إيران تستدعي سفير النمسا على خلفية تقرير بشأن برنامج إيران النووي    فريمبونج: انتقالي إلى ليفربول كان سهلا.. ومتحمس للعمل مع سلوت    محمد صلاح يزين التشكيل المثالي ل الدوري الإنجليزي بموسم 2025.. موقف مرموش    إصابة 3 أشخاص في حادث بطريق القاهرة - الفيوم    لحظات مؤثرة في زفاف أمينة خليل.. والدها يودعها بالأحضان قبل تسليمها للعريس (صور وفيديو)    وزير الخارجية يلتقي بسفراء الدول الأوروبية المعتمدين في القاهرة    رسميًا.. ليفربول يتعاقد مع فريمبونج قادمًا من باير ليفركوزن    المفتي مكرما حفظة القرآن بالشرقية: لا ينبغي أن يقتصر الحفظ على التكرار والترديد    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف    رئيس الوزراء اليوناني يهاتف الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى    تامر حسني ينافس كريم عبد العزيز في دور العرض السينمائية    4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"    المركز القومي للمسرح يعلن أسماء الفائزين بمسابقة توفيق الحكيم للتأليف    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة «بلدك معاك» لدعم الأسر الأولى بالرعاية    النتائج وصلت.. رسائل SMS تكشف مصير المتقدمين ل«سكن لكل المصريين 5»| فيديو    عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض    تقديم خدمات مجانية لأكثر من 1147 حالة بقرية البرشا في المنيا    «متبقيات المبيدات»: تحليل 600 عينة من عسل النحل    نادي مدينتي للجولف يستضيف الجولة الختامية من دوري الاتحاد المصري للجولف    أمجد الشوا: الاحتلال يستغل المساعدات لترسيخ النزوح وإذلال الغزيين    سعر الذهب اليوم الجمعة 30 مايو 2025.. عيار 18 بدون مصنعية ب3934 جنيهًا    ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة    حذرت من التعامل معها.. الرقابة المالية تصدر قائمة بالجهات غير مرخصة    ماكرون: إذا تخلينا عن غزة وتركنا إسرائيل تفعل ما تشاء سنفقد مصداقيتنا    محمد حمدي لاعب زد يخضع لجراحة ناجحة فى الكوع    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    سقوط المتهم بالنصب على المواطنين ب«الدجل والشعوذة»    النقابةُ العامّةُ للمهندسين تُودِّع الفوجين الأوّل والثاني من حُجّاجِها    الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف    محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بمكتبه بالديوان العام    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    محافظ مطروح يفتتح مسجد عباد الوهاب بحي الشروق بالكيلو 7    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    أزمة تايوان تتفاقم.. واشنطن تعيد تشكيل الردع وبكين تلوّح بالرد    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    شاهد عيان يكشف تفاصيل مصرع فتاة في كرداسة    طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء    رئيسة المجلس القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    إمام عاشور يكشف كواليس أزمته مع الشناوي ويؤكد: "تعلمت من الموقف كثيرًا"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما مدى مشروعية الصلاة على النبي لرفع فيروس كورونا والشفاء من الأمراض
نشر في فيتو يوم 23 - 01 - 2021

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما مدى مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلبًا لرفع الوباء؟ وهل للإكثار منها أثرٌ في الوقاية من العدوى؟"، ومن جانبه أجاب الدكتور شوقي علام مفتى الجمهورية على هذا السؤال كالتالي:
سيدنا محمَّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظمُ مِنَن الحق على الخلق، وباب أسباب الخير الباطنة والظاهرة لكل مخلوق في الدنيا والآخرة، جعل الله رسالته رحمةً للعالمين، ودفعًا للنقمة عن المخلوقين؛ فقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الرسالة" (ص: 16-17، ط. مكتبة الحلبي): [فلم تُمْسِ بنا نعمةٌ ظهرت ولا بَطَنَت، نلنا بها حظًّا في دين ودنيا، أو دُفِعَ بها عنا مكروهٌ فيهما، وفي واحد منهما، إلا ومحمدٌ صلى الله عليه سببُها، القائدُ إلى خيرها، والهادي إلى رشدها، الذائدُ عن الهلكة وموارد السَّوء في خلاف الرشد، المنبِّهُ للأسباب التي تورد الهلكة، القائمُ بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها] اه.
وامتنَّ الله تعالى على عباده بأن أرسلَ لهم رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم؛ رأفةً لهم ورحمةً بهم، يدفعُ عنهم المشقَّة والعناء، ويجلبُ لهم النِّعم والارتقاء؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
قال العلامة ابن عجيبة في "البحر المديد" (2/ 445، ط. حسن عباس زكي): [﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ﴾ أي: شديد شاق عليه ﴿عَنِتُّمْ﴾ أي: عَنَتُكُم ومَشقَّتُكم ولقاؤكم المكروهَ في دينكم ودنياكم ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي: على إيمانكم وسعادتكم وصلاح شأنكم ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ منكم ومن غيركم ﴿رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ أي: شفيق بهم] اه.
وقد عبَّر عن ذلك الإمامُ العارف العلامة محمد بن أبي الحسن البكري الصِّدِّيقي الشافعي المصري (ت993ه) شيخ أهل عصره، ومقدَّم علماء الأزهر الشريف في مصره في "لاميته" الشهيرة: "الوسيلة العظيمة"، التي ذكرها المؤرخ العيدروس في "النور السافر"، وأولها:
ما أرسل الرحمن أو يرسلُ .. من رحمة تصعد أو تنزلُ
في ملكوت الله أو مُلكه .. من كل ما يختص أو يشملُ
إلا وطه المصطفى عبدُه .. نبيُّه مُختاره المُرسَلُ
واسطةٌ فيها وأصلٌ لها .. يعلم هذا كلُّ مَن يعقِلُ
الصلاة على النبي لرفع الوباء
وكما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو شفيعُ الخلائق، فالصلاةُ عليه هي شفيعُ الدعاء، ومن فضلِ الله تعالى على هذه الأمَّة ورحمتِه بها أن جعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيلةَ الدعاءِ، وكاشفةَ البلاءِ، وجالبةَ البركاتِ، ومُستَنْزِلةَ الرحماتِ، وتوجَّه الأمر العام لجميع المؤمنين بالصلاة عليه؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وجعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أفضلِ القُربات وأعظم الطاعات، بها يحقِّقُ الله تعالى المطلوب، ويُفرِّجُ الكُرُوب، ويرفعُ الوباء، ويدفعُ البلاء؛ فهي سببٌ لجلْب الخُيُور، ودفْع الشرور.
فعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذهب ربع الليل -وفي رواية: ثلثا الليل- قام فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ». قلت: يا رسول الله! إني أُكْثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ فقال: «مَا شِئْتَ». قلت: الربع؟ قال: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قلت: النِّصْفَ؟ قال: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قلت: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قال: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: أَجعلُ لك صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قال: «إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» رواه الإمام أحمد، وعبد بن حُمَيْد في "المسند"، والترمذيُّ في "جامعه" وحسَّنه، والحاكمُ في "المستدرك" وصحَّحه، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" بلفظ: «إذًا يَكْفِيكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ».
وهذا الحديثُ لا مزيدَ على دلالته في تفريج جميع الكروب الخاصَّة والعامَّة في الدنيا والآخرة.
قال العلامة الدهلوي (ت1052ه) في "لمعات التنقيح" (3/ 68، ط. دار النوادر):
[أي: إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ، كُفِيتَ ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، على قياس: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ»، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2-3]، فمن كان لله ورسوله، كان الله ورسوله له، جعلنا الله منهم.
قال بعضهم: لما صرف العبدُ سؤالَه وطلبَه ورغبتَه في مَحابِّ اللَّهِ ورسوله، وآثره على مَحابِّ نفسه، لا جرم استحقَّ جزاءً كاملًا، وفضلًا مخصوصًا، ويغنيه عن التشبُّث بأسباب ذلك، وهذه نكتةٌ غريبةٌ في قضاء حوائجِ العبد وكفاية مهماته لاشتغاله بالصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، فافهم] اه.
وقد تواترت الأخبار عن الأئمَّة الأخيار عبر الأعصار والأمصار بأنَّ الصلاة على المختار هي أعظمُ ما تُدرأ به الأخطار، وتوضع به الآصار والأوزار، وتُستَدْفَع به نوائب الأقدار، والملمات والمضار، حتى نقلوا في ذلك ما تتنوَّر به الصفحات، وتتعطر به الكتب والمصنفات، من متواتر الوقائع والكرامات، في تفريج الكربات، وجلاء الأزمات، ودفع الملمات، ببركة الصلاة والسلام على خير البريات، وسيد أهل الأرض والسماوات، ما عدُّوه من عظيم المعجزات المستمرة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بعد الممات.
قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت643ه) في "أدب المفتي والمستفتي" (ص: 210، ط. مكتبة العلوم والحكم)
الصلاة على النبي للوقاية من كورونا
وهو يتكلم عن معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [فإنها ليست محصورةً على ما وجد منها في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، بل لم تزَلْ تتجدَّد بعده صلى الله عليه وآله وسلم على تعاقب العصور؛ وذلك أنَّ كراماتِ الأولياء من أُمَّته صلى الله عليه وآله وسلم وإجابات المتوسلين به في حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له صلى الله عليه وآله وسلم قواطع، ومعجزات له سواطع، ولا يعدها عد ولا يحصرها حد، أعاذنا الله من الزيغ عن ملته، وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته] اه.
وقال الحافظُ السخاوي في كتابه الماتع "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 442، ط. دار الريان) صلى الله عليه وآله وسلم: [ومن تشفَّع بجاهه صلى الله عليه وآله وسلم، وتوسَّل بالصلاة عليه، بلغ مراده، وأنجح قصده، وقد أفردوا ذلك بالتصنيف، ومن ذلك: حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه الماضي وغيره، وهذه من المعجزات الباقية على ممر الدهور والأعوام، وتعاقب العصور والأيام
ولو قيل: إن إجاباتِ المتوسلين بجاهه عقب توسلهم يتضمَّن معجزاتٍ كثيرةً بعدد التوسلات، لكان أحسن؛ فلا يطمع حينئذٍ في عد معجزاته حاصر، فإنه ولو بلغ ما بلغ منها حاسر قاصر، وقد انتدب لها بعض العلماء الأعلام فبلغ ألفًا، وايم الله إنه لو أمعن النظر لزاد منها آلافًا تُلفَى، صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، وحسبك قصة المهاجرة التي مات ولدها ثم أحياه الله عز وجل لها لما توسَّلت بجنابه الكريم، ويدخل هنا حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وغيره من الأحاديث الماضية في الباب الثاني؛ حيث قال فيها: «إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ ذَنْبُكَ»، ولله الحمد] اه.
وقد أفرد الأئمة كتبًا في تفريج الكروب، بالصلاة على الحبيب المحبوب صلى الله عليه وآله وسلم، كما صنع الإمام الحافظ المنذري (ت656ه) صاحب "الترغيب والترهيب" في رسالته "زوال الظما، في ذكر من استغاث برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشدة والعمى"، والإمام أبو عبد الله بن النعمان المراكشي (ت683ه) في كتابه "مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام، في اليقظة والمنام"، والعلامة نور الدين الحلبي الشافعي (ت1044ه) في كتابه "بغية ذوي الأحلام، بأخبار مَن فُرِّجَ كربُه برؤية المصطفى عليه الصلاة والسلام في المنام"، والإمام العارف بالله أحمد بن سليمان الأروادي الخالدي النقشبندي (ت1275ه) في كتابه "مفرج الكروب، بالصلاة على النبي المحب المحبوب" صلى الله عليه وآله وسلم.. وغيرهم.
فمن ذلك: ما ذكره العلامة الفيروزآبادي (ت817ه) في كتابه "الصِّلَات والبُشَر، في الصلاة على خير البشر" (ص: 169-170، ط. سماح للنشر)؛ قال: [فمنها ما أخبرني العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الحسن، محدث مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشافهة، قال: نقل الإمام عمر بن علي اللخمي المالكي قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير: أنه ركب في مركب في البحر المالح، قال: وقامت علينا ريح تسمَّى "الإقلابية" قلَّ مَن ينجو منها من الغرق، فضجَّ الناس خوفًا من الغرق، قال: فغلبتني عيناي فنمتُ
فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: قل لأهل المركب يقولوا ألف مرة: اللهم صلِّ على سيدنا محمَّد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا عندك بها أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات، من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات. قال: فاستيقظتُ وأعلمتُ أهل المركب بالرؤيا، فصلينا نحو ثلاثمائة مرة، ففرَّج الله عنا، هذا أو قريبًا منه. قال أبو عبد الله: وأخبرني الشيخ الصالح الفقيه حسن بن علي بن سيد الكل المهلني الأسواني رحمه الله تعالى بهذه الصلاة، وقال: من قالها في كل مهم ونازلة ألف مرة فرج الله عنه وأدرك مرامه] اه.
الصلاة على النبي للشفاء من الأمراض
وقد اتفق العلماء على أنَّ من المواطنِ التي يُستحبُّ فيها الإكثارُ من الصلاة على النبي المختار الصلاةَ عليه عند الشدائدِ والنوازلِ وحلولِ الأوبئة؛ فإنَّ كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم هي من أعظم أسباب النجاة من الأوبئة والطاعون.
كما أنَّ الخلق مأمورون بالتضرُّع والدعاء عند نزول البأس والبلاء، بل جعل الله تعالى ترْكَ الدعاء حينئذ علامةً على قسوة القلب وتزيين الشيطان؛ فقال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 43]، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم أسباب استجابة الدعاء.
قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام" (ص: 484، ط. دار عالم الفوائد): [الموطن الحادي والعشرون من مواطنِ الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم: عند الهم والشدائدِ وطَلَبِ المغفرة] اه، وذكر حديثَ أُبَيٍّ رضي الله عنه.
وقد صنَّف في خصوص دفع الطاعون بالصلاة على النبي المأمون صلى الله عليه وآله وسلم الإمامُ الشاعرُ الأديب شهاب الدين أبو العباس بن أبي حَجَلة التلمساني الحنفي (ت776ه)، فصنَّف كتابَه الماتع "دفع النقمة في الصلاة على نبي الرحمة"، وذلك لما فشا الطاعون الحادث بالقاهرة وضواحيها، وعمَّ غالب نواحيها، في جمادى الآخرة سنة أربع وستين وسبعمائة (764ه)، حسبما جاء في مقدمة الكتاب، وقال فيه (ق: 3أ-3ب): [فلما كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغفر الذنوب السالفة، وتنجي يوم الآزفة، من الراجفة تتبعها الرادفة
وغير ذلك ممَّا يكونُ سببَ السلامة، وتنجي من أهوال يوم القيامة، وكان هول هذا الطاعون الحادث.. مما خلع القلوب، وألحق من صلاة الجنازة فرضَ الكفاية بالمندوب، لا نشاهد منه إلا أهوالًا نعجز عن نعتها.. ولم أرَ ما يدفع خَطْبه المهول، مثل الصلاة على الرسول؛ إذ هي سببُ النجاة، وأعظم وسيلة وجاه، تدفع التب، وتطفئ غضب الرب، فألفتُ في فضل الصلاة عليه هذا الكتاب، العظيم البركات، المنجي من الهلكات، وسميته: دفع النقمة في الصلاة على نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم، وشرف وكرم، فدونك كتابًا يطرب السمع، ويقول لأحزاب الذنوب: سيُهزَم الجمع، مما تحصل به الزلفى، وتفوز يمناك بالمكيال الأوفى] اه.
ثم قال (ق: 4ب-5ب): [فاتُّفِق أنه (يعني: الطاعون) حين خصصَ وعمَّ، وأسمع ناعيه رجب الأصم، اجتمعتُ بالشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن خطيب يبرود، فأجرينا ذكر الطاعون وسببه، وما يتعلق به، فأخبرني أنَّ بعض الصالحين أخبره أن كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدفعُ الطاعون، فتلقيت قوله بالقبول، وجعلت في كل حين أقوم وأقول: اللهم صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد، صلاةً تعصمنا بها من الأهوال والآفات، وتطهرنا بها من جميع السيئات.
ثم أشعت ذلك في القاهرة، وأخبرت به غالبَ أصحابي، فقال لي بعضهم حين أخبرته بذلك: يا مولانا والله الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدفعُ كلَّ بلاء: الطاعونَ وغيره. فقابلتُه بالتعظيم، ووقع كلامُه مني بوقع عظيم، ثم اجتمعتُ بالشيخ شمس الدين المذكور، وأخبرتُه بما أجراه الله تعالى على لسان هذا القائل، من الكلام الطائل، فقال: لقد أحسن في الكلام المشار إليه، ولو رأيتُه قَبَّلْتُ يديه. ثم بعد ذلك وقع بيني وبين بعض الفقهاء بحثٌ في كلام الرجل الصالح المتقدم، فأخذت في تقويته] اه.
ثم ذكر وجوهًا خمسة تدلُّ على ذلك:
علاج فيروس كورونا
[أحدها: حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه، قال: فهذا كاد يكون صريحًا في المسألة؛ لأن الهم يشمل الخوف من الطاعون وغيره.
الثاني: قصَّة الذي نجا من قطع يده، فقيل له: بم نجوت؟ فقال: بصلاتي على محمد مائة مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نَجَوْتَ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة». قال: وهذا أيضًا كاد يكون نصًّا في المسألة.
الوجه الثالث: الطاعون وإن كان في حق المؤمنين شهادةً ورحمةً، فإنه في الأصل رجز وعذاب، ولهذا لم يدخل المدينة، وقد ثبت في "الصحيحين" أنَّ مَن صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّة صلى الله عليه عشرًا، والصلاة من الله عز وجل الرحمة. والطاعون في الأصل كما تقدم عذاب. والرحمة والعذاب ضدانِ، والضدَّان لا يجتمعان.
الوجه الرابع: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ أَنْجَاكُمْ مِنْ أَهْوَالِهَا وَمَوَاطِنِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُكُمْ عَلَيَّ صَلَاةً فِي دَارِ الدُّنْيَا». فإذا كانت الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم تدفعُ أهوالَ يوم القيامة، فدفعُها الطاعونَ الذي هو أهونُ مِن باب أولى.
الوجه الخامس: ثبت في "الصحيحين" من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ المَدِينَةَ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ»، وسبب ذلك بركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن المعلوم أيضًا أنَّ الصلاة عليه عظيمةُ البركة، منجيةٌ من كل هلكة] اه ملخصًا.
ونقله الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852ه) في "بذل الماعون في فضل الطاعون" (ص: 333، ط. دار العاصمة) مقرًّا له؛ فقال: [ذكر الأديب شهاب الدين بن أبي حجلة في "جزء" له جمعه في الطاعون أنَّ بعض الصالحين ذكر له أنَّ من أعظمِ الأشياء الدافعةِ للطاعون وغيرِه من البلايا العظامِ كثرةَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه ذكر ذلك للشيخ شمس الدين بن خطيب يبرود فاستصوبه، واستدلَّ له بحديث أُبىِّ بن كعب رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أجعلُ لك نصف صلاتي؟ الحديث، وفي آخره: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ ذَنْبُكَ» أخرجه الحاكم وصحَّحه، وسنده قوي] اه.
وقال العلامة قطب الدين الخيضري الشافعي (ت894ه) في منظومته "اللؤلؤ المنَظَّم، في نظم مواطنِ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من اللواء المعلَّم":
وإنْ أردتَ كشْفَ هَمٍّ أوجعا .. أكثِرْ عليه مِن صلاةٍ في الدعا
يكفيك مولاك الذي أهَمَّكا .. ويكشفُ الرحمنُ ما أغمَّكا
مِن أمرِ دنياك وأمرِ الأخرى .. أنْعِمْ بهذه الصلاةِ ذُخْرَا
وإنْ أردتَ للذنوب مغفرهْ .. صلِّ عليه إنها مُكفِّرَهْ
وإنْ خشِيتَ الفقرَ أو مَنِ افتقرْ .. صلَّى وسلمَ انتفى عنه الضررْ
وعند ما يَعرضُ مِن حاجاتِ .. تُقضَى بإذن الله بالصلاةِ
ومَن أراد البُرْءَ مِن أيِّ مَرَضْ .. صلى لكي يرى الشفاءَ مِن عَرَضْ.
ونقله كذلك مُقِرًّا له العلامةُ ابن الأزرق الغرناطي (ت896ه) في "بدائع السلك في طبائع الملك" (2/ 76، ط. وزارة إعلام العراق)؛ حيث ذكر ثلاث وسائل في ذلك: الدعاء، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والصلاة، قال: [الوسيلة الثانية: كثرةُ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ذكر ذلك الشَّيْخُ شهاب الدين ابن أبي حجلة عن بعض الصالحين فاستدلَّ له وإن لم يرد به نص صريح بحديث أبي بن كَعْب رضي الله عنه.. وذكر أنه لما أَن أشاع ما بلغه من ذلك وأخبر به أَصحابَه، قال له بعضهم: الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدفع كل بلَاءٍ: الطاعون وغيره] اه.
ونقله أيضًا عن الشهاب ابن أبي حجلةَ مقرًّا له الحافظُ شمس الدين السخاوي (ت: 902ه) في "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 221)، وذكر الأوجه الخمسة، ووافقه على أولها، لكنه نازعه في سائرها.
فيروس كورونا
غير أن الإمام السيوطي (ت911ه) لم يرتضِ منازعته؛ فنقلها كلها مقرًّا لها في كتابه الذي اختصر فيه كتاب السخاوي "الحرز المنيع من القول البديع" (ص: 117-118، ط. المكتبة الجديدة)، وحذف تعقُّب السخاوي.
ونقله أيضًا الحافظ القسطلاني في "مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على المصطفى" (ص: 327-328، ط. دار الكتب العلمية)، فذكر من مواطنِ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عند وقوع الطاعون.
وقال العلامة ابن نُجيم الحنفي (ت970ه) في "ضبط أهل النقل في خبر الفصل في حق الطاعون والوباء" (ص: 8): [وذكر بعض الصالحين أنَّ مِن أعظمِ الأشياء الرافعة للطاعون وغيره من البلايا العظامِ كثرةَ الصلاةِ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم] اه.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي (ت974ه) في "الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود" (ص: 231، ط. دار المنهاج):
[الرابع والعشرون: عند الهمِّ والشدائدِ والكروب، ووقوع الطاعون، مرَّ فيه حديث في مبحث: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم سبب لكفاية المهمات في الدنيا والآخرة. ويُرْوَى: «مَنْ عَسُرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيُكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ عَليّ؛ فَإِنَّهَا تَحُلُّ الْعُقَدَ، وَتَكْشِفُ الْكُرَبَ».
قيل: ويدلُّ لرفعها الطاعون أنها من الله تعالى رحمة، وهو عذاب في الأصل، وإن كان رحمةً للمؤمنين، والرحمة والعذاب لا يجتمعان.
وأيضًا: مرَّ أنها تُنجي من أهوال يوم القيامة، فالطاعونُ الذي هو من أهوال الدنيا أولى.
وأيضًا: فالمدينة الشريفة معصومةٌ من دخوله كالدَّجال لها ببركته صلى الله عليه وآله وسلم، فكذا الصلاة عليه اه] اه.
وقال العلامة الحسين المغربي (ت1119ه) في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10/ 407، ط. دار هجر): [الرابع والعشرون: عند الهم والشدائد والكرب ووقوع الطاعون، وقد وردت أحاديثُ أنَّ الصلاة عليه سببٌ لكفاية مهمات الدنيا والآخرة] اه.
وقال العلامة إسماعيل حقي (ت1127ه) في "روح البيان" (1/ 164، ط. دار الفكر): [قال الشافعي رحمه الله: أنْفَس ما يُداوى به الطاعونُ التسبيحُ، ووجهُه: بأن الذكر يرفعُ العقوبة والعذاب. قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ [الصافات: 143]، وكذا كثرة الصلاة على النبي المحترم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم] اه.
وبناءً على ذلك: فالنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هو رحمةُ الله للعالمين؛ فهو سببُ وصولِ الخير ودفْع الشر والضر عن كل الخلق في الدنيا والآخرة، وكما أنه صلى الله عليه وآله وسلم شفيعُ الخلائقِ؛ فالصلاةُ عليه شفيعُ الدعاء؛ فبها يُستجاب الدعاء، ويُكشف الكرب والبلاء، وتُستنزَل الرحمة والعطاء، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم -وهو الصادق المصدوق- أنَّ الإكثار منها حتى تستغرق مجلس الذكر سببٌ لكفاية المرء كلَّ ما أهمه في الدنيا والآخرة، ووردت الآثارُ عن السلف والأئمَّة بأنها سببٌ لجلب الخير ودرء الضر، وعلى ذلك جرت الأمَّةُ المحمديةُ منذ العصر الأول، وتواتر عن العلماء أن عليها في ذلك المعول؛ حتى عدوا ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم المستمرَّة بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وتواترت في ذلك النقول والحكايات، وألفت فيه المصنفات، وتوارد العلماء على النص على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإكثار منها في أوقات الوباء والطاعون والأزمات؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو رحمة الله تعالى لكل الكائنات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.