فى أحد مقالات يوسف إدريس التى نشرت بمجلة "كل الناس" روى الدكتور يوسف إدريس صفحات مجهولة من حياته حول فترة سجنه تحت عنوان "سجن القلعة" كتب يقول: كان سجن القلعة فترة مؤقتة يرحل بعدها المعتقلون إلى السجون، وكانت الثورة قد بدأت الاعتقالات، وكان من نصيبى سجن "الأوردى" وهو قرب أبو زعبل، ووضعت فى عنبر "ب" الذى يضم من ليس لهم انتماء سياسى، ومرت الأيام كئيبة فالطعام لا يزيد عن حلاوة طحينية وطعمية، وبالرغم من حبى الشديد للحلاوة، فإننى لم أكن أتصور أن يأتى يوما وأكرهها فيه هى والطعمية، حتى إنى ظللت لمدة سنة ونصف لا آكل غيرهما. كنت فى السجن أقوم برعاية زملائى من الناحية الطبية، وذات صباح قيل لنا أنا وزميلى حمزة البسيونى الشاب التقدمى، سيفرج عنا، لكن يا فرحة ما تمت؛ فقد نقلنا إلى سجن مصر، وإذا بنا فى غرفة بها سبعة معظمهم يبصق دما فقمنا بتحريض المساجين حتى أحضرت إدارة السجن سيارة أشعة جماعية وتبين إصابة 65 سجينا بالسل، وتم عزلهم وإرسالهم إلى مستشفى الصدر بالهايكستب، وبدانا انا وحمزة نحث السجناء على الخروج إلى الهواء، والمطالبة بتحسين نوع الأكل، شعر المسئولون فى السجن أننى وحمزة سبب هذه القلاقل، فبدأوا الخطوات التأديبية، فتم فصلنا عن بعض وحلقت رءوسنا وأضربنا عن الطعام، وبعد24 ساعة فوجئت بحمزة ينقر على الحائط الذى يفصل بينى وبينه وقال إن ضربات قلبه تزيد فكدت أجن ولم أجد نفسى إلا وأنا أطرق الباب بشدة فكان أن علقنى النوبتجية من رجلى وضربونى ثلاثين خرزانة، ومن حسن حظى لم أشعر برجلى بعد الضربة السابعة كما رشت أرض الزنزانه بالماء، بشاعة ما بعدها بشاعة وفى اليوم التالى خرج المساجين يحيونا فى الحوش على شجاعتنا فقد رفضنا أن نقول الكلمتين "أنا مرة، أنا ست"، وبدأت التهانى بإعطائى علبة سجائر، فجأة أبلغونى بالإفراج عنى ثم نقلت إلى المباحث العامة بقصر عابدين ووجدت أن صلاح سالم يجرى مباحثات الوحدة مع السودان، ولكن السودان أثار مشكلة المعتقلين، وأولهم أنا فقرر صلاح سالم أن يفرج عن المعتقلين من الأدباء والكتاب، ويرسلهم إلى السودان لذلك أخذونا إلى عابدين لمقابلة صلاح سالم، وكنا فى حالة يرثى لها نرتدى بيجاما ممزقة حفاة القدمين حليقى الرءوس على "الزيرو"، عرض علينا الأمر لكننا رفضنا خداع أشقائنا السودانيين فأعطانا مهلة أسبوعا، وسلم ربنا وخرجنا من المعتقل واستقال صلاح سالم، وعدت إلى عملى مفتش صحة الدرب الأحمر