[email protected] كل منا يمتلك القدرة على التأمُّل، بمساحة تقوده إلى التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود. وفى عالم السياسة تقودك نفس القدرة على التأمل إلى التمييز بين النوايا البيضاء والنوايا الطين. تلك مقدمة لا بد منها، قبل التعليق على موقفين من قضية واحدة، وحتى لا يظن ظان أننى أنصب محكمة تفتيش فى النوايا، أقول إن الموقفين كانا ترجمة معلنة بكل الوضوح لما تخفى الصدور. الموقفان يتعلقان بشكل مباشر بقضية التدويل، التى احتل عنوانها سطح الحياة بمصر خلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدا فى الأجواء المصاحبة لمؤتمر تدويل أزمة القضاء مع السلطة بالقاهرة. أبدأ بالموقف الأول أو الخيط الأسود، وهو تصريح هانى يوسف، رئيس الاتحاد النوبى العام، لقناة العربية الثلاثاء الماضى، الذى أعلن فيه أنه استعان بمحام أوربى للتحقيق فى قضايا تهجير النوبيين من أراضيهم، والمطالبة بعودتهم إليها، وهو تدويل صريح لقضية أرض النوبة، وذلك ما قاله على سبيل الحسم الذى لا يحتمل التأويل "إن عودة المهجَّرين النوبيين إلى أراضيهم حق، ولا بد من رجوعهم، إذا لم يكن مصريا، فليكن دوليا". أما الخيط الأبيض، أو الموقف الثانى، فهو موقف لا ينبغى أن يمر دون أن نتوقف عنده طويلا، ونسلط عليه كل الأضواء.. إنه موقف قداسة البابا تواضروس، خلال زيارته الأخيرة منذ أيام للنمسا. قال قداسة البابا: "نرفض أى تدخل لحل مشاكل الأقباط فى مصر.. لقد تلقينا الكثير من الوعود الطيبة من الرئيس مرسى.. نحن نستطيع حل مشكلاتنا فى الداخل بين أبناء الوطن الواحد، خاصة أن الأوضاع فى مصر تبشر بالخير وتميل إلى الاستقرار.. قال أيضا: "أطَمْئِن جميع أقباط مصر فى الداخل والخارج بأن مصر بخير، ونأمل أن تسير الأمور إلى الأفضل، وأن يتحقق الاستقرار والسلام فى ربوع البلاد.. الأقباط وطنيون ومتمسكون بوطنهم، ومحبون لمصر، والأوضاع فى مصر جيدة". أقف طويلا، وبكل الاحترام أمام كلمات البابا، وأظن أن جهود النافخين فى نيران الفرز والاستقطاب الطائفى قد ضاعت سُدى، ذلك أن رأس الكنيسة المصرية الوطنية الخالصة لم ينزلق، أو بالأحرى لم يُستدرَج لمحاولات التحريض على تدويل الملف القبطى التى تطل برأسها المخيف من حين لآخر.. فها نحن نرى قداسة البابا شخصيا وفى قلب أوربا، يعلن صراحة عن وأد فتنة التدويل والتدخل الخارجى، بقول فَصل لا يترك ثغرة للتأويل، وتلك هى المسئولية الوطنية والدينية والإنسانية فى أروع وأرقى صورها. تحية من أعماق القلب إلى قداسة البابا تواضروس.