سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكومة الجزر المنعزلة.. تصريحات يتم إطلاقها دون دراسة ووعي تتسبب في فقدان الثقة بين المواطن والدولة.. «توفيق»: يجب إعداد دراسات دقيقة للمشروعات قبل الإعلان عن تنفيذها.. والصرف الصحي أبرز النماذج
سيطرت حالة من الغضب والدهشة على عدد من الخبراء والأكاديميين والمراقبين أعضاء مجلس النواب بسبب ما وصفوه بتضارب تصريحات وزراء الحكومة حول توقيت جني ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت الحكومة تنفيذه في الفترة الأخيرة، ففي الوقت الذي طالب فيه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال زيارته لسوهاج الأسبوع الماضى بالصبر 12 عاما لجني مكاسب الإصلاح والتنمية خرج بعض الوزراء ليؤكد أنه خلال عام ونصف أو عامين على الأكثر سيشعر المواطن بما تم من إنجازات. وشدد الغاضبون والمندهشون على أهمية التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة في الإعلان عن خطط التنمية وتحسن الأوضاع، وضبط التصريحات الرسمية فيما يتعلق بانعكاس خطوات الإصلاح على حياة المواطنين، مؤكدين في الوقت نفسه أن التصريحات غير المسئولة تؤكد أن الحكومة تعمل في جزر منعزلة بما يساهم في انتشار الشائعات وحدوث حالة من البلبلة. تصريحات مشابهة تصريح "مدبولى" لم يكن بطبيعة الحال الأول من نوعه، فقد سبقته تصريحات أخرى متشابهة المضمون لوزراء في الحكومة الحالية، مثل: وزراء النقل والتموين والآثار، وفى الحكومة السابقة مثل: وزيرى التموين والبيئة. وجميع تلك التصريحات تتقاطع في أمرين، أولهما: عدم التنسيق وغياب الشفافية والعشوائية والتضارب، والثانى: تأجيل أحلام عموم المصريين وطموحاتهم في التمتع بحياة هادئة وكريمة إلى أجل غير مسمى، لأن تضارب المواعيد والتواريخ المذكورة في تصريحات كبار المسؤولين تؤكد أن المصريين ينتظرون ما لا يجئ. تحت الوصاية في البداية وصف الدكتور سمير غطاس، عضو مجلس النواب حكومة المهندس مصطفى مدبولي بأنها امتداد لحكومة شريف إسماعيل، تعمل بنفس التهريج في إطلاق تصريحات غير معتمدة على أي دراسات، مشيرا إلى أنه لا يستبعد تغييرها خلال الفترة المقبلة. وأوضح غطاس أن هناك تناقضا واضحا بين تصريحات الحكومة، متسائلا: "كيف نشعر بالاستقرار والإحساس بالتنمية بعد 12 عاما؟، وفي نفس الوقت هناك حديث عن إنجازات خطيرة في مجالات الغاز والبترول، وإذا كانت هناك إنجازات كما تدعي الحكومة فلماذا الاستقرار يكون بعد 12 سنة؟ ولماذا أيضا لا تنعكس هذه الإنجازات على المواطن المصري". وفسر "غطاس" تصريحات رئيس الحكومة بأنها تمهيد للبقاء في المنصب طوال هذه المدة أملا في جني الثمار مع الشعب، ولكن المواطنين لن ينتظروا كل هذه المدة، مشيرا إلى أن الشعب يبحث عن استقرار في الأسعار وتوفير للخدمات. وأشار إلى أن حكومة مدبولي تعمل تحت وصاية صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن هناك مراقبا من الصندوق موجود في مصر لمتابعة كل ما يتم تنفيذه من أوامر. وأوضح غطاس، أن الفترة الماضية شهدت اكتشافات في الغاز والمواد البترولية وكذلك ارتفعت عائدات قناة السويس وعوائد السياحة وهذا يدل على أن هناك تحسنا في الأوضاع الاقتصادية، فلماذا لا ينعكس هذا على أحوال المواطنين في تثبيت الأسعار على أقل تقدير. وشدد غطاس على أن صدور تصريحات متناقضة من وزراء الحكومة يثبت أنها لا تعمل وفق خطة واضحة الملامح، والدليل رئيس الحكومة يقول بعد 12 سنة، ووزير النقل يقول: استنوا سنة ونص، "طيب نصدق مين؟". وتابع: "من المعلوم في خطط التنمية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل أقلها 3 سنوات وأقصاها 7 سنوات، فمن أين جاءت 12 سنة التي تحدث عنها رئيس الحكومة". حكومة متنافرة واتفق معه في الرأي النائب محمد العتماني، عضو تكتل 25/30 في مجلس النواب، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية متنافرة، وكأنها تعمل في جزر منعزلة، قائلا: "هناك حالة من التخبط بين أفراد الحكومة ولا يوجد ترابط لضبط التصريحات، كل وزير يقول كلام على غير الحقيقة ومختلف عما يقوله الوزير الآخر". ودلل العتماني على كلامه بالتناقض في شأن الحديث عن الاكتفاء الذاتي من الغاز 2018، ورغم ذلك ما زلنا نعاني من ارتفاع في الأسعار، مشيرا إلى أن الاستقرار وتحقيق التنمية الحقيقية يجب أن يكون وفقا لخطط مدروسة. وأوضح أن التصريحات غير المسئولة والمتناقضة سبب أساسي في فقدان الثقة بين المواطن والحكومة، وهو ما يكون سببا في انتشار الشائعات بصورة كبيرة في المجتمع لأن من يمتلك المعلومة الصحيحة يكون غير صادق. وأشار إلى أن الحكومة لا تلتزم بالدستور في كثير من الأحيان، فمثلا فيما يتعلق بالتأمين الصحي تم الإقرار بحق كل مواطن في التأمين الصحي، إلا أن قانون الحكومة جاء بالتنفيذ على مدار 15 عاما، علما بأنه من البداية 58% من المصريين تحت مظلة التأمين الصحي، أي أن الحكومة ستقوم بتغطية 48% من الشعب خلال 15 سنة، علما بأنه بهذه الطريقة لن تستطيع الحكومة تنفيذ ما جاء في القانون بسبب عدم الالتزام بالنسب الدستورية المقررة في الدستور لقطاعي الصحة والتعليم. وأضاف: "للأسف لا توجد لدينا حكومة منذ ثورة يناير وكل الحكومات مجرد تسيير أعمال لأنها تعمل بدون خطة". غياب الشفافية على جانب آخر، أكد عمرو الجوهري، عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان، أن تصريحات المسئولين في كثير من الأحيان وغياب الشفافية يكون له تأثير كبير في انتشار الشائعات بصورة تؤثر سلبا على المجتمع المصري. وأضاف: "من المفترض أن الحكومة تعمل وفق خطة زمنية مدتها 4 سنوات وافق عليها البرلمان فمن أين جاء رئيس الحكومة ب12 سنة؟، مشيرا إلى أن تحديد فترة زمنية لإنجاز معين يجب أن يكون وفقا لدراسات علمية واضحة وليس مجرد تصريحات للشو الإعلامي. وتابع: "مينفعش كل شوية أقول للمواطن استنى 6 شهور أو سنة أو اتنين، المفروض يكون فيه عمل وفي النهاية المواطن بنفسه يحكم على تحسن الأوضاع مع إحساسه بأن هناك تحسنا في ظروفه المعيشية والخدمات المقدمة له". وأشار الجوهري، إلى أن الحكومة من المفترض أن تقدم للرأي العام تقارير ربع سنوية تعلن من خلالها ما تم إنجازه خلال هذه الفترة، ولكن غياب الشرح والتفاصيل من الحكومة يؤدي لانتشار أخبار غير صحيحة مثلما حدث في موضوع الضريبة العقارية على سبيل المثال. مسئولون عشوائيون من جانبه أكد الدكتور سعيد توفيق، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس، أن مثل هذه التصريحات عشوائية وتهدف للشو الإعلامي فقط، مضيفا أنها تؤثر سلبا على المواطنين. وأضاف "توفيق" أن الوزراء يعتمدون في إطلاق مثل هذه التصريحات على المستشارين الذين تم تعيين غالبيتهم على أساس الثقة لا الكفاءة والخبرة، مشيرا إلى أنه يجب أن يراعي المسئول أو الوزير عند تعيين المستشارين معياري الكفاءة والخبرة. ولفت إلى أنه يجب على الوزير أن يجري الدراسات اللازمة للمشروعات بدقة وأن يضع لها فترة "حيطة وحذر" ومن ثم يعلن عن موعد انتهاء المشروع أو جني ثماره، مضيفا أن فترة الحيطة والحذر تستهدف مواجهة العقبات المفاجئة التي تظهر عند تنفيذ المشروعات. وأوضح أن الوزير مسئول في الدولة ولا يجوز له أن يطلق الوعود الزائفة وإلا سيفقد ثقة المواطنين فيه. وأكد أنه يجب على الوزير في حالة إطلاق أي مشروع جديد أن يراعي تنفيذه على مراحل وأن يعلن للمواطنين كل مرحلة بصورة منفصلة وفي حالة التأخير يعلن ذلك للمواطنين بكل شفافية ووضوح وأن يوضح أسباب التأخير وأن يشركهم في حل الأزمة، مشيرا إلى أن إشراك المواطنين في حل أزمات البلاد يزيد من انتمائهم لوطنهم ويجعلهم مسئولين عن تقدمها ورخائها. وأوضح أن مصر تحتاج من 7 إلى 10 سنوات لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة التي يشعر بها المواطن بحيث يتم تحسين الخدمات والقضاء على البطالة وانخفاض الأسعار وزيادة الدخل، وأكد أن مصر تمتلك أيادى عاملة ماهرة وموارد طبيعية ومؤهلة لتحقيق طفرة اقتصادية لكن بشرط العمل بجدية وتقليل الكثافة السكانية من خلال تشجيع الأسرة على تنظيم النسل. وأشار إلى أن الحكومة اتخذت خطوات جيدة للإصلاح الاقتصادي من خلال طرح أسهم شركات القطاع العام في البورصة، مشيرا إلى أن هذا الإجراء يؤدي إلى إشراك القطاع الخاص للحكومة في إدارة الشركات ومن ثم تحسين مستوى الإدارة بما يعود بالنفع على الاقتصاد. وأشار الدكتور حمدي عرفة أستاذ الإدارة المحلية وتطوير المناطق العشوائية، أنه يجب على المسئولين التوقف عن إطلاق الوعود الزائفة. وأكد أن الوزراء ورثوا تركة ثقيلة امتدت لعشرات السنوات، وبالتالي مع تنفيذ برامج الإصلاح قد تواجههم عقبات لكن يجب إعلانها للرأي العام. ولفت إلى أنه لا يمكن تغطية الجمهورية بخدمة الصرف الصحى إلا في مدة قد تصل إلى 15 سنة. ودعا "عرفة" الوزراء إلى إعداد دراسات جدوى بالمشروعات لمعرفة الوقت المحدد لتنفيذ المشروع، وأكد إمكانية إعداد جدول زمنى لها وتنفيذها على مراحل معينة وإعلان كل مرحلة على حدة حتى يمكن تحديد وقت إنجاز هذه المراحل بدقة. وأوضح أن مشروعات الطرق والخدمات تحتاج ما يقرب من 3 سنوات لتحقيق طفرة فيها، مؤكدا أن المحليات تعاني نقصا في الخدمات العامة خاصة في الصعيد حيث إن الوحدات الصحية غير مؤهلة لاستقبال المرضى بالإضافة إلى نقص المدارس ومشكلات الكهرباء والمياه. أذى نفسى وعن التأثير النفسي للوعود الزائفة على المواطنين قال الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي، إن الوعود الزائفة التي يطلقها الوزراء تتسبب في أذى نفسي كبير للمواطن. وأشار إلى أن المواطن يفقد الثقة في المسئول بسبب التصريحات الزائفة، مؤكدا أن الوزير الذي يطلق مثل هذه التصريحات يتسبب في إضرار نفسه سياسيا لأن المواطن قد يخدع مرة منه لكنه لن يخدع عدة مرات. وأوضح أن الشخص المحبط نتيجة تصريحات المسئولين الزائفة تجعله لا يستطيع القدرة على العمل بكفاءة ومن ثم تراجع الإنتاج وسوء الخدمات. وأوضح أن كثرة هذه الوعود تؤدي إلى فقدان المواطن انتمائه لوطنه وبالتالي يفكر في الهجرة أو الحصول على فرصة عمل في الخارج. "نقلا عن العدد الورقي..."