وزير العمل يوفر وظيفة لإحدى الفتيات من ذوي الهمم بالأقصر    الشناوي: الهيئة الوطنية للانتخابات نجحت في ترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلمات في مسابقة «النقل النهري»    اليوم.. الكنيسة القبطية تستضيف اجتماع لجنة الإيمان والنظام بمجلس الكنائس العالمي    "مخاطر العنف والتنمر" ندوة توعوية ب"فنون تطبيقية بني سويف"    ميناء دمياط يستقبل 73590 طن قمح وذرة وحديد ب14 سفينة    محافظ الجيزة يشارك في مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية للعمران    فرص عمل واستثمارات.. تفاصيل جولة مدبولي في مصنع «أوبو» بالعاشر    تركيب 213 وصلة مياه شرب نظيفة للأسر الأولى بالرعاية بقرى ومراكز أسوان    عاجل- قرارات جديدة من رئيس الوزراء.. تعرف على التفاصيل    محافظ الدقهلية يشدد على رئيس مدينة نبروه بتكثيف أعمال النظافة ومتابعتها ورفع كافة الإشغالات    الصين «تعارض» العقوبات الأمريكية الجديدة على النفط الروسي    عبور 87 شاحنة إماراتية محمّلة بالمساعدات إلى غزة خلال أسبوع    السعودية تدين وتستنكر مصادقة الكنيست بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية    أضرار جسيمة في منشآت الكهرباء والمياه بعد هجوم بطائرة مسيرة في السودان    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 6 آلاف طن مساعدات إلى غزة عبر قافلة زاد العزة ال57    أسبوعان على وقف إطلاق النار.. بطء في دخول المساعدات وخروقات بالشجاعية وخان يونس    تقرير يكشف مستقبل محمد صلاح مع ليفربول    الاتحاد الأفريقي لتنس الطاولة: ما صدر عن عمر عصر سلوك سيئ ومؤسفٌ    جولر بعد الفوز على يوفنتوس: نُريد برشلونة    الزمالك يجهز شكوى لتنظيم الإعلام ضد نجم الأهلي السابق    محمد عبدالجليل ينتقد ييس توروب بسبب تغييراته    ننشر أسماء مصابي انحراف أتوبيس بطريق صحراوي قنا    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    ضبط أكثر من 17 طن دقيق مدعم قبل استخدامه في أنشطة مخالفة    ضبط 4 سيدات لقيامهن بممارسة الأعمال المنافية للآداب بالإسكندرية    غلق كلي لكوبري الأزهر السفلي 3 أيام لتطويره بطبقة الإيبوكسي.. تفاصيل    «لنا لقاء عند الله».. أحمد السعدني يحيي ذكرى ميلاد والده    رانيا يوسف تكشف كواليس زواجها من المخرج أحمد جمال    جولة «بوابة أخبار اليوم» في معرض الفنون التشكيلية «بحبك يا مصر»    حنان مطاوع بعد فيديو والدها بالذكاء الاصطناعي: "اتصدمت لما شوفته وبلاش نصحي الجراح"    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    أحداث مثيرة في مسلسل «المدينة البعيدة» تكشف صراع جيهان وبوران    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة قنا    بدء تشغيل معمل الأسنان للتركيبات المتحركة بمستشفى نجع حمادي العام    خالد عبدالغفار: الصحة العامة حجر الزاوية في رؤية مصر للتنمية البشرية    إنجاز طبي جديد بعد إنقاذ مريض فلسطيني مصاب من قطاع غزة    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    مصرع عامل سقط من أعلى سقالة فى المنوفية    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    هل التدليك الطبى حرام وما حكم المساج فى الإسلام؟.. دار الإفتاء توضح    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    إطلاق القطار السريع وافتتاح مشروعات كبرى.. أحداث هامة بمعرض TransMEA القادم    الاتحاد الأوروبى: تم حظر استيراد الغاز المسال الروسى    ستيفن وارنوك: ليفربول أثبت قدرته على الفوز دون محمد صلاح واستبعادُه قد يتكرر مستقبلاً    ميدو جابر يخضع اليوم لأشعة تشخيصيه على الركبة لتحديد حجم إصابته    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    التعليم تحسم الجدل حول مستحقات معلمي الحصة بالقاهرة وتؤكد أحقيتهم في الصرف    بعد قليل.. "الوطنية للانتخابات" تعلن القائمة النهائية الرسمية لمرشحى مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن شخصين    ليفربول يفك عقدته بخماسية في شباك آينتراخت فرانكفورت بدوري الأبطال    سيصلك مال لم تكن تتوقعه.. برج الدلو اليوم 23 أكتوبر    سعر الذهب اليوم الخميس 23-10-2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    علي الحجار يتأثر بغنائه «فلسطيني» في مهرجان الموسيقى العربية    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفتي يرد على مزاعم موت والدي النبي صلى الله عليه وسلم على الجاهلية
نشر في فيتو يوم 08 - 01 - 2022

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول صاحبه: كيف نرد على من يزعم أن والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماتا على الجاهلية؟
ومن جانبه أجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذا السؤال كالتالي: للشريعة مزيد اعتناء بالإشادة باصطفاء أصول النبي صلى الله عليه وسلم وخيريتهم، وأهليتهم لحمل النور النبوي، بأدلة متواترةٍ يُعلَم منها أن الحق الذي يجب اعتقادُه ولا يجوز غيرُه، وعليه جماهير الأمة خلافًا لمن زلَّ: أن والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنان ناجيان، بل هما خلاصة أهل الإيمان؛ لأنهما لنور النبوة مستودَعان، وقد اختارهما الله لأبوة سيد الأكوان.
فهما من الساجدين الذين قال الله في حقهم: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 219]، قال الإمام الماوردي في "أعلام النبوة" (ص: 201، ط. دار الهلال): [قال ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل قول الله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾: أي: تقلبك من أصلاب طاهرة مِن أبٍ بعدَ أبٍ، إلى أن جعلتُك نبيًّا، وقد كان نورُ النبوة في آبائه ظاهرًا] اه.
والدي النبي صلى الله عليه وسلم
وهما مِن المصطفَيْنَ الأخيار، الذين افتخَرَ بالانتساب إليهم المختار، صلى الله عليه وآله وسلم:
فأخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»، ورواه الخطيبُ في "الموضح"، والدِّمياطيُّ في "معجمه" فقال: «وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ».
وأخرج ابن سعد في "طبقاته" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ الْعَرَبِ مُضَرُ، وَخَيْرُ مُضَرَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَخَيْرُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ بَنُو هَاشِمٍ، وَخَيْرُ بَنِي هَاشِمٍ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاللهِ مَا افْتَرَقَ فِرْقَتَانِ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ آدَمَ إِلَّا كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا».
وأخرج الحاكم في "المعرفة" -وعنه البيهقي في "الدلائل"- والسِّلَفيُّ في "الطيوريات" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطب رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ، وَمَا افْتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنِي اللهُ فِي الْخَيْرِ مِنْهُمَا، حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي وَأُمِّي، فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَسَبًا وَخَيْرُكُمْ أَبًا»، وجزم به الحاكم في "المعرفة" واحتج به.
وروى أبو زرعة الدمشقي، عن عمرو بن قيس السَّكُوني -تابعي جليل؛ أدرك سبعين صحابيًّا- أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اخْتَارَ اللهُ مِنَ النَّاسِ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ كِنَانَةَ، وَاخْتَارَ مِنَ كِنَانَةَ النَّضْرَ، وَاخْتَارَ مِنَ النَّضْرِ عَبْدَ مَنَافٍ، وَاخْتَارَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ هَاشِمًا، وَاخْتَارَ مِنْ هَاشِمٍ عَبْدَ المُطَّلِبِ، وَاخْتَارَ مِنْ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَبْدَ اللهِ، وَاخْتَارَ مِنْ عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدًا». وذكره الواقدي في "فتوح الشام" من قول خالد بن الوليد رضي الله عنه.
وأخرج البزار في "مسنده"، وابنُ شاذان -كما في "ذخائر العقبى" للمحب الطبري- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل ناس من قريش على صفيةَ بنتِ عبد المطلب رضي الله عنها، فجعلوا يتفاخرون ويذكرون الجاهلية، فقالت صفيةُ رضي الله عنها: مِنّا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: تنبت النخلة -أو الشجرة- في الأرض الكِبَا
فقالت: وما الكِبَا؟ قالوا: الأرض التي ليست بطيبة، فذكرَتْ ذلك صفيةُ رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فغضب وقال: «يَا بِلالُ! هَجِّرْ بِالصَّلاةِ»، فهجَّر، فقام صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، فنادى بصوت فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ أَنَا؟» قالوا: أنتَ رسولُ اللهِ، قال: «انْسُبُونِي»، قالوا: محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلب، قال: «أَجَلْ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَا رَسُولُ اللهِ، فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَبْتَذِلُونَ أَصْلِي! فَوَاللهِ إِنِّي لَأَفْضَلُهُمْ أَصْلًا، وَخَيْرُهُمْ مَوْضِعًا»
فلما سمعت الأنصارُ بذلك قالت: قوموا فخذوا السلاح؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أُغضِبَ، فأخذوا السلاح ثم أتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلمنه لا يُرَى منهم إلا الحَدَقُ، حتى أحاطوا بالناس، فجعلوهم في مثل الحَرّة، حتى تضايقت بهم أبوابُ المسجد والسكك، ثم قاموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله! لا تأمرُنا بأحدٍ إلّا أبَرْنا عترته، فلما رأى النفرُ من قريش ذلك قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتذروا وتنصلوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «النَّاسُ دِثَارٌ، وَالأَنْصَارُ شِعَارٌ» فأثنى عليهم وقال خيرًا. وقد استشهد بهذا الحديث جماعة من الحفاظ؛ كالسخاوي في "ارتقاء الغرف"، والسيوطي في "مسالك الحنفا".
والدا النبي صلى الله عليه وسلم
وأخرج الحاكم في "المستدرك" عن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه قال: "بلغ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ قومًا نالوا منه؛ فقالوا: إنما مثلُ محمد كمثل نخلة نبتت في كُنَاس! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلًا، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا»، ثم قال: «أَنَا خَيْرُكُمْ قَبِيلًا وَخَيْرُكُمْ بَيْتًا». ورواه الإمام أحمد وغيره عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث.
وأخرج ابن أبي عاصم في "السنة" والطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "الدلائل" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَ لِي جِبْرِيلُ عليه السلام: قَلَّبْتُ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، فَلَمْ أَجِدْ رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ أَجِدْ بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "أماليه": [لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن، ومن المعلوم أنّ الخيريةَ والاصطفاءَ والاختيارَ من الله والأفضليةَ عنده: لا تكون مع الشرك] اه من "مسالك الحنفا" للسيوطي -في "الحاوي للفتاوي" (2/ 256، ط. دار الفكر)-.
قال شيخ الإسلام البيجوري (ت1276ه) في "تحفة المريد" (ص: 68، ط. دار السلام): [جميع آبائه وأمهاته صلى الله عليه وآله وسلم ناجون، ومحكوم بإيمانهم، لم يدخلهم كفر ولا رجس ولا عيب ولا شيء مما كان عليه الجاهلية؛ بأدلة نقلية؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمْ أَزَلْ أَنْتَقِلُ مِن الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَاتِ إِلَى الْأَرْحَامِ الزَّاكِيَاتِ»، وغير ذلك من الأحاديث البالغة مبلغ التواتر] اه.
فآباؤه وأمهاته صلى الله عليه وآله وسلم موصوفون بالسجود والاصطفاء والخيرية، وأحد هذه الأوصاف كافٍ في الدلالة على الإيمان ونفي خلافه، فكيف باجتماعها! وقد سلَّم الله على المصطفَيْنَ فقال: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: 59].
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن الافتخار بالآباء غير المؤمنين؛ فقال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ -أي: تكبُّرَها وتجبُّرَها- وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم، وافتخاره صلى الله عليه وآله وسلم بشرف أصوله، وخيرية آبائه، يستلزم إيمانهم؛ إذ حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتخر بما نهى عنه.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى": [إن العارف المحقق سيدي محيي الدين بن العربي (ت632ه) قال: إن أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن المصطَفَيْنَ الأخيار، ومن الأكابر الأبرار، وسندُه: ما ذكره مسلمٌ مِن حديث الاصطفاء، وما ذكره البخاري مِن حديث كونه صلى الله عليه وآله وسلم مبعوثًا في خير القرون، والأحاديث الواردة في الاصطفاء والخيرية؛ فإنهما يستلزمان الإسلام، بل يدلان على عدم صدور الذنب] اه نقلًا عن العلامة البرزنجي في كتاب "سداد الدين" (ص: 92، ط. دار الكتب العلمية).
وسئل القاضي أبو بكر بن العربي (ت543ه) عن رجل قال: إن أبا النبي في النار! فأجاب: بأنّ مَن قال ذلك فهو ملعون؛ لقوله تعالى: ﴿إنّ الذين يُؤذُونَ اللهَ ورَسُولَه لَعَنَهم اللهُ في الدنيا والآَخِرةِ وأَعَدَّ لَهم عَذابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: 57]، قال: [ولا أذًى أعظم من أن يقال عن أبيه صلى الله عليه وآله وسلم إنه في النار] اه من "مسالك الحنفا" في "الحاوي للفتاوي" (2/ 279).
وقال الإمام الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي (ت842ه):
تنقَّل أحمدٌ نورًا عظيمًا... تلألأ في جباه الساجدينا
تقلَّب فيهمُ قرنًا فقرنًا... إلى أن جاء خيرَ المرسلينا
وسُئِل شيخُ الإسلام قاضي قضاة الديار المصرية شيخُ الشافعية شرفُ الدين يحيى بنُ محمد المناوي (ت871ه) عن والد النبي صلى الله عليه وسلم: هل هو في النار؟ فزأر في السائل زأرةً شديدة، فقال له السائل: هل ثبت إسلامه؟ فقال: [إنه مات في الفترة؛ ولا تعذيب قبل البعثة] اه، نقله عنه الإمام السيوطي في "مسالك الحنفا" ضمن "الحاوي للفتاوي" (2/ 245).
وقال الإمام القسطلاني الشافعي (ت923ه) في "المواهب اللدنية" (1/ 111، ط. المكتبة التوفيقية): [والحذرَ الحذرَ مِن ذكرهما بما فيه نقصٌ، فإن ذلك قد يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن العرف جارٍ بأنه إذا ذُكِرَ أبو الشخص بما يُنقِصُه، أو وُصِفَ بوصفٍ به وذلك الوصفُ فيه نقصٌ: تأذَّى ولدُه بذكر ذلك له عند المخاطبة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ» رواه الطبراني في "الصغير"، ولا ريب أن أذاه صلى الله عليه وآله وسلم كفرٌ] اه.
وقال إمام الشافعية في زمنه العلامةُ ابنُ حجرٍ الهيتميُّ (ت973ه) في "الفتاوى": [إياك أن يسبق لسانُك إلى غير ما قلنا -يعني: من النجاة- فتكون ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فتستحق اللعنة بنص القرآن؛ كما قدّمنا عن ابن العربي، وإذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمّا شكا إليه عكرمةُ بن أبي جهل رضي الله عنه قولَ الناس "هذا ابنُ أبي جهل": «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ»، هذا مع كونه أبا جهل، فما ظنك بمن يتكلم في آبائه صلى الله عليه وآله وسلم بما يحطهم عن غاية الشرف والرفعة! نعوذ بالله من ذلك، ونسأله السلامة عن الخوض في مثل هذه المهالك] اه نقلًا عن "سداد الدين" (ص: 87) للبرزنجي.
وصَدَرَت بذلك فتوى مفتي الديار المصرية العلامة محمد بخيت المطيعي (ت1354ه)، والتي قال فيها ردًّا على مَن زَعَم أن أبَوَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لَيْسَا مؤمنَيْنِ: [قد أخطأ خَطَأً بَيِّنًا؛ يَأثَمُ ويَدخُلُ به فِيمَن آذى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم] اه.
مؤلفات عن والدي النبي صلى الله عليه وسلم
وصنف العلماء عبر القرون في بيان ذلك عشراتِ المصنفاتِ، حتى صنف الإمام الحافظ السيوطي وحدَه رضي الله عنه في ذلك ستَّ رسائل؛ هي:
1. "مسالك الحنفا في والدي المصطفى".
2. "الدرج المنيفة في الآباء الشريفة".
3. "المقامة السندسية في النسبة المصطفوية".4. "التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في الجنة".
5. "نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين".
6. "السبل الجلية في الآباء العلية".
وصنف كبار علماء الأمة ومفتوها من مختلف المذاهب المتبوعة في نصرة ذلك وتحقيقه:
فصنف شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ابنُ كمال باشا الحنفي (ت940ه) في نجاة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحريم اعتقاد خلاف ذلك، وصنف شيخُ الحنفية في دمشق ابنُ طولون الدمشقي (ت953ه) "مناهج السُّنّة في كون أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة"؛ كما في كتابه "الفُلْك المشحون" (ص: 46، ط. القدسي)
وصنف مفتي الحرم عبدُ القادر الطبري الحسيني الشافعي (ت1033ه) في إيمان الوالدين الشريفين والرد على من ادَّعَى خلافه، وصنف مفتي الشافعية بالمدينة المنورة السيدُ البرزنجيُّ الحسيني "سَداد الدِّين وسِدَاد الدَّيْن، في إثبات النجاة والدرجات للوالدَيْن"، وصنف مفتي الحنفية بها العلامةُ محمد أمين بن عمر زاده البالي (ت1304ه) "سبل السلام في حكم آباء سيد الأنام"، وصنف مفتي المالكية في الحجاز السيدُ محمد علي بن حسين المالكي (ت1368ه) "سعادة الدارين بنجاة الوالدين"، وغيرهم كثير.
ما حكم الصلاة والسلام على والدي النبي الكريمين؟ دار الإفتاء تجيب
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
ومن لطيف الإشارات في هذا المقام: أن الله تعالى سمَّى أمَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأزل "آمنة"؛ لتكون في الدارين آمنةً، فكأنه قيل: ومَن يأمَنُ إن لم تأمَن الآمنة! وسمَّى أباه في الأزل "عبد الله": ليتحقق فيه وصفُ العبودية لله، فكأنه قيل: ومن العابدُ لمولاه، إن لم يَكُنْه "عبدُ الله"، أقربُ الساجدين سببًا ونسبًا بسيدنا رسول الله! صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الأب الماجد، والعبد الساجد «وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ»، وهو العبد المصطفى ﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾؛ فتطابق الاسم والمسمى، وتوافق المعنى والمبنى.
وعليه: فالحق الذي يجب اعتقادُه ولا يجوز غيرُه: أن والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنان، وهما خلاصة أهل الاصطفاء والإيمان؛ لأن الله اختارهما لنور النبوة؛ فهما خير مستقَرٍّ ومستودَعٍ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.