قالوا البشر قبل الحجر.. ورغم أن الحجر كان دائما من أجل البشر، إلا أن التوجه نحو البشر في هذا الحق ضرورة، وضرورة ملحة.. فما أصعب على النفس من عدم القدرة على مواجهة المرض اللعين، وما أقسي على المريض من عدم قدرته على شراء الدواء.. ذلك المريض الذي يطل عليه كل ثانية شبح الموت وكابوس الرحيل عن الدنيا، لذلك كان التوجيه بضرورة القضاء على فيروس سي الذي كان يأكل أكباد المصريين، ويقعدهم عن العمل ويزرع في نفوسهم اليأس من الشفاء، انتظارا للحظة الرحيل المحتوم. بدأت أكبر حملة لمواجهة المرض اللعين بسرعة الانتهاء من قوائم الانتظار الطويلة التي شارفت على الموت بكل صوره وتفاصيله، وتم توفير العلاج الذي كان يستعصي على من لديه القدرة على الشراء، وأصبح متاحا للمرضي من كل المستويات بأسعار رخيصة إلى أن صار مجانا على نفقة الدولة، باعتبار أن القضاء على المرض مشروع قومي، وحق من حقوق الإنسان الذي يغفله دعاة حقوق الإنسان! لم يقتصر الأمر على الانتهاء من قوائم انتظار المرضي بالفيروس، لكنه تجاوز إلى إجراء أكبر مسح طبي في مصر، وربما العالم تقوم به دولة تمر بظروف اقتصادية صعبة، وفي محيط مضطرب، فكانت حملة 100 مليون صحة التي تستهدف الكشف عن فيروس سي والأمراض غير السارية التي سوف تدخل مرحلتها الأخيرة في الأول من مارس القادم في باقي محافظات مصر. الحملة شارك فيها الآلاف من الأطباء والفنيين في مجال الصحة، بمساعدة الآلاف من الذين يقدمون الخدمات اللوجستية للحملة.. الجميع شارك في الحملة بتفان وإخلاص لمصر، والجميع لبي النداء عندما سمع النفير، وما أعلمه أن الحملة تمضي قدما بشفافية كبيرة غير أن رسالة جاءتني موقعة باسم طبيب أنقلها كما جاءت، الرسالة تقول على مسئولية كاتبها: المفروض إن الأطباء اللي نزلت الحملة دي ليهم مرتب مصروف من منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، بناء على أن المنظمة هي الراعية للحملة بالتنسيق مع وزارة الصحة. وكان المرتب المحدد هو 60 دولارا في اليوم الواحد تتحمله منظمة الصحة العالمية كاملا، ولا تتحمل وزارة الصحة مليما واحدا، ويصرف من قبل البنك الدولي، ويتم توزيعه من جهة وزارة الصحة للأطباء المشاركين بالحملة.. المهم أن الوزارة نزلت المرتب المحدد للمأمورية إلى 60 جنيها فقط مخصوما منها تأمينات ومعاشات.. (مع أنه قانونا مثل هذه الحوافز هي منحة وغير خاضعة لنص القانون الاستقطاعات) وفي النهاية حصلت على 400 جنيه (عن 9 أيام عمل في شهر ديسمبر الماضي يعني اليوم عمل في الحملة يساوي 44.4 جنيه بدلا من 1020 جنيه، وللعلم أنا في موقفي هذا في نعمة، ﻷن لي زملاء آخرين لم يطالوا مليما واحدا. بعد نزولهم بعربات وزارة الصحة في الشوارع! وعلي الرغم من علمي بكل هذا حتى قبل تنفيذ الحملة، إلا أني بنعمة الله خدمت الشعب مع جموع زملائي الأطباء ولم أقصر في عملي أو أعامل المستفيدين من الشعب بذنب المخطئين من المسئولين. خدمة بلدنا مسئولية أقسمنا عليها، والاشتراك في مثل هذه الحملات هو بمثابة الفخر لنا كوننا ترسًا صغيرا في مشروع يسعي لخدمة الإنسانية.. (انتهت رسالة الطبيب) أعتقد أن تفاصيل الرسالة تحتاج إلى رد وتفسير واضح من وزارة الصحة المشرفة على المبادرة لإزالة اللبس، وبيان حقيقة الموقف وتصحيح الصورة وقطع سلسلة المزايدات والأخبار المغلوطة التي تنال من جهد من يعملون في المبادرة، رغم كلمات الطبيب الواضحة في نهاية الرسالة، والتي عبر فيها عن نفسه وعن زملاء له في المبادرة ولا تحتاج مزايدات من أحد. [email protected]