عاصفة من الأسئلة دقت رأس الحكومة ووزير المالية الذي أصدر قرارا – بدون مقدمات – قرر أن يكون سعر الدولار الجمركي على السلع المستوردة على مستويين، الأول تتم فيه المحاسبة بسعر 16 جنيها للسلع الاستراتيجية الضرورية التي تهم بالدرجة الأولى المواطن المصري، وتدخل في احتياجاته اليومية والضرورية، وكذلك مدخلات الصناعة المحلية لكل السلع التي تنتج داخل مصر، والثاني تتم فيه المحاسبة بسعر الصرف الذي يحدده البنك المركزي، والذي يتغير حسب ظروف السوق وذلك للسلع "الاستفزازية" حسب مسمي وزارة المالية. أصدر الوزير المختص كتابا يشمل هذه السلع تحديدا إلى مصلحة الجمارك ليسري العمل بها اعتبارا من الرابع من هذا الشهر، وهي سلع لها في الغالب بديل مصري، وبعضها لا بديل لها في السوق المصري.. المهم أنها سلع لا يستهلكها عموم المصريين باعتبار أنهم لا يقدرون على ثمنها، حتى ولو كانوا في حاجة لبعضها كأنواع معينة من السيارات تصنيع الخارج، أو أنواع معينة من الفواكه والعطور وغيرها! القرار – كما يقول وزير المالية – في صالح المواطن المصري، وفي صالح الصناعة المصرية التي نعمل على حمايتها وتطويرها، وفي صالح تشجيع الاستثمار وخلق فرص عمل لتشغيل العاطلين، ويهدف إلى توطين تكنولوجيا الصناعات المتطورة كالسيارات والهواتف المحمولة والحواسب الآلية، والأهم كما يقول وزير المالية أن هذا القرار يحقق العدالة الاجتماعية.. رغم أني لا أعرف كيف يحققها والغالبية العظمي من المصريين لا يركبون سيارات فارهة ولا يستخدمون عطورا من ماركات عالمية ولا عطورا من أي نوع من الأصل، ولا يربون كلاب تحتاج طعام من نوع خاص، ولا يقدرون على سعر الفاكهة المصرية ليأكلوا فاكهة مستوردة، ولا يستطيعون شراء الجبن (القريش) ليشتروا الجبن المستورد! القرار في ظاهره الرحمة والمصلحة العامة شأنه شأن قرارات كثيرة تصدرها الحكومة لكن – طبقا للحالة المصرية – في باطنه العذاب، الذي لن يتحمله غير الطبقة التي تقضي يومها بالكاد، وهي لا حول لها ولا قوة في مواجهة جشع تجار، وغياب رقابة صارمة، وقانون لا يحقق الردع ولا يخيف التاجر الجشع والمستورد المحتكر! منذ الإعلان عن سعرين للدولار الجمركي تحركت الأسعار دون رابط، وإذا سألت لماذا ارتفع السعر؟ تأتي الإجابة علشان الدولار (البحلقي) الجمركي ارتفع، والمواطن المحتاج ليس لديه قدرة على النقاش والبحث في قائمة السلع التي يسري عليها هذا السعر أو ذاك، وإذا عرف من يحمي هذا المواطن المستهلك ويقف إلى جانبه؟ وزير المالية سيقول –وكما قال– أنا أصدرت القرار لحماية المنتج المحلي وتشجيع التصدير أما موضوع ارتفاع الأسعار فهذا ليس من شأني ولا من اختصاصي.. هذا في دائرة اختصاص وزارات أخرى.. التموين والصناعة والتجارة، والأجهزة الرقابية.. أنا مسئول عن تدبير أموال للموازنة العامة فقط! الحكومة متضامنة ستخرج وتنبه وتحذر التجار –كما تفعل دائما– من ارتفاع الأسعار خصوصا للسلع التي يتم محاسبتها بالسعر الجمركي المنخفض، وكما تعودنا على مثل هذه التصريحات الجوفاء.. لن يحدث شيء وسيمارس التجار هوايتهم في جني أكبر مكاسب من وراء هذا القرار وليذهب المستهلك إلى الجحيم! في بلدنا كثير من القرارات جيدة في ذاتها وفي مصلحة الجميع.. لكن آثارها الجانبية وطرق تطبيقها ومتابعتها تسكنها الشياطين ويدمر هدفها تجار ومافيا لا يراعون الله في المواطن ولا تسكن قلوبهم رحمة ورضا بالقليل من الربح خصوصا في الحالة التي يمر بها الوطن ! ما يعنيني ويعني الغالبية من الشعب هو الأسعار التي تتحرك بسرعة لمجرد الإعلان عن قرار وزير المالية الخاص بالدولار، واكتفاء الحكومة بتحذير من يرفعون الأسعار، ما يعنيني أن تبحث الحكومة عن طريقة لخفض الجمارك على سلع ضرورية لم يعد المواطن قادرا على شرائها.. هل يمكن أن يرتفع سعر الفول إلى هذا المعدل فيرتفع معه ساندويتش الفول وقرص الطعمية؟ مثال صارخ على انفلات أسعار تعجز الحكومة عن مواجهته! حرب مواجهة الجشع والتلاعب في قوت الشعب هي حرب شرسة تحتاج قوانين تعاقب بعقوبات مشددة تحقق الردع أولا، والعقاب يكون على الجميع.. الكبار قبل الصغار وإلا فلا حديث عن عدالة من أي نوع!