شكلت العلاقات التاريخية بين مصر وسوريا، إحدى الركائز الرئيسية للسياسة العربية لزمن طويل، حيث كانت الدولتان بمثابة مرجعية سياسية للعالم العربي منذ بواكير المشروع القومي العربي. تلك العلاقات التي تعززت بصعود الرئيس جمال عبد الناصر إلى سدة الحكم في مصر بعد ثورة يوليو 1952، وقبل التوجه إلى إعلان الوحدة بين البلدين في ستينيات القرن الماضي ليتوقف قطار العلاقات المصرية السورية عند محطة حكم الإخوان بعد إعلان الرئيس مرسي قطع العلاقات تمامًا مع سوريا وإغلاق مقر السفارة السورية في القاهرة وسحب القائم بأعمال السفير المصري في دمشق. ففي التاريخ القريب لبت سوريا نداء الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لمقاومة "الحلفاء"، وشكلت مع مصر القوة العاتية التي أسقطت حلف بغداد، ومارست الدول القريبة بقيادة الولاياتالمتحدة ضغوطًا شديدة على سوريا، بسبب موقفها من حلف بغداد وعلاقتها بالاتحاد السوفيتي، ووقفت مصر ناصرة ومؤيدة، واستحال العدوان العسكري، لكن الضغوط السياسية والاقتصادية استمرت ولم يكن الحكم المدني مستقرا في دمشق ولاحت المخاوف من العودة إلى مسلسل الانقلابات العسكرية التي بدأها حسني الزعيم في عام 1949. ولعل غرق كبار قادة الجيش في خلافات وتخوفهم من الصدام، دفعهم بالزحف نحو مصر كى تحمي سوريا وتحميهم من أنفسهم، وبالفعل أجمعوا على أن يذهبوا إلى القاهرة طالبين الوحدة معها، وطلب منهم جمال عبد الناصر الترتيب حتى تتضح الظروف، وأمام الإلحاح على أهمية دور مصر وجمال عبد الناصر في درء المخاطر المخيفة عن سوريا قامت الوحدة بين البلدين. وعندما تدخلت الولاياتالمتحدة في الأزمة التي أشعلها في لبنان الرئيس كميل شمعون، بإعلانه الرغبة في ولاية رئاسية ثانية في 1958، وحركت قطعا من الأسطول السادس قرب الحدود اللبنانية في البحر المتوسط تحركت الجمهورية العربية المتحدة ونجحت في حشد التأييد الدولي - خصوصا تأييد الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية - لمنع العدوان الأمريكي وظهرت بصمة الجمهورية العربية المتحدة في اتفاق اللبنانيين على إنهاء الأزمة وانتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية، واشتدت المؤامرة ونجحت المخابرات السعودية والأردنية بدعم غربي في تدمير الانفصال، وفتح الانفصاليون حنفية الدم وعاد شبح الانقلابات يخيم على أجواء سوريا. حينها رد القوميون على الانفصال بانقلاب ثان أعقبه انقلاب ثالث ووضع الحكم في يد حزب البعث وحده، وأخذ الحزب على مسئوليته يقود انفصال سوريا عن مصر، لكن رجاله راحوا يتباعدون في الطريق، يمين يمثله القادة التقليديون يسندهم كبار ضباط الجيش بزعامة اللواء أمين الحافظ رئيس الجمهورية، ويسار يتبلور وسط الضباط الشباب والمثقفين الذين أعياهم البحث في صحراء الجدب الفكري للحزب فاستسهلوا الطريق إلى الماركسية مستعيرين شعاراتها غافلين عن جوهرها، ثم قام انقلاب رابع أزاح أهل اليمين وخص بالسلطة قادة اليسار. هذا اليسار الذي عق آباءه، كان قد رضع منهم الخصومة مع مصر والحقد على جمال عبدالناصر فتابع مسيرة الشقاق والافتراق عن حصن العروبة، وكان أمين الحافظ قد حاول جر العرب إلى حرب مع إسرائيل في 1964، هدفها الأول توريط مصر لأن العرب لم يكونوا مستعدين لها ولا جاهزين بأدواتها، لكن اليسار بقيادة «صلاح جديد» استطاع المساهمة في استدراج مصر إلى مواجهة مع إسرائيل أسفرت عن كارثة 5 يونيو 1967، وإن كان في القول بالاستدراج نوع من المزايدة لأن مصر كانت مطلوبة، وكذلك جمال عبدالناصر، ولملمت مصر جراحها وأعادت بناء جيشها بطاقة هائلة وفي لهيب حرب استنزاف طويلة. وبينما كان يستعد للحرب الفاصلة في ربيع 1971، مات جمال عبدالناصر وجاء عهد محمد أنور السادات ولم يلبث حافظ الأسد أن أطاح برفاقه وكان هذا الضابط الشاب يتسامى عليهم ويترفع عن حفائرهم، حيث كان أكثر وعيا وأصلب إرادة وأصدق وطنية وإيمانا بالعروبة. جدير بالذكر أن "عبدالناصر" ظل حريصا على ضرورة فتح جبهة في الشرق أثناء الحرب، وحاول طويلا مع حكام دمشق ووصل إلى قناعة صارح بها حلفاءه السوفيت أن مصر ستحارب لوحدها، ذلك أن حافظ الأسد وقد استوى على كرسي السلطة في دمشق أخذ يعد سوريا للحرب في وقت استرخى السادات وذهب يستجدي الحل السلمي من واشنطن، ولأجل هذا قدم قرابين للأمريكيين فطرد الخبراء السوفيت، ونظم استقبالا حافلا للرئيس نيكسون. راهن السادات على هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي، ثم وزير الخارجية الأمريكية، وأقنعه كيسنجر بأنه لا يقترب من الأزمات إلا إذا كانت ساخنة، وبدون ذلك فهو لا يضمن النجاح. ولكن سوريا وقفت بجانب السادات في حرب أكتوبر فكان التنسيق كاملا مع سوريا بقيادة حافظ الأسد، وكان محتوى الخطة أن يعبر الجيش المصري قناة السويس يوم 6 أكتوبر ثم يتقدم 10 كيلومترات إلى الشرق، وفي الوقت نفسه يكسر الجيش السوري خطوط الجبهة في الجولان ويتقدم إلى مشارف بحيرة طبريا، ويوم 9 أكتوبر يبدأ الهجوم الثاني بعد أن تكون التعزيزات قد استكملت في المساحة المحررة أثناء الهجوم الأول، فتتقدم القوات المصرية إلى المضايق وتتقدم القوات لاستكمال تحرير الجولان. وفي الفترة نفسها أعاد الجيش الإسرائيلي المرتبك والمتقهقر في سيناء ترتيب صفوفه، ويوم 14 أكتوبر كان الجيش الإسرائيلي قد استوعب الصدمة وأصبح تنفيذ المرحلة الثانية من الهجوم محفوفا بالمخاطر، لكن السادات أصر عليه أمام تحفظ أركان القيادة، وأدى الهجوم في مرحلته الثانية إلى محاصرة الجيشين الثاني والثالث في سيناء واختراق القوات الإٍسرائيلية قناة السويس من منطقة الدفرسوار، وانتهت الحرب دون أن تحقق أهدافها المرسومة، لكن ما حدث في مجمله كان نصرا باهرا بدده أنور السادات مرتين، مرة على جبهة القتال عندما لم يتابع إكمال النصر، ومرة باندفاعه في طريق السلام. لقد شهدت علاقات البلدين في هذا التوقيت مراحل شد وجذب كثيرة، كان أخطرها وأقواها انفصال البلدين عن بعضهما، بعد الوحدة التي جمعتهما وتمخض عنها الجمهورية العربية المتحدة أدى الانقلاب العسكري في دمشق إلى إنهاء حلم الوحدة العربية، وعلى الرغم من ذلك احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة، حتى عام 1971 حيث غير السادات الاسم إلى "جمهورية مصر العربية. يشار إلى أن العلاقات المصرية السورية تقطعت في عهد السادات بعد قيام مصر بتوقيع سلام منفرد مع إسرائيل "اتفاقية كامب ديفيد". وفي عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، استطاع الأسد برفقة مبارك عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مرة أخرى في عام 1989 وازداد التعاون السياسي والاقتصادي، حتى رحيل حافظ الأسد في 10 يونيو 2000، وعلى الرغم من مجموعة التحديات التي واجهت الرئيس الحالي بشار الأسد صغير السن في حكم سوريا، إلا أن مصر احتضنت بشار وساعدته على تثبيت أركان حكمه، وقدمت له العون والمشورة. كما تدخلت مصر لإنقاذ سوريا من حرب مع تركيا بعد تدهور العلاقات بين أنقرةودمشق، حيث دفعت إسرائيل البلدين للعداء ولعبت مصر دور الوساطة الجادة حتى أنهت الاحتقان، واستطاعت مصر أن تلعب دورا كبيرا في تهدئة سوريا على طول خط الاستفزازات الإسرائيلية والأمريكية المستمرة والذي وضح بشدة عندما قامت إسرائيل بضرب سوريا في قرية عين الصاحب في الخامس من أكتوبر عام 2003، حيث كان مستفزًا إلى أبعد الحدود ولكن مصر طلبت من سوريا عدم الانسياق وراء تلك الاستفزازات والتي كانت مخططة.