الإعادة على مقعد واحد، نتائج الحصر العددي لانتخابات الإعادة بالدائرة الأولى بالفيوم    من 19 إلى 30، إدارة ترامب تخطط لزيادة الدول المشمولة ب"حظر السفر"    ضمن «صحّح مفاهيمك».. أوقاف المنيا تنظّم ندوة بعنوان «احترام الكبير»    شوقي حامد يكتب: غياب العدالة    وجوه بائسة وغيبوبة من الصدمة، شاهد ما حدث في لقاء محافظ الدقهلية أصحاب محال "سوق الخواجات"    آداب سماع القرآن الكريم.. الأزهر للفتوي يوضح    ما حكم إخراج الزكاة لتوفير فرص العمل للشباب.. الإفتاء تجيب    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة قبيا غرب رام الله بالضفة الغربية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    عصام عطية يكتب: الأ سطورة    وزير الأوقاف ينعي شقيق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم    الأنبا رافائيل يدشن مذبح «أبي سيفين» بكنيسة «العذراء» بالفجالة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    عاجل- أكسيوس: ترامب يعتزم إعلان الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة قبل أعياد الميلاد    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    "الأوقاف" تكشف تفاصيل إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية للممتلكات التابعة لها    وست هام يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في البريميرليج    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    نتائج االلجنة الفرعية رقم 1 في إمبابة بانتخابات مجلس النواب 2025    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    وزير الكهرباء: رفع كفاءة الطاقة مفتاح تسريع مسار الاستدامة ودعم الاقتصاد الوطني    إعلان القاهرة الوزاري 2025.. خريطة طريق متوسطية لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأزرق    غرفة التطوير العقاري: الملكية الجزئية استثمار جديد يخدم محدودي ومتوسطي الدخل    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    البابا تواضروس الثاني يشهد تخريج دفعة جديدة من معهد المشورة بالمعادي    محطة شرق قنا تدخل الخدمة بجهد 500 ك.ف    قفزة عشرينية ل الحضري، منتخب مصر يخوض مرانه الأساسي استعدادا لمواجهة الإمارات في كأس العرب (صور)    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    العزبي: حقول النفط السورية وراء إصرار إسرائيل على إقامة منطقة عازلة    رئيس مصلحة الجمارك: ننفذ أكبر عملية تطوير شاملة للجمارك المصرية    انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه اليوم لمدة 12 ساعة    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    أحمد سالم: مصر تشهد الانتخابات البرلمانية "الأطول" في تاريخها    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    محمد إبراهيم: مشوفتش لاعيبة بتشرب شيشة فى الزمالك.. والمحترفون دون المستوى    مصدر بمجلس الزمالك: لا نية للاستقالة ومن يستطيع تحمل المسئولية يتفضل    كيف يقانل حزب النور لاستعادة حضوره على خريطة البرلمان المقبل؟    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    أخبار × 24 ساعة.. وزارة العمل تعلن عن 360 فرصة عمل جديدة فى الجيزة    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    ترامب يعلن التوصل لاتفاقيات جديدة بين الكونغو ورواندا للتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراع    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم الشرع في ظاهرة صلاة الفريضة جماعة بالمسجد على الكرسي
نشر في فيتو يوم 25 - 01 - 2021

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه " حكم الشرع في ظاهرة صلاة الفريضة جماعة في المسجد على الكرسي؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
القيام ركنٌ في صلاة الفريضة لمن يقدر عليه؛ لقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]. فإذا لم يستطع المصلي القيامَ أو شقَّ عليه مشقَّةً شديدةً جاز له الصلاة قاعدًا، وكذلك الحال في حقِّ الصحيح في صلاة النافلة مع نقص أجرها بالنسبة له، وسواءٌ جلس القاعد على الأرض أم جلس على شيء مرتفع عنها، فكل ذلك جائزٌ له شرعًا؛ إذْ إنَّ الشرعَ الشريف لم يفرِّق في هذا المقام بين الجلوس على الأرض والجلوسِ على شيءٍ مرتفعٍ عنها، والقعودُ في الصلاة لمن يُرَخَّصُ له فيه يستوي فيه الأمرانِ، ولم يَقُل بالتفريق بينهما أحدٌ من علماء المسلمين على مرِّ العصور والدهور.
والحديث المبيح للصلاة حال القعود -لمن له عذرٌ مطلقًا، أو لمن ليس له عذرٌ في صلاة النافلة- هو حديثٌ صحيح، أخرجه البخاري في "صحيحه" عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ».
فإباحة القعود للمُصَلِّي جاءت مطلقةً في الحديث النبوي الشريف، والمطلق يحتمل كل الأحوال والهيئات، فلا يجوز تخصيصه بحالٍ دون حال إلا بدليلٍ شرعيٍّ، والقعودُ في اللغة يكون عن قيام، وليس من ماهيته أن يكون على الأرض؛ قال العلامة اللغوي أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا في معجم "مقاييس اللغة" (مادة: جلس): [إِذَا كَانَ قَائِمًا كَانَتِ الْحَالُ الَّتِي تُخَالِفُهَا الْقُعُودَ] اه.
ولفظ القَعود يستخدم وضعًا في لغة العرب اسمًا للمركوب عليه من الإبل على وجه التعيين، والجِلْسة عليه لا تختلف في هيئتها عن جِلْسة الكرسي؛ قال العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين (مادة: قعد): [والقُعْدَةُ: ما يَقْتَعِدُهُ الرجُلُ من الدَّوابِّ للرُّكُوِبِ خاصة. والقَعُود والقَعُودَةُ من الإبلِ: ما يَقْتَعِدُها الراعي فَيْركَبُها ويَحْمِلُ عليها زاده. ويُجْمَعُ على القِعْدانِ] اه.
ولقد أباح الشرع الشريف الصلاة بالقعود على الراحلة في نفس موضع إباحة صلاة القاعد، وهو التنفُّل مطلقًا، فهذا قعودٌ وهذا قعود، ولا فرق بينهما؛ فقد أخرج البخاري في "صحيحه" عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ".
وأخرج عَنْ نَافِعٍ قَالَ: "وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ".
وأخرج عن عَامِر بْن رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ".
وأخرج مسلم في "صحيحه" عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ".
ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 574، ط. دار المعرفة) قول ابن التين: [قوله: "حيث توجهت به" مفهومُه أنه يجلس عليها على هيئته التي يركبها عليها، ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة] اه.
وقال العلامة بدر الدين العيني في "شرح سنن أبي داود" (5/ 92-93، ط. مكتبة الرشد): [وقال صاحب "المحيط": الصلاة على الراحلة أنواعٌ ثلاثة: فريضة، وواجب، وتطوُّع، أما الفرض لا يجوز على الدابة إلا من ضرورة، وهو تعذُّر النزول لخوف زيادة مرض، أو خوف العدو والسبع، فيجوز أن يصلي على الراحلة خارج المصر إيماءً، ويجعل السجود أخفضَ من الركوع
وكذلك الصلاة الواجبة؛ كصلاة الجنازة، والتطوُّع الذي وجب قضاؤه بالإفساد، وكالوتر عند أبي حنيفة، وكذلك الصلاة المنذورة، ... وأما التطوع فيجوز على الدابة خارج المصر مسافرًا كان أو مقيمًا، يومئ حيثما توجهت الدابة، ولا يمنعه نجاسة السرج والركابين، ونجاسة الدابة مطلقًا، وأما المصر فلا يجوز فيه عند أبي حنيفة، وعند محمد يجوز ويكره، وعند أبي يوسف يجوز ولا يكره، وبه قال أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي، وهو محكيٌّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه] اه.
والهيئة التي يتحقق بها القعود هي قيام النصف الأعلى من الإنسان، فإن الفرق بين القيام والقعود في الصلاة أن القيام المطلق إنما يكون باستواء الشق الأعلى والأسفل، والشق الأعلى أصل؛ لأن الآدمي لا يعيش إلا به، والشق الأسفل تبع؛ لأنه يعيش بدونه، ولذا تكون صلاة التطوع مشروعةً عند قيام النصف الأعلى فقط وهو هيئة القعود، فإذا صلى الشخص قاعدًا فقد صلى؛ لتحقُّق قيام النصف الأعلى -كما في الصلاة على الراحلة- وهو الشرط، فأجزأه.
صرَّح بهذا الفرق العلامة أبو المعالي برهان الدين البخاري الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (1/ 296، ط. دار الكتب العلمية) وهو يذكر وجه مشروعية تكبيرة الإحرام للمصلي قاعدًا حال قعوده، مع أن الأصل فيها اشتراطُ القيام لها. ولقد فهم العلماء هذا المعنى بداهةً؛ فإن وصف القعود صدق على المصلي القاعد على الراحلة كما صدق على المصلي القاعد على الأرض، وهو يصدق على المصلي القاعد على الكرسي.
ولذلك فإن كبار فقهاء المذاهب المتبوعة نصُّوا على إباحة القعود في الصلاة في مواضعه على أيِّة هيئةٍ كانت، ما دام قد تحقق القعود في أصله، وهو مذهب السادة الحنفية، وعلَّلوا ذلك بأنه لما جاز للمُصَلِّي تركُ أصل القيام فترك صفة القعود أولى، وبأن العذر يُسقط عنه الأركان، فلأن تسقط عنه الهيئات أولى.
قال العلامة شمس الأئمة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 210، ط. دار المعرفة): [والمصلي قاعدًا تطوعًا أو فريضةً بعذر يتربع ويقعد كيف شاء من غير كراهة؛ إن شاء محتبيًا، وإن شاء متربعًا؛ لأنه لما جاز له تَرْكُ أصل القيام فَتَرْكُ صفة القعود أولى] اه.
وقال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 637، ط. دار الكتب العلمية): [قلت: قال صاحب "الدراية" و"التحفة": اختلفت الروايات عن أصحابنا في أنه كيف يقعد، فروى محمد عن أبي حنيفة أنه يجلس كيفما شاء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا افتتح الصلاة يتربع، وإذا ركع يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها، وعن أبي يوسف أنه يتربع في جميع صلاته، وعن زفر رَحِمَهُ اللَّهُ أنه يفترش رجله اليسرى في جميع صلواته، والصحيح رواية محمد؛ لأن عذر المرض يسقط عنه الأركان، فلأن تسقط عنه الهيئات أولى] اه.
وقال الشيخ شهاب الدين الشِّلبي في "حاشيته على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 176، ط. المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق): [ووجه مَن قال يجلس كيف شاء؛ لأنه لما سقط القيام سقطت هيئته] اه.
وقرَّر ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (2/ 586، ط. دار المعرفة) ونسبه إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه، فقال: [لم يبين كيفية القعود، فيؤخذ من إطلاقه جوازُه على أي صفة شاء المصلي، وهو قضية كلام الشافعي في "البويطي"] اه.
وقال الإمام أبو زكريا محيي الدين النووي الشافعي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 15، ط. دار إحياء التراث العربي): [وكيف قعد جاز، لكن الخلاف في الأفضل] اه.
وعدم ثبوت استعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للكرسي أثناء الصلاة في مرضه ليس دليلًا على حرمة استعماله في هذا الموضع؛ لأن الترك المطلق لم يكن أبدًا دليلًا على الحرمة؛ إذ الدليل باقٍ على إطلاقه كما تقدَّم، وليس فعلُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإحدى هيئات المطلق أو بعض أفراد العامِّ بمقيِّد للمطلق أو بمخصِّص للعامِّ، والحرمةُ تحتاج إلى دليلٍ شرعيٍّ يُثْبِتُها، وكم من شيءٍ تَرَكَه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مباحٌ في أصله، وإنما كانوا قديمًا يُصَلُّون قعودًا على الأرض؛ لاعتيادهم ذلك
ولأنه الهيئة الرافعة لمشقة القيام عندهم المريحة لأجسادهم، فطبقوا الرخصة على ما اعتادوه من الجلوس، وكما لم تكن هيئة الجلوس على الراحلة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة النافلة تخصيصًا لهيئات الجلوس الجائزة، فكذلك لا يكون جلوسُه على الأرض مانعًا من الجلوس على الكرسي، كما أن القعود على الراحلة يشبه في هيئتِه القعودَ على الكرسي.
وأما ما ذُكِر في السؤال مِن تعليل تحريم الصلاة على الكرسي بأنها تمنع من السجود على الأرض الذي يجب على المُصَلِّي ولا يسقط عنه، فهو تعليلٌ عليلٌ؛ لأن الصلاة على الكرسي لا تعني عدم السجود؛ فهما غير متلازمين؛ إذ يمكن للمصلي قاعدًا على الكرسي أن يسجد على الأرض كما يمكن ذلك للمصلي جالسًا على الأرض، وقد تقرَّر في قواعد الفقه أن "الميسور لا يسقط بالمعسور"؛ فمن استطاع أداء الركن على هيئته العليا المفروضة لم يكن له أن يعدل عنها إلى هيئة أقلَّ منها؛ فإذا لم يستطع الإنسان أن يسجد على الأرض فله أن يومئ بدلًا من السجود، سواءٌ في ذلك جلوسُه على الأرض وعلى الكرسي
أمَّا من كان جلوسُه على الكرسي يمنعه من السجود الذي كان يستطيعه لو جلس على الأرض، فإنه يجب عليه حينئذٍ أن يصلي جالسًا على الأرض لإتمام هيئة السجود، وصلاته على الكرسي حينئذٍ حرامٌ، فإن كان جلوسه على الأرض يؤذيه ويضره فلا حرج عليه شرعًا أن يومئ للركوع والسجود وهو جالسٌ على الكرسي؛ فالأصل في الشريعة الغرَّاء رفعُ الحرج عن المكلَّفين، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا﴾ [البقرة: 286].
وقد أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 434، ط. دار الكتب العلمية) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَادَ مَرِيضًا، فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ، فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ، وَقَالَ: «صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَإِلَّا فَأَوْمِ إِيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ»، وفي رواية: «صَلِّ بِالْأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ».
وأخرج في موضعٍ آخر (2/ 435) عن عَبْد اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنه كان يقول: "إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَرِيضُ السُّجُودَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً، وَلَمْ يَرْفَعْ إِلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا".
قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 300، ط. دار الحديث): [الحديث دليلٌ على أنه لا يتخذ المريض ما يسجد عليه حيث تعذَّر سجوده على الأرض، وقد أرشده إلى أنه يفصل بين ركوعه وسجوده، ويجعل سجوده أخفضَ من ركوعه
فإن تعذَّر عليه القيامُ والركوعُ فإنه يومئُ من قعود لهما جاعلًا الإيماءَ بالسجود أخفضَ من الركوع، أو لم يتعذَّر عليه القيام، فإنه يومئ للركوع من قيام، ثم يقعد ويومئ للسجود من قعود، وقيل في هذه الصورة يومئ لهما من قيام يقعد للتشهد، وقيل يومئ لهما كليهما من القعود، ويقوم للقراءة، وقيل: يسقط عنه القيام ويصلي قاعدًا، فإن صلَّى قائمًا جاز، وإن تعذَّر عليه القعود أومأ لهما من قيام] اه.
وروى الإمام محمد بن الحسن في "موطئه" كما في "التعليق الممجد على موطأ محمد" (2/ 40، ط. دار القلم) عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: [إِذَا لَمْ يستطع المريض السجود أومى برأسه. قال محمد: وبهذا نأخذ، ولا ينبغي له أن يسجد على عود ولا شيء يرفع إليه، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله] اه.
والقاعدة في صلاة الفريضة أنه يُؤتَى فيها بالهيئة المأمور بها شرعًا حتى وإن اشتملت على مشقة محتملة، فإن كانت المشقة غيرَ محتملةٍ فإنه يُؤتَى بالهيئة الأدنى منها، وذلك في كل ركنٍ من أركان الصلاة.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الأم" (1/ 100، ط. دار المعرفة): [وكل حال أمرتُه فيها أن يصلي كما يطيق فإذا أصابها ببعض المشقة المحتملة لم يكن له أن يصلي إلا كما فرض الله عليه، إذا أطاق القيام ببعض المشقة قام فأتى ببعض ما عليه في القيام من قراءة أم القرآن، وأُحِبُّ أن يزيد معها شيئًا، وإنما آمُرُه بالقعود إذا كانت المشقة عليه غيرَ محتملةٍ، أو كان لا يقدر على القيام بحال، وهكذا هذا في الركوع والسجود لا يختلف] اه.
والمشقة المحتملة هي ما يستطيع معه المكلَّف أن يؤدِّي صلاة الفريضة محافظًا على المقصود منها، وهو الخشوع، صرَّح بذلك الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 310، ط. دار الفكر) فقال: [قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبَرُ المشقةُ الظاهرةُ، فإذا خاف مشقةً شديدةً أو زيادةَ مرضٍ أو نحو ذلك أو خاف راكبُ السفينةِ الغرقَ أو دورانَ الرأس صلى قاعدًا ولا إعادة، وقال إمام الحرمين في باب التيمم: الذي أراه في ضبط العجز أن يلحقه بالقيام مشقةٌ تُذهب خشوعَه؛ لأن الخشوع مقصود الصلاة] اه. وعند فَقْدِ هذه الاستطاعة في الهيئة العليا فإن المكلف ينتقل إلى الهيئة الأدنى منها مباشرةً؛ ليتحقق أجر أداء الفرض كاملًا في حقه من غير أن ينقص منه شيء.
على أن المتطوع بالصلاة قاعدًا بلا عذر له من الأجر نصفُ مَا للقائم، فلقد أخرج البخاري عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما -وَكَانَ مَبْسُورًا- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: «إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ».
وأخرج ضياء الدين المقدسي في "المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما" (7/ 196، ط. دار خضر) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مَحَمَّةٌ فَحُمَّ النَّاسُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ قُعُودًا فَقَالَ: «صَلَاةُ الْقَاعِدِ نِصْفُ صَلَاةِ الْقَائِمِ» فَتَجَشَّمَ النَّاسُ للصَّلَاة قيَامًا.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 15): [وإن صلى الفرض قاعدًا لعجزه عن القيام، أو مضطجعًا لعجزه عن القيام والقعود، فثوابُه كثوابه قائمًا لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على مَن صلى النفل قاعدًا مع قدرته على القيام. هذا تفصيل مذهبنا، وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث، وحكاه القاضي عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون] اه.
وبناءً على ما سبق: فإن الصلاة بالقعود على الكرسي لها نفس أحكام الصلاة بالقعود على الأرض بلا فرق؛ حيث لم يأتِ في الشرع تخصيصٌ للقعود بكونه على الأرض، ولا جاء هذا عن أحدٍ من علماء المسلمين، وليس في الشرع ما يتعارض معه، وتضييقُ الواسع ابتداعٌ في الشرع ما أنزل الله به من سلطان.
وعلى من ابتُلي بهذا أن يبذل الوُسع في الأكمل لصلاته، وأن يراعيَ ما يستطيع أداءه من هيئتي الركوع والسجود على ما ذكرنا؛ بحيث إن الصلاة على الكرسي تحرم عليه إن كانت تمنعه من السجود الذي يستطيعه إذا جلس على الأرض، كما ينبغي أن يُراعَى في ذلك استواءُ الصفوف بحيث يُجعَل لأصحاب الكراسي صفٌّ مستقل أو مواضعُ محددةٌ على طرفي الصف، وأن يكون حجم الكراسيِّ متناسبًا مع مساحة المسجد والمسافة بين الصفوف، مما لا يضيِّق على المصلين صلاتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.