حمدت الله على أنني ولدت فى السبعينات فتربيت فى كنف شعب مصرى طيب كان فى الجيران أهل وأقارب بدون تصاهر أو قرابة واستمر الحال فى حقبة الثمانينات، ثم أتت لنا رياح التعصب والتخلف والمذهبية من دول ذهب المصريون ليكتسبوا منها أموالا فرجعوا بمعاول هدم للتسامح المصرى والرقى الحضارى. لم نجن سوى ملابس بيضاء قصيرة لأشباه الرجال ولحى طويلة حسبوها غاية الدين! لم يفرقوا بين العادات الصحراوية وصحيح الدين ومغزاه، اعتنقوا عادات قوم طبيعتهم الخشنة ملائمة لبيئتهم الطبيعية فقوضوا تسامح شعب تغنى بالورود وعشق الحياة التى اكتسبها مع ماء النيل . مزجوا الحالة السوداوية التى سكنت عقولهم بلون الحياة واعتبروا الأنثى رمزا للشيطان وجب ستره كله بالسواد حتى لا يثير غرائزهم البهيمية، احتقروا إنسانيتهم وتدنوا بها فتدنوا بكل قيم الجمال والرقى والإنسانية . ثم كانت مرحلة التسعينات وخطيئة مبارك وحكوماته المتعاقبة فى نهايتها برفع يد الدولة عن رعاية الشعب فشعر المواطن بأنه ابن نفسه بعد بيع القطاع العام وتركه فريسة لليمين الاقتصادى الذى يُشييء كافة ما يحيط به حتى الإنسان ! تصارع اليمين الاقتصادى على إنهاك المواطن بالفقر والعوز والتسابق اليومى لتلبية حاجياته الأساسية فلم يجد المصرى البسيط مخرجا له سوى الارتماء فى حضن الدين ولكن للأسف لم يدرك أن الدين صار هو الاآخر سلعة عليها مسحة قداسه وتمايز شكلى تُباع ويُضارب بها من قبل تجار الدين الجدد ! وقع المواطن المصرى ضحية بين كتلتين قاسيتين من اليمين، اليمين الدينى المتطرف والذى يلبى له حاجة يومية تنسيه عناء الدنيا وتخدره إن صحبها وأطاعها بحلم الفردوس الأعلى الذين حرموه منه فى الدنيا! لم يتفكر هذا المواطن المغيب المقهور فى أن شيوخه هؤلاء يحيون فردوس الدنيا وسط نساءهم الأربع وفى قصور تجرى من تحتها أنهار الكومباوند السكنى أو بورتو كذا وكذا. تحالف اليمين الاقتصادى مع الدينى مع الحاكم فتآمروا عليه بإخضاعه لسطوة رأس المال مُرهبا إياه بطاعته وطاعة ولى أمره حتى وإن أخذ ماله وجلد ظهره واغتصب حقوقه! وإلا فالنار مثوى له، لم يعرف أن النار يصلاها يوميا منذ بدأ صباحه بانتهاك أدميته فى المواصلات والعمل وحتى نومه من شدة القهر والمرض والفقر، حولوا الدين من نور على نور إلى نار فوق نار ! سعت تلك النار لالتهام ما يشعلها أكثر، فلم تجد سوى المواطن نفسه الفقير الضعيف الذى يرى فضائيات التجارة بالدين تشعل فيه تلك الرغبة وتتعايش عليه وعلى أمواله وتحمسه مذهبيا وطائفيا وتسرى عنه بأن يخرج معاناته من ظلم الحاكم وأعوانه فى فقراء وضعفاء مثله لكنهم يخالفونه التعصب المذهبى. تم تأمين الحاكم ورجل المال وتاجر الدين حليفهم بتناحر الضعفاء حتى وصلنا فى عهد الجماعة الطائفية إلى كارثة زاوية أبو مسلم ! إن استمر هذا الغثاء وتلك الفاشية فالقتل سيكون بعد ذلك على الملبس لا الهوية، من لا يلبس زيهم ويتدثر بتخلفهم وعاهاتهم النفسية سيسحل ويقتل لأتفه سبب، رحمنا الله.