استعرضنا في الحلقة "12" من رواية المفكر ثروت الخرباوي، القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين؛ "زمكان"؛ حيرة البطل في قصة الموت، وعلاقتها بالحياة، موضحا أن الأشياء خلقت من عدم، مستطردا إلى التفكير في الله، متسائلا عن عقوبة ذلك، وهل تعد كفرا، وعقاب الكفر، لينتهى إلى أن التفكير لا يعاقب عليه الله، مادام أنه يخلص النية ويعبد الله ويؤمن به. "يمر الزمن ولكن الأطفال لا يشعرون به ، وكأنهم لا يكبرون أبدا ، ومع ذلك فكل أمنياتنا أن نكبر ونصبح مثل الكبار ، لنا شوارب ، ونلبس النظارات ، ونمسك الغليون مثل الأستاذ أسعد المدرس المجنون ، لماذا يرد الأستاذ أسعد على بالي ، ألإنه يمسك الغليون ويرتدي بدلة بيضاء وببيونة حمراء ، ولماذا يرتبط الغليون عندي بالأستاذ أسعد مع إن أبي وكل أصحابه يستعملونه في تدخين دخان "التوباكو" نعم هذا صحيح ولكن الأستاذ أسعد يتميز عن الجميع بشرب الهواء من غليون فارغ لا يوجد فيه دخان ، ولا يتم إشعاله بالولاعة أو الكبريت ، لذلك كنت أحيانا ما أمسك غليون أبي وأضعه في فمي وأنفخ فيه وهو فارغ من الدخان مثل الأستاذ أسعد بالضبط، وبهذا أكون مجنونا ، ينقصني فقط أن أرتدي البدلة البيضاء والببيونة الحمراء حتى يكتمل المشهد، ولكن ما الذي جعل الأستاذ أسعد مجنونا؟. يقولون إنه كان عبقريا ، مدرس رياضيات عبقري ، والعباقرة مجانين ، ويقولون إنه ضبط زوجته في وضع مخل مع أحد طلبته فأصابه الجنون، المهم أنه دخل مستشفي الأمراض العقلية بالخانكة عدة أشهر ثم فر منها وأخذ يظهر في أنشاص أحيانا ويختفي في أحايين كثيرة ، وكان عندما يظهر يتصرف بغرابة تجعلنا نخافه ، فقد كان يدخل المسجد ليصلي جماعة ، وفي نصف الصلاة كان يترك الصلاة ويقول بصوت مرتفع : أنتم لا تعرفون الصلاة ، أين أنتم من صلاة زمان وفاتحة زمان وقرآن زمان ، أتعتبرون هذه صلاة . وفي مرة أخرى دخل المسجد بعد صلاة الجماعة، فوقف يصلي منفردا ، فإذا بمجموعة من الفلاحين لا يعرفونه يدخلون للصلاة خلفه ، وفي منتصف الصلاة سلَّم وقال : أتموا صلاتكم فإن إمامكم كافر ، فوقع المصلون في حيرة ، ماذا يفعلون ، وخرجوا جميعهم من الصلاة وهم يلعنونه ، لولا أن أحد المتواجدين بالمسجد كان يعرفه فأخبرهم بحاله عن طريق الإشارة فسكتوا عنه ، وإلا لكانوا قد فتكوا له . السؤال الذي كان يحيرني وقتها : هل الأستاذ أسعد المجنون يعتبر كافرا كما يقول عن نفسه ؟ هو مجنون ، والمجنون لا عقل له ، طيب لو كان واحد من الناس غبيا ولم يفهم معنى الدين ، والإسلام ، وان الله هو الذي خلقنا ، فهل يعتبر كافرا ؟ وبنفس الطريقة لو أن المؤمن الحقيقي لم يستطع شرح معنى الإيمان بالله لواحد كافر ، والكافر بالتالي لم يقتنع ، فهل هذا كافر حقيقي وسيعذبه الله ؟ هذا ليس عدلا ، ربنا هو الذي خلق عقولنا ، وعقولنا التي خلقها لنا الله لم تفهم ، ثم يعذبنا الله لأنه خلق لنا عقولا لا تفهم ! أين العدل إذن ؟ إذا كان الموضوع بهذا الشكل فإن الله غير عادل . ياللمصيبة ، سأعود للتخريف مرة أخرى ... ولكن هذا ليس تخريفا ، هذا مجرد تفكير ، وربنا لا يحاسبنا على التفكير لأنه عادل .... يالله ، ما هذا التناقض! هذه موضوعات يجب أن أغلق عليها عقلي بالضبة والمفتاح ، الشيطان هو الذي يوسوس لي بها ، فإذا جاءت على خاطري سأقرأ " قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس " . ولكن كيف أقنع عقلي بالسكوت وعدم التفكير ؟ عقلي يؤلمني جدا بهذه الأشياء ، ولكن تمهل يا عبد الله ، أنا ما زلت صغيرا ، لم أكبر بما فيه الكفاية . ولكن الكبار أنفسهم ليست لديهم إجابات لكثير من أسئلتي . اصمت ، لا تفكر . وكيف أصمت ؟ اقرأ القصص الجميلة المسلية . عندما أقرأ مجلة ميكي تزيد الأسئلة في ذهني ، فكل الشخصيات التي في ميكي لا تموت ، وتظل في نفس العمر لا تكبر أبدا ، سوسو ، ولولو ، وتوتو ، يظلون صغارا طول الوقت، وميكي وبندق وبطوط يظلون كبارا ، وعم دهب والجدة بطة يظلون جدودا ، ثم أن كل الشخصيات لا تتغير ، الطيب يظل طيبا ، والشرير يظل شريرا ، والساحرة تظل ساحرة ، عندما أبدأ في كل قصة من ميكي أعرف نهايتها من البداية لأنه لا جديد ، فلماذا في ميكي لا يمر الزمن على الناس ؟ وما هو الزمن ؟ ولماذا نكبر ؟ لماذا لا نظل كما نحن مثل شخصيات ميكي ؟ . ما بال هذا الطفل النكد الذي يفكر في أشياء غريبة ، لماذا لا يفكر مثل باقي الأطفال ، وما الذي حرك عقله ناحية هذه الأشياء ، وكيف يفكر بهذه الطريقة ؟ . يبدو أن هذا كله كان تجهيزا له حتى يستقبل في قابل الأيام سرا رهيبا يعجز العقل البشري عن تصديقه، ولكنه حدث .