"شكوكو" صاحب الحنجرة الفولاذية، أشهر من قدموا فن المونولوج في مصر باعثا البهجة والضحك على جمهوره. وقف "شكوكو" أمام مقاهي حي الدرب الأحمر يغني ويقدم المواويل الشعبية والنكات الفكاهية، حتى تم اكتشافه وذاع صيته وبدأ مشوار حياته الفنية، واشتهر بارتدائه "الجلابية والقبعة" وكذلك العصا التي لم تفارق يده في معظم أفلامه وحفلاته. ولد محمود إبراهيم إسماعيل "محمود شكوكو"،1 مايو عام 1912، بالقاهرة وعمل في بداية حياته نجار، والده الأسطى إبراهيم شكوكو كان يعمل في مهنة النجارة التي ورثها عن عائلته، فورثها محمود شكوكو، وظل يعمل مع والده حتى بلغ من العمر 20 عام. اكتشفه محمد فتحي في حفل عيد ميلاد السيد مصطفى ملحن الفنان سيد درويش ليبدأ مشواره الفني، بعد أن كان يغني في ورشته أغاني للمطرب محمد عبد الوهاب، والفنانة أم كلثوم، ومن هنا بدأ يتجه إلى الفن عن طريق الفرق الفنية التي كانت تقدم عروضها في المقاهي، وبعدها انتقل في فرقة على الكسار كمقدم للمونولوج، ثم انتقل لفرقة حسن المليجي، وذاع صيته بعد عمله مع فرقة محمد الكحلاوي. بدأ "شكوكو" حياته الفنية بانضمامه إلى الفرق الفنية التي كانت تقدم عروضها على المقاهي المجاورة لمحل أبيه، فكان يقلد فيها الفنانين ويقدم فقرات غنائية ثم ذهب إلى شارع محمد علي، وغنى بالأفراح وأكتشف حينها أنه لا يصلح للغناء ففكر في اللجوء إلى فن المونولوج الذي نجح فيه، التقى في هذه الفترة صدفة بالفنان علي الكسار الذي أعجب به واختاره ليقدم المنولوجات في الاستراحة بين فصول المسرحية ولاحظ الكسار تفاعل الجمهور مع شكوكو وإعجابهم بفقرته فرفع أجره وأعطاه دورا صغيرا في مسرحياته وفي خلال تلك الفترة تعرف شكوكو على عدد كبير من المؤلفين والملحنين. وابتسم الحظ لشكوكو فعليا في عام 1938 عندما طلبه بلبل الإذاعة محمد فتحي ليغني في حفل سينقل على الهواء بمناسبة عيد شم النسيم، وبعد انتهائه من فقرته التي قدم فيها العديد من المونولوجات الكوميدية استمر الجمهور في التصفيق له وطلبوا ظهوره مرة ثانية على المسرح وهي المرة الأولى التي يظهر فيها مطرب مرتين علي المسرح ويغني في الإذاعة في اليوم نفسه. وبعد أن ذاع صيته وشهرته كمنولوجست التقطته السينما في منتصف الأربعينيات بعدما اكتشفه المخرج نيازي مصطفي الذي قدمه في أداور صغيرة في فيلميه "حسن وحسن" و"شارع محمد علي" وتوالت بعدها مشاركاته الثانوية في العديد من الأفلام أكثرها بالأبيض والأسود وبلغت نحو 80 فيلما مازال يضحك جمهوره العربي بالشخصيات التي جسدها على مدار 35 عاما منها: "انتصار الحب" و"من رضي بقليله" و"تار بايت" و"فالح ومحتاس" و"عروسة المولد" و"دلوني يا ناس" و"المال والبنون" و"تحيا الرجالة" و"ظلموني الحبايب" و"ماليش حد" و"أبن الحارة" و"حب في الظلام" و"مليون جنيه" و"المقدر والمكتوب" و"بائعة الخبز" و"السر في البير" و"شمشون ولبلب" و "عنتر ولبلب" و"و"آمال". كما قدم "شكوكو" أكثر من 600 مونولوج قام بتأليف معظمها عفويا حيث إنه لا يجيد القراءة والكتابة ومن أبرزها : "جرحوني وقفلوا الأجزخانات"، و"حلو شكوكو"، و"صلوا علي النبي"، و"فقر وفقرين يبقوا تلاتة". ارتبط بالفنان إسماعيل ياسين، حيث أشترك معه كثنائي مونولوجست، وكونا فرقة خاصة بهما، قدما من خلاله أشهر المونولوجات التي استمتع بها الجمهور منها "الحب بهدلة" و"الليل الليل" و"أحنا التلاتة" و"على إسكندرية"، كما كون فرقته الخاصة به. طاف شكوكو العديد من البلدان الأوروبية بعرائس الأراجوز الخشب واشتهر بزيه المميز الجلابية البلدي والطاقية الذي ظل يظهر بهما على المسرح طوال حياته الفنية، وصنع له دمى صغيرة على شكله بالجلباب البلدي والقبعة المميزة التي كان يرتديها. خصصت شركة "مصر للطيران" إحدى قنواتها الإذاعية على متن رحلاتها لمنولوجات شكوكو، وصنعت دمى له بالجلباب البلدي والقبعة التي اعتاد شكوكو أن يرتديها. وفي نهاية الخمسينيات بدأت شعبية شكوكو تتراجع لظهور عدد كبير من فناني المونولوجست وبذكائه الفطري فكر في اتجاه جديد ينعش شعبيته وجماهيريته مرة أخرى فقرر تحويل فنه الاستعراضي لفن العرائس وأحيا شخصية الأراجوز وأنشأ مسرح العرائس لينسب إليه فضل إنشاء مسرح العرائس وإحياء فن الأراجوز. لم يترك شكوكو مهنته العائلية في مجال النجارة طوال حياته فهي كانت الدعم الرئيسي له مع مسيرته الفنية. ارتبط الفنان محمود شكوكو بأربع زيجات أولها كانت السيدة عائشة هانم فهمي طليقة الفنان يوسف وهبي الذي حول حياة شكوكو إلى حجيم لزواجه من إحدى سيدات هوانم المجتمع ولم يستطع شكوكو وزوجته عائشة الصمود أمام تلك الحملة الشنعاء فتم الانفصال رغم حبهما الشديد الذي لم يتأثر حتى بعد زواجه الثاني من أم أولاده منيرة وسلطان وحمادة. أما زيجته الثالثة فكانت من فتاة تصغره كثيرا في السن رغم معارضة أسرتها، إلا أنها بعد فترة قصيرة من الزواج مرضت وظل شكوكو بجانبها حتى توفيت واقتنع أهلها بمعدنه الأصيل ووافقوا أن يزوجوه من أختها الصغرى. كان ل "شكوكو" طقوس خاصة خلال التسجيل الإذاعي، فكان يحرص على الحضور إلى الاستوديو قبل موعده بعشر دقائق كاملة، ليهدأ من خوفه وليقرأ سورا من القرآن الكريم، وكان يفضل فاتحة الكتاب، ثم يبدأ في التسجيل. اسم "شكوكو" له حكاية طريفة رواها ابنه الأوسط سلطان، وهي أن جده لأبيه إسماعيل، كان يهوى تربية الديوك الرومي "الدندي" أو التركي كما يطلق عليه في بعض البلدان العربية، وكان يلاحظ دائما أثناء عراك الديوك أن ديك معين، وهو الأكبر حجما فيهم، يصيح صيحة قوية، ويبدو أنه يقول فيها:"ش ش كوكو"، فأعجب الجد بهذا الديك، وكان يهتم به أكثر من الديوك الأخرى، عندما علم الجد "إسماعيل" بإنجاب ابنه "إبراهيم"، والد الفنان الراحل، مولوداً قرر تسميته "شكوكو" تيمنا بهذا الديك، الأمر الذي رفضه ابنه الذي كان يريد تسمية طفله الصغير باسم محمود، ولكن حتى لا يغضب أبيه كتب اسم المولود في السجلات الرسمية باسم مركب، فأصبح اسم الفنان الراحل الذي توج ملكاً على عرش فن المونولوج "محمود شكوكو إبراهيم إسماعيل موسى". بعد أن نشرت صحيفة "أخبار اليوم" خبرًا يقول، إن محمود شكوكو ينوي ترشح نفسه لعضوية البرلمان عن دائرة "مركز سمنود" بمحافظة الغربية في دلتا مصر، وكانت هذه الدائرة الانتخابية خاصة بزعيم الأمة وقتها "مصطفى النحاس باشا". ونشرت الصحيفة صورة ل"شكوكو" إلى جوار صورة "النحاس" كنوع من إظهار الخبر وإشارة إلى مصداقيته، وكان هذا كفيلا بأن يصدق الجمهور الخبر نظرا لنجومية "شكوكو" وشعبيته الطاغية، لكن أثار هذا دهشة لدي البعض.. فكيف يكون "شكوكو" منافسا لزعيم الأمة؟، بل إن نشر الصور بهذه الكيفية دعا البعض إلى السخرية وتساءلوا من فيهما زعيم الأمة؟. وإزاء ذلك وجد "شكوكو" نفسه في مشكلة ومأزق حقيقي، وذلك لشعبية "مصطفى باشا النحاس" وحزب الوفد الذي يرأسه، ونظرا لكونه زعيم الأمة، فسعى "شكوكو" إلى "أم كلثوم" من أجل أن تتدخل لدي مصطفى وعلي أمين صاحبا ومسئولو صحيفة أخبار اليوم، لوقف هذه الحملة الصحفية التي تعمد نشرها نكاية في حزب الوفد بسبب خلافهما مع الحزب ورئيسه، فوافقت "أم كلثوم" لأنها كانت تحتفظ ل"شكوكو" بمعروفه نحوها عندما كان يتخلى لها عن مسرحه "مسرح الأزبكية"، لتقدم عليه حفلتها الشهرية، واستطاعت أم كلثوم أن تقنع مصطفى وعلي أمين بوقف هذه الحملة من أجل إنقاذ شكوكو من هذا المأزق وهذه الواقعة. رحل "شكوكو" أشهر مونولوجيست في 21 فبراير 1985، عن دنيانا بعد تعرضه لأزمة وحساسية صدر حادة عن عمر يناهز ال 73 عاما.