محمود شكوكو يكتب: أنا التائه "جرحونى وقفلوا الأجزخانات.. لا قالولى ازيك ولا سلامات".. كلمات من مونولوج المصري الأصيل ذي الجلباب والعصا والعمة، الفذ الذي برع في عالم المونولوج، وأحيا الأراجوز، ورسم البسمة على وجوه المصريين لسنوات طوال، محمود شكوكو، الملقب بشارلى شابلن العرب، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم، 21 فبراير عام 1985، تاركًا نحو 600 مونولوج وأعمال فنية عدة، واسما لا يزال يتردد حتى يومنا هذا، كما كان صداه يتردد على مدى سنوات، وكان ملء السمع والبصر، ولكن قبل أن تتسع مدى شعبيته وتمتد آفاق شهرته، كيف كانت حياة شكوكو قبل أن يقتحم عالم الشهرة وقبل أن يبرع في عالم الفن؟ لم يكن الزى الذي حرص شكوكو على ارتدائه عند تقديمه مونولوجاته قد أتى من فراغ، بل كان نابعا من جذور بداخله، تمتد إلى الجمالية، وبالتحديد حى الدرب الأحمر، حيث ولد محمود شكوكو إبراهيم إسماعيل موسى في بداية شهر يوليو من عام 1912. عاش شكوكو في كنف والده الذي كان يعمل في مهنة النجارة الموروثة عن أبيه وأجداده، لذا كان من الطبيعي أن يرث شكوكو الابن هو الآخر أصول هذه المهنة و"يتشربها"، وبالفعل منذ نعومة أظفاره كان يعمل بورشة نجارة والده طوال اليوم، كان نجار باب وشباك وموبيليا، وكان ذلك سببًا أساسيًا لحرمانه من التعليم، إلى جانب أن الأب لم يتحمل أيضًا مشاغبات ذلك الصغير في "الكُتّاب"، فقرر أن يخرجه منه قبل أن يتعلم أساسيات القراءة والكتابة لذا ظل فترة شبابه وحتى بعدما اقتحم عالم الفن بدون أن تكون لديه القدرة على القراءة والكتابة، حتى علم هو نفسه بنفسه. كان شكوكو منذ طفولته عاشقًا للغناء والمحاكاة الكوميدية وتقليد الفنانين، وبالرغم من عدم انقطاعه عن ورشة النجارة، وكان يستغل قدوم الليل لكى يفرج عن طاقاته الفنية المكبوتة، فيهرب من منزله ليذهب إلى الأفراح الشعبية والملاهى، وهناك تعرف على فرقتي "الزعبلاوي"، و"سيد قشطة"، وعمل أيضًا مع فرقة "فاطمة الكسارة"، وتقاضى أول أجر له من عالم الفن وبلغ قرشي صاغ، واستمر عمله مع عدد من الفرق الشعبية. وبالرغم من حرصه، فإن والده قد اكتشف عمل ابنه في الأفراح والموالد، فقرر طرده من البيت وورشة النجارة التي كان يقضى فيها نهاره، فلم يعبأ الشاب المملوء بالطاقات الفنية بما حدث، وقرر أن يتحدى والده فأنشأ ورشة بمنطقة الرويعي، وأطلق عليها اسم "الأنس"، وحققت ورشته نجاحًا ملحوظًا. وبالرغم من هذا النجاح في عالم النجارة إلا أن رغبته في الالتحاق بدنيا الفن لم تخفت، فقرر الانضمام إلى فرقة أحمد المسيري، ومن بعدها انتقل إلى فرقة علي الكسار مقابل 60 قرشًا، تضاعف بعد أسبوعين من عمله، وكانت هذه الفرقة نقطة انطلاقة في مسيرته الفنية، ولكنه انتقل منها إلى فرقة حسين المليجي بمقابل 5 جنيهات، ومن بعدها فرقة محمد الكحلاوى مقابل 10 جنيهات، وبعدها انطلق في عالم الإذاعة والسينما وتقديم المونولوجات، فقرر ترك ورشة نجارته لشقيقه، وتصالح مع والده وطالبه بأن يترك عمله ويُشرف على الورشتين ليشق هو مشواره الفنى الذي برع فيه وأبدع.