في زمن اندثرت فيه ملامح المصداقية، واختلط الحابل بالنابل وانتشرت الشائعات وحملات التضليل، لم يكن غريبًا أن يتعرض الدكتور محمد البرادعي لحملة شرسة ما بين علماني كافر وزوج ابنته المسلمة لمسيحي وباع العراق لأمريكا. فالإسلاميون أنفسهم وظفوا آيات قرآنية لدعم مواقفهم حتى وإن لم تكن كذلك، وشنوا حربًا على البرادعي "زميل كفاح المعارضة سابقا" لمجرد إعلانه نيته خوض الانتخابات الرئاسية في 2012، وتناسوا جميعًا قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ". ويبدو أن أبناء التيار الإسلامي، نسوا كلمات الدكتور محمد البرادعي، عندما تسلم جائزة نوبل للسلام عام 2005 على منصة التتويج، قائلا: "أنا مسلم مصري"، حينها بكى "رئيس حزب الدستور" أمام كاميرات العالم لما يتعرض له الإسلام من حرب عنيفة وهجوم متواصل. وفي لقاء مع الإعلامي إبراهيم عيسي، على شاشات "الجزيرة"، قال "عيسي ل"البرادعي" مازحًا: "أراك تتقارب مع الإخوان كما تريد عودة العلاقات مع إيران رغم أنى أعرف أنك علماني مخلص للعلمانية"، إلا أن تلك الكلمات لم يستوعبها كثيرون، ليشاع بعدها أن البرادعي "كافر وعلماني"، مطلقين عليه "بابا العلمانية"، وخرج حينها أمين وكالة الطاقة الذرية متحدثًا عن نفسه بالقول "أنا ديمقراطي اشتراكي"، والديمقراطية الاشتراكية من مبادئها العدالة والحرية والمساواة وهي قيم إسلامية بالأساس. كما نشرت إحدى المجلات الألمانية، تصريحًا للدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية الأسبق، طالب البرادعي خلاله بالاعتذار عن التصريح الذي قال فيه "إن الدين ليس له أهمية في حياته، وأنه انزعج بشدة لأن والدته ارتدت الحجاب وظل يجادلها يوميا ليقنعها بخلعه، وذكر أيضا من خلال تصريحه أن الشريعة الإسلامية تهمش حقوق المرأة والأقليات الدينية"، ولكن ثبت أن ترجمة التصريح نقلت خطأ. بل إن البعض الآخر، قال عن الدكتور البرادعي إنه يريد إلغاء المادة الثانية من الدستور، وهي المادة الخاصة بالشريعة الإسلامية، وهو ما دفعهم لاتهامه بأنه يعادي الدين الإسلامي، ولكنه في لقاء مع منى الشاذلي تطرق إلى أن الدولة نفسها لا تدين بدين ولكن مواطنيها هم يدينون بهذا الدين. وفى إطار الهجوم المتواصل عليه، اتهمه الناقد الرياضي علاء صادق، بأنه يقف ضد الدين والشريعة ويدعم الفلول ويستهتر بالشعب المصري. وبعد إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين والجميع يترقب الحالة السياسية تردد اسم محمد البرادعي ليتولي منصب رئيس الحكومة، ولكن قوبل برفض تام من باقي التيارات الإسلامية، وخلال الساعات القليلة الماضية، قال الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور السلفي، إن البرادعي لا يصلح على الإطلاق لرئاسة الحكومة لأنه ضد المرجعية الإسلامية ومنفصل عن الشعب، كما أنه له دور كبير في أزمة العراق. أما الداعية السلفي الشيخ أحمد النقيب عضو الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، فقد شن هجوما على البرادعي، معتبرا إياه من مؤسسي سياسة دولية قامت على أسس غير شرعية، لأن الذين وضعوا أسسها كفرة تربوا على بغض الإسلام والمسلمين، كما اتهم البرادعي بأنه يعتنق الديانة البوذية ويدعو إلى إقامة معابد بوذية.