لعقود، عاشت موسيقى "كناوة" الصوفية لحنا مغمورا في أزقة مدينة الصويرة (جنوب المغرب) ودروبها العتيقة، وبعد عقد من الزمان أو يزيد، جعل منها "مهرجان كناوة.. موسيقى العالم"، الذي تحتضنه المدينة، موسيقى عالمية، تنافس موسيقى الجاز وتصطف في خانة الإيقاعات الروحية لشعوب العالم، تحكي قصة الأفريقي القادم من جنوب الصحراء مهاجرا وخادما في قصور السلاطين، ومستوطنا للبلد الجديد، بل ومساهما في صياغة ثقافته. يكفي أن تتعالى صيحات "المعلم الكناوي" (قائد الفرقة) في سماء مدينة الصويرة لتروي أنغامه، وأغانيه الصوفية "رحلة الرق" وبعضا من معاناتها، وحكاية تعايش العربي والإفريقي المسلم على أرض المغرب، وتعيد إلى الذاكرة صخب الاحتفالات في القبائل الأفريقية القديمة، مصحوبا بآلة الهجهوج (آلة وترية مغربية). فعلى مدى 3 أيام، مطلع الأسبوع الجاري، استضافت مدينة الصويرة (نحو 400 كلم جنوبالرباط) فرقا موسيقية للفن الكناوي من كل أنحاء المغرب وأخرى قادمة من بلدان أفريقية ومن أمريكا، في إطار الدورة السادسة عشر ل"مهرجان كناوة.. موسيقى العالم "، والتي تعتبر بحسب مهتمين حدثا يتجاوز البعد الاحتفالي الفلكلوري إلى الكشف عن وجه آخر لطبيعة بلدان المغرب العربي بعمقها الإفريقي وامتداداته الثقافية والحضارية. ويستمد مهرجان كناوة الذي يقام كل سنة بالمدينة، برعاية العاهل المغربي محمد السادس، من كل هذا الزخم الثقافي الذي تعبر عنه هذه الموسيقى الروحية، الأهمية التي أضحى يكتسيها والاهتمام الإعلامي والثقافي الذي يسلط عليه، فبالإضافة إلى فرق كناوة المحلية تقدم عروض يشارك فيها فنانون عالميون يؤدون مقاطع من فن الجاز الذي يتقاطع، في منشئه التاريخي عن الاستعباد والتهميش ومعاناة الزنوج بأمريكا وأوربا، مع موسيقى كناوة، فتلتقي على خشبة واحدة وعلى إيقاع أنغام واحدة رواية إنسانية اختار أصحابها أن يكتبوها بالموسيقى.