سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
باحث في معهد واشنطن: الصيف المصري أكثر اضطرابًا.. الإقراض يزيد من المحن الاقتصادية للقاهرة.. يجب على أمريكا التركيز على مصالحها الإستراتيجية.. وعلى أوباما العمل مع القيادات العسكرية
كتب إريك تراجر، الباحث فى معهد واشنطن، تحليلا سياسيا عن المتغيرات التى تحدث فى مصر بعنوان "صيف التذمر الذى يمر على مصر"، قال فيه: إن مصر تمر بصيف مضطرب نتيجة للاقتصاد المحتضر وأزمات الوقود والغذاء ونقص الفرص السياسية، ومن المرجح أن تستمر الظروف فى التدهور. وطالب تراجر واشنطن بأن تشجع القاهرة على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ضرورية، لتلطف الأجواء وتحسن مستوى الحوكمة، وينبغى على إدارة أوباما أن تركز على المحافظة على المصالح الاستراتيجية الحساسة فى حال تجدد الاضطرابات. وأضاف تراجر أن الضباب السياسى وانهيار الأمن أضعف الاستثمار الأجنبى وأضر بصناعة السياحة التى كانت نشطة، مشيرًا إلى أن العام الماضى شهد زيادات قدرها 120% فى جرائم القتل، و350% فى عمليات السطو، وقفزة فى عمليات الخطف قدرها 145% -وفقًا لوزارة الداخلية- وقد انخفض احتياطى النقد الأجنبى من 36 مليار دولار إلى 14.42 مليار دولار فى نهاية أبريل 2013، إلى جانب وديعة ليبية بمبلغ 2 مليار دولار فى أواخر شهر مارس مما يُضخم الرقم الأخير. وفى الوقت نفسه، ووفقًا لصحيفة "فاينانشال تايمز"، ارتفعت فاتورة رواتب القطاع العام فى مصر بنسبة 80% منذ الانتفاضة لتصل إلى 25 مليار دولار سنويًا، وقد تم إضافة 400000 وظيفة حكومية، كما سيتم تثبيت 400000 وظيفة إضافية بنهاية يونيو. وأكد تراجر أن الجمع بين الاحتياطيات المتقلصة والنفقات المتزايدة يهدد قدرة الحكومة على استيراد القمح والوقود الذى تبيعه بأسعار مدعومة، وأثر نقص الوقود وأزمة السماد على إنتاج القمح المحلى، الذى لن يصل على الأرجح إلى الهدف الذى وضعته القاهرة بإنتاج 9.5 مليون طن، وهو مثال قياسى يهدف إلى تقليل اعتماد مصر على الواردات الأجنبية. وتابع تراجر أن أزمة الوقود زادت من انقطاع الكهرباء بشكل معتاد بما فى ذلك عدة مرات فى يوم واحد كما حدث فى مطار القاهرة الدولي، وسوف يصبح الوضع غير مريح بصورة خاصة مع بداية شهر رمضان أوائل يوليو. ومن الناحية التاريخية، أدت أزمات نقص القمح وتخفيض الدعم إلى إشعال احتجاجات عارمة فى مصر، مثل "انتفاضة الخبز" عام 1977 والمظاهرات التى صاحبت أزمة الغذاء العالمية عام 2008، وفى الواقع إن أزمات الوقود أسفرت بالفعل عن قيام احتجاجات متقطعة على صعيد البلاد منذ مارس. ورغم أن هذه المظاهرات كانت صغيرة نسبيا حتى الآن، إلا أن انقطاع التيار الكهربائى فى وقت الصيف، قد يجبر المزيد من الناس على النزول إلى الشوارع. واستطرد تراجر أن البيئة السياسية قابلة للاشتعال، وبالنسبة لكثير من النشطاء، فإن استخدام «الإخوان» للعنف ضد المحتجين من غير الإسلاميين فى 5 ديسمبر 2012 مثّل نقطة اللاعودة، وأدى انتهاك «الجماعة» لحرية الإعلام (مثل محاكمة الصحفيين الذين وجهوا الانتقاد لمرسي) فى وقت لاحق إلى قيام البعض بمطالبة الجيش بالعودة إلى السلطة. وأشار تراجر إلى أن آخر إعادة لهذه الحركة هى حملة استمارات "التمرد" التى أطلقها نشطاء المعارضة فى 1 مايو، وتسعى هذه الحملة إلى "سحب الثقة" من مرسى وحشد الجماهير لدعم فكرة إقامة انتخابات رئاسية مبكرة من خلال التركيز على جوانب مظلمة معينة بما فيها انعدام الأمن المتواصل، والفقر المستمر، و"تبعية مرسى للأمريكان". ولم تؤدِّ استجابة «الإخوان» لهذه التحديات السياسية سوى إلى تفاقم الوضع، وعلى ما يبدو أيضًا إلى تعزيز عزم المعارضة، فبدلًا من تعاطى الحكومة مع خصومها، تقوم بقمعهم كما يحقق النائب العام مع عمرو أديب والنائب السابق محمد شردى لدعمهما حملة "تمرد". أما السبيل للخروج فيقول عنه تراجر: "لسوء الحظ، يبدو أن الاستقطاب السياسى فى مصر سوف يتواصل إلى ما بعد فصل الصيف، وربما يستمر إقصاء المعارضة من العملية السياسية، وبما أن الانتخابات البرلمانية المقبلة، التى لم يُحدد موعدها بعد، لن تُجرى على ما يبدو قبل شهر سبتمبر، فسوف تكون الاحتجاجات فى الشوارع هى المجال الوحيد الفعال التى تقوم بها المعارضة" . وأكد تراجر أن «الإخوان» لن يتخلوا عن الدور الحصرى الذى يلعبوه. فالجولة الأخيرة من التعيينات الوزارية التى قام بها مرسى زادت من عدد الوزراء التابعين ل«الإخوان» دون إضافة أى شخص من الأحزاب غير الإسلامية، وكان رفض مطالب المعارضة بإعفاء وزيرى الإعلام والداخلية، وجميع المسئولين سيقودون المفاوضات مع "صندوق النقد الدولى" للحصول على قرض 4.8 مليار دولار هم من «الإخوان». وأشار إلى أن الاستقطاب سوف يعرقل من عملية الانتعاش الاقتصادى فى مصر فى المستقبل القريب، فالتركيز الظاهر من مرسى على تعزيز سلطة «الإخوان» يأتى على النقيض من إصرار "صندوق النقد الدولى" على حوكمة أكثر شمولية تراها هذه الوكالة ضرورية لضمان وجود دعم سياسى واسع لأى قرض، والتوتر السياسى الدائم والصراع الأهلى سوف يردع الاستثمار الأجنبى ويحذر السياح من الاقتراب، الأمر الذى سيجعل مصر معولة على ضخ الدولارات البترولية (من قطر وليبيا) كما أن أزمة النقد سوف تعقد أيضًا من جهود الحكومة لاستعادة الأمن، الأمر الذى سيزيد من الفوضى وتراكم المحن الاقتصادية. ويقول تراجر: "لا يبدو أن الجيش معتزم أو قادر على قيادة البلاد فى اتجاه أكثر إيجابية، فعلى الرغم من أن القوات المسلحة تعتبر بشكل عام أقوى مؤسسة فى مصر، إلا أن قادتها أشاروا مرارًا وتكرارًا إلى عدم اكتراثهم بالعودة إلى السلطة مرة أخرى، فهم يدركون أن أدائهم كان ضعيفًا عندما أداروا البلاد قبل انتخاب مرسى، ويبدو أنهم يعرفون بأنهم لن يفلحوا فى الحكم أكثر من «الإخوان» نظرًا لمدى التحديات التى تواجهها مصر، كما أن الطبيعة غير الديمقراطية للجيش تجعله غير قادر على توليد نوع من الإجماع الواسع الذى يلزم للإصلاح." الغريب أن تراجر أوصى السياسة الأمريكية -نتيجة تجدد الاضطرابات خلال هذا الصيف وبعده- أن تركز على هدفَيْن الأول الاستمرار فى تشجيع العناصر السياسية الفاعلة فى مصر على تخفيف حدة التوتر، بإخبار المعارضة عدم التخلى عن السياسة، مشيرًا إلى أن المشاركة فى النظام الحالى تمهد طريقًا يمكن السير فيه بصورة أكبر نحو تقاسم السلطة، بدلًا من الدعوة للقيام ب"ثورة" ضد مرسى، مما لا يؤدى إلا إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار فى البلاد ويزيد فى اقتصادها تدميرًا. وبالنسبة ل«الإخوان المسلمين»، فينبغى على واشنطن أن تخبر القاهرة بأن الخيارات المؤلمة التى يتطلبها الإصلاح الاقتصادى الضرورى (زيادة الضرائب وخفض الدعم) تجعل شمل المعارضة وصياغة توافق سياسى أمران لا غنى عنهما، وينبغى على المسئولين الأمريكيين أن يُشيروا إلى أن مصر لا يمكنها الاعتماد على ضخ الدولارات البترولية لتعزيز احتياطياتها النقدية التى تتآكل وذلك إلى ما لا نهاية، وأن عدم إجراء إصلاحات ضرورية سوف يؤدى فى النهاية إلى اعتبارها استثمارات رديئة من قبل المتبرعين. الهدف الثانى الذى طالب تراجر واشنطن أن تقوم به الاستعداد لاحتمال رفض «الإخوان» والمعارضة لهذه النصيحة، والتخطيط لحالة محتملة من عدم الاستقرار، وعلى وجه الخصوص. وأكد تراجر أنه على الإدارة الأمريكية أن تركز على ثلاث مصالح استراتيجية يمكن أن تتعرض للخطر، أولًا: معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى قد تواجه ضغوطًا إذا ما أدت الاضطرابات إلى حدوث المزيد من العنف من سيناء أو ممارسات شعبية تزداد فيها الروح العدائية من القاهرة. ثانيًا: أمن قناة السويس، الذى وضعته بالفعل الاضطرابات الأهلية الأخيرة فى خطر. ثالثًا: التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب، نظرًا للظهور الأخير للجهاديين السلفيين فى مصر. واختتم تراجر أن الجيش المصرى هو المسئول الأول عن جميع هذه العناصر، وينبغى على إدارة أوباما أن تعمل مع القادة العسكريين لضمان تفعيل خطط طارئة إذا ما اشتعل صيف التذمر الذى تمر به البلاد.