلَف فيها أهلُ المذاهب الفقهية فلا يَصِحُّ لأهلِ مذهبٍ أن يُنكِروا على أهلِ مذهبٍ آخر؛ لأن المسألةَ مُختَلَفٌ فيها.
بعد اعتزاله الغناء.. شاهد أدهم نابلسي يؤدي صلاة العشاء
تفسير حلم الغناء في المنام وعلاقته بالخسارة المادية والمصائب
ثالثًا: التفريق بين حَدِّ الفقه والحُكم وبين حَدِّ الوَرَع: فقد اتفقَت كلمةُ الفقهاء على أنَّ حَدَّ الوَرَع أوسعُ مِن حَدِّ الحُكم الفقهي؛ وذلك لأن المسلم قد يَترك كثيرًا مِن المُباح تَوَرُّعًا، ولكن هذا لا يعني أن يُلزِم غيرَه بذلك على سبيل الوجوب الشرعي، فيَدخل في باب تحريم الحلال، ولا أن يُعامِل الظَّنِّيَّ المُختَلَف فيه مُعامَلَةَ القَطعِيِّ المُجمَعِ عليه، فيَدخل في الابتداع بتضييق ما وسَّعَه اللهُ تعالى ورسولُه صلى الله عليه وآله وسلم، بل عليه أن يَلتزم بأدب الخلاف كما هو منهج السلف الصالح في المسائل الخلافية الاجتهادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.