كيف واجهت المدارس تحديات كثافات الفصول؟.. وزير التعليم يجيب    براءة 7 طالبات من تهمة التعدي على ولية أمر زميلتهن بالإسكندرية    بدء اجتماع الحكومة الأسبوعي ويعقبه مؤتمر صحفي    الركود وقلة الإقبال على الشراء يضربان أسعار الدواجن في البحيرة    24 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    زيادة رأسمال شركة النيل العامة للطرق والكباري إلى 210 ملايين جنيه    استشهاد فلسطيني وإصابة 5 برصاص الاحتلال في جباليا وشرق خان يونس    الدفاع الجوي الروسي يدمر درون حلقت باتجاه موسكو    الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة زاد العزة 101 لدعم غزة    بونجاح: درسنا السودان جيدا.. وعلينا المبادرة بالهجوم    كأس أمم أفريقيا 2025، موعد مباراة بوركينا فاسو ضد غينيا الاستوائية والقناة الناقلة    محمد السيد يترقب وصول عرض أوروبي للزمالك فى يناير قبل الرحيل المجاني    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24 ديسمبر والقنوات الناقلة    أمم إفريقيا - لاعب الجزائر: لا نريد الحديث عن النسختين الماضيتين.. ومحرز سيتجاوز الانتقادات    منتخب كوت ديفوار يفتتح مشوار الدفاع عن لقب كأس أمم إفريقيا 2025 أمام موزمبيق    بدء اجتماع مجلس الوزراء برئاسة مدبولي    فيديو.. الأرصاد تحذر من كثافة الشبورة المائية على الطرق صباح الخميس    السكة الحديد: إتاحة حجز المقاعد المكيفة بالدرجتين الأولى والثانية قبل موعد السفر ب15 يوما    تعليم المنوفية: منع استخدام المحمول أثناء الامتحانات لأعضاء هيئة التدريس    ضبط 3 عناصر جنائية بالجيزة لغسل أموال تصل قيمتها 100 مليون جنيه    احتفاء بشخصية دورته ال37، مؤتمر أدباء مصر يصدر كتاب "محمد جبريل.. مشروع حياة"    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    ميدو عادل يعود ب«نور في عالم البحور» على خشبة المسرح القومي للأطفال.. الخميس    ذكرى رحيل الكاتب الكبير محمد التابعى أسطورة الصحافة المصرية    تشييع جثمان طارق الأمير من مسجد الرحمن الرحيم.. اليوم    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    الرعاية الصحية: 1.5 مليون فحص تشخيصي واستقبال مليون حالة طوارئ بمستشفى السلام ببورسعيد    تدشين البوابة الرقمية الجديدة لهيئة الشراء الموحد لتطوير البنية التحتية الصحية    رئيس هيئة الرعاية الصحية: مستشفى السلام ببورسعيد قدكت 3.5 مليون خدمة طبية وعلاجية    السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها لاستقبال الناخبين في انتخابات مجلس النواب    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع الاتحاد الرياضي للجامعات بحضور صبحي    أمم أفريقيا 2025| صراع بين الكاميرون والجابون بصافرة مصرية    دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة    رئيس دولة التلاوة    رغم تحالفه مع عيال زايد وحفتر…لماذا يُعادي السيسي قوات الدعم السريع ؟    نموذج لشراكة الدولة والمجتمع المدنى    نقيب العلوم الصحية: خبراء الأشعة المصريون فى ألمانيا «أون لاين»    سعر الدولار اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025    بزيادة 27% عن 2025| تركيا تقرر رفع الحد الأدنى للأجور الشهرية    طريقة عمل شوربة العدس الأحمر بجوز الهند والزنجبيل    حماية بكرامة    نظر طعن مضيفة طيران تونسية على حكم حبسها 15 عامًا بتهمة إنهاء حياة ابنتها    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    بني سويف.. مصرع شخصين وإصابة 6 آخرين إثر تصادم تروسيكل مع سيارة نقل بطريق جرزا الواسطى    كانت بتزور جدتها.. محامي طالبة طب فاقوس بالشرقية ينفي صلتها بخلافات الميراث    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 24ديسمبر 2025 فى المنيا....اعرف مواقيت صلاتك بدقه    أسعار الذهب تواصل الارتفاع في بداية تعاملات الأربعاء 24 ديسمبر    شقيقة ميسي تتعرض لحادث سير خطير في الولايات المتحدة    بوتين يرفض أى خطط لتقسيم سوريا والانتهاكات الإسرائيلية    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال على غزة إلى 70،942 شهيدًا و171،195 مصابًا    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر الأضحية
نشر في فيتو يوم 12 - 08 - 2019

عفوا، يا سادة! أنا لا أصدق أغلب العبارات المنمقة التي تفوح منها ملامح اللزوجة والاستنطاع والاستغفال والاستهبال عندما تذيع أخبارا عن نهضة مصر.
لا أصدق مساحيق تلك العجائز المتصابيات المتصدرات المشهد العام بملابسهن البيضاء في حفلات الرقص التي تكشف ازدواجية المعايير والتحفيل والتسخيف والتفضيل. ولا أصدقهن حتى في ملابسهن السوداء في عزائهن لما أصاب مصر من فقد وانفجار وموت للعيال.
مقياس رفاهية مصر عندي يبدأ من المناطق التي أعرفها وتعايشت معها وتنفست فيها وتشكل بوجداني عالم مصر الخاص بكل ذكرياتي في مرحلة طفولتي وصباي وشبابي. ثمة سحر مربوط لي تحت عتبات هذه الأحياء مثل قريتي مرتعي الأول شنبارة الميمونة، وما جاورها من قرى سابحة في عالم جمالي من الفن الرباني وعبقرية المصري في بناء دياره وتخطيط مدقاته وحقوله كما قرية بني قريش، وعزبة الصياغ، والسنيطة، وأبو طوالة، وكفر عرفة، وكفر النصارى، وأبو نجاح، والمفتي..
وعلى مدقات هذه الطرق رأيت المعرفة هناك كانت بكرا طازجة كما آيات الوحي الأولى التي تلقيناها في كتاتيب هذه القرى على ألواح من معدن وأقلام من غاب النيل...
وعلى صعيد متصل من الجمال النسبي في منطقة العمرانية، وفيصل، والهرم، والمنيل، والمنيب، والجيزة العتيقة وما جاور أم المصريين وشريط السكة الحديد. والحق كنت أرى هذه المناطق كما الكهل الريفي الحكيم الذي حنت ظهره غفلة الناس من حوله وكفرانهم بقيمته التاريخية والحضارية. لكن على كل حال كنت أرى هذه المناطق جميلة فيها من دفء وصدق التاريخ الحقيقي لأن طرق هذه الأماكن كانت يوما طريقا مؤديا لأسلافنا نحو بناء نهضتهم المعروفة بالأهرام!
ما زال يتوج مخيلتي حافة ترعة الزمر المخيفة، وسور مصنع البلاستيك، وشركة الدخان، وشونة بنك مصر، ومزرعة المواشي التي - على ما أتذكر- أصبحت حيا خاصا عرف باسم مساكن الضباط الذي كان أول كمبوند حديث وجميل، وحي الزهور، وحي الفلل القديمة والعتيقة في العمرانية الشرقية. ثم سينما الأهرام ورادوبيس الصيفي، واستوديوهات شارع اليابان وأكاديمية الفنون، والطالبية والتعاون وحسن محمد في الهرم، وصولا إلى ترعة المريوطية وغيطان الزرع والنخيل الكبيرة على مدد الشوف على حواف فيصل والعمرانية والمريوطية والزمر والمنيب. ورجوعا إلى البحر الأعظم وكورنيش المنيل وسينما فاتن حمامة وجسر المقياس التراثي، والقلعة والأزهر والمقطم ومقابر صلاح سلام والأتوستراد والظهير الأصفر لصحراء القاهرة القديمة.
ما سبق عشته في رحلة عمر طولها عشرون عاما من سنوات عمري في مصر. أضف إلى هذا العمر خمسة عشر عاما من العمر الأول في قرى الدلتا بقرية تعد من قرى تخزين القمح من أيام أجدادنا العظام القدماء فأول ما صافح عيني في قريتى صوامع القمح الطينية المنتشرة فوق سطوح البيوت الريفية. كانت حينها تجسد معاني النهضة.
كنت أنا وأقراني في قريتنا القديمة أو في تلك المناطق عيالا لديهم كم من الوعي والأحلام والعقل يعمر مصر. لكن سقط ما سقط منا في مستنقع الكرش والصلع والشيب وقلة الحيلة والسعي وراء قروش عليلة، ومنا من عانقته فرصة النداهة ورحل بعيدا حزينا لم يشعر بطعم النجاحات رغم التحقق وإثبات الذات.
وفي عتمة المصري وضيق يده وعقله وفرصته وتحققه في مصريته باتت بهجة مصر كما الغريب عابر سبيل يحمل بقجة على ظهره ويطوف البلاد طولا وعرضا يدق القلوب قبل الأبواب طمعا في الاستقرار والتعايش والعمار. لكن أصحاب الأبواب لا قلوب لهم ولا عقل لديهم. كل ما عندهم جدران من النقل والتعاسة السلطوية والاستبداد والفشل الجمالي الذي شوه حضر وريف مصر.
مع مرور الوقت أصبحت كل هذه المناطق والأماكن سخفا رزيلا معتما متربا معتما لا مكان فيه لرفاهية ولا حق في حياة. الناس هناك ليسوا بناس، لا عقل ولا ضمير ولا مراعاة خاطر للطريق ولا الجيرة ولا العشرة. تفرغت هذه الأماكن والعقول وأصبحت عشوائيات فارغة قائمة على الاستغلال والاستبياع. ومن هذا المنطلق نحن نقدم مصر أضحية لنفدي شهوتنا النتنة في التسلط والاستحواذ.
النهضة الحقيقية تبدأ من الريف والحضر.. من هذه الأماكن تبدأ مصر في استنهاض عيالها وناسها؛ لينهض الإنسان المصري. حينها نستطيع أن نحتفل بالعيد والأعياد ونقدم أضحية سمينة وثمينة ونفيسة لنفدي بها تحضرنا وتسامحنا ونهضتنا وتقدمنا.
وأقول لبلدي مصر، كل عام وأنت بخير أو هكذا أتمنى لك أن تنعمي بالخير للأبد بلا إرهاب وبلا غباء ولا تسلط.
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.