العالم القبطى المصرى الدكتور رأفت واصف حصل على العديد من الجوائز فى مجال الفيزياء وهو شخصية وطنية بامتياز، فرغم أنه مسيحى إلا أنه يحب الأزهر ويقدر دوره التنويرى فى الحفاظ على الإسلام الوسطى، لذا تبرع ب 50 ألف جنيه لإنشاء قناة فضائية خاصة بالأزهر. «فيتو» التقت واصف وكان هذا الحوار: ما قصة مساهمتك فى فضائية الأزهر المزمع إطلاقها؟ - علمت بإنشاء جبهة للدفاع عن الأزهر الشريف من خلال إحدى الفضائيات، وأن هناك مؤتمرا فى نقابة الصحفيين لتدشين الجبهة، ولأننى مصرى يغضبنى ما يخرج من أفواه الذين يفتون فتاوى خاطئة فى الفضائيات الدينية تنشر البغضاء والكراهية، فقد قررت أن أساهم مع جبهة الدفاع عن الأزهر بما يمكننى فعله، لذا اقترحت إطلاق قناة فضائية تكون منبرا للأزهر الشريف، حتى يمكن تصحيح وتصويب هذه الفتاوى المضللة الخاطئة، وعرضت المساهمة بمبلغ خمسين ألف جنيه، وكان الهدف هو فتح باب التبرع لإنشاء هذه القناة، وأعتبر هذا واجبا علىّ كمصرىّ، فأنا كقبطى أعتبر أن الأزهر السند لجميع المصريين، وصحيح الإيمان ضرورى حتى تستقيم الحياة فيما بيننا فى مصر، وقد أسعدنى إعلان شيخ الأزهر الجليل أحمد الطيب عن تشكيل لجنة ثلاثية للبدء فى إنشاء القناة. ماذا يمثل الأزهر بالنسبة لك فى الماضى والحاضر؟ - عاصرت حقبا كثيرة، منذ عهد الملكين: فؤاد وفاروق والرؤساء: محمد نجيب وجمال عبدالناصر والسادات ومبارك ومرسى، وفى كل تلك الحقب كان الأزهر منارة دائمة للهداية، وكان سندا للمصريين جميعا، وبالرغم من حدوث بعض الاحتقانات السياسية فى بعض هذه الحقب، لكن لم يحدث قط ما نشعر به هذه الأيام من احتقان دينى يجعلنى أخاف وأنا نائم فى سريرى أو على زوجتى وأبنائى وأحفادى، وكل ذلك لم يكن ملحوظا فى الحقب الماضية التى عشتها والغريب أن الثورة قامت لإزالة الفساد، لكن فساد الفتاوى ظهر. كيف كان الترابط والتآلف بين المسلمين والأقباط قبل حكم الإخوان؟ - لم نكن نشعر بأى فارق بين المصريين، بسبب اختلاف الدين، كان المنزل الواحد يضم أناسا مختلفين فى الديانة، الدين كان مسألة شخصية بحتة، لأن الدين لله والوطن للجميع، فالله يحاسب كل إنسان على ما يفعل وفقا لدينه، والمهم الفعل، فالله محبة، وكما كنا نقول«الدين المعاملة»، وما دمت أتعامل بحسن النية مع جارى فهذا هو صحيح الدين، لكن إذا حاولت أن أفرض نفسى على الآخرين فهذا ليس من الدين كما يحدث حاليا من بعض القنوات التى تحاول إعطاء فتاوى خاطئة فيها إملاء لبعض الأمور على المصريين، هذه أمور خاطئة ويجب أن تتوقف، ومنبر الأزهر سيكون هاديا لهؤلاء، وتكون المرجعية لدار الإفتاء المصرية، وأهنئ المصريين جميعا لانتخاب المفتى الجديد الدكتور شوقى عبدالكريم، وسعيد أن أجد فى هذا الصرح شيخا مثله يقول الحق وينبذ الفتاوى الضالة. كيف كان التعايش بين أبناء الوطن قبل ظهور مصطلح "الفتنة الطائفية"؟ - الفتنة الطائفية» مصنعة «أي أنها كانت سياسة, وكان الحكم القائم عندما يُضرب في جانب يحاول التنفيس عن الضغط الشعبي القائم, بافتعال فتنة ما كحرق كنيسة أو غيره , كان هذا في عهد مبارك, لكن قبل ذلك ما كنا نسمع أبداً عن فتنة, وكانت العلاقات حسنة لدرجة أن الجار القديم كان يتولي إطعام جاره الجديد لمدة أسبوع حتي تستقر أموره في المسكن الجديد, وهذا نوع من العلاقة الحميمة بين الناس . ماذا عن العلاقة بينك وبين أصدقائك من المسلمين في فترة الطفولة والشباب؟ - طوال طفولتي لم أشعر إطلاقاً أن هناك مسلماً وقبطياً أو يهودياً, فقد كنا في المدرسة معاً, وقد ولدت بحي الظاهر, وعشت في شبرا, وتعلمت في مدرسة شبرا الثانوية والتحقت بجامعة القاهرة بكلية العلوم, وانتقلت من شبرا للجيزة عام 1959, وأذكر أننا كنا دائماً في المناسبات, كان هناك تقارب واختلاط إلي حد الحميمية, وكانت هناك سيدات مسلمات من أصدقاء العائلة , كن يصمن معنا صيام العدرا, وفي الأعياد كنا معاً وفي رمضان خصوصاً وعيد الأضحي وفي عيد الميلاد, فكانت باستمرار أفراحنا مشتركة, ولم يكن هناك انقسام علي الإطلاق, لدرجة أنني لا أتذكر أن هناك حادثاً واحداً وقع في طفولتي منذ 80 عاماً أدي لوجود حساسية بين قبطي ومسلم. ماذا عن دور العبادة هل كنتم في الشباب تذهبون للمساجد أو الكنائس معاً كأقباط ومسلمين وهل كنت تفضل سماع سورة ما في القرآن؟ - كنت في المجر في الستينيات, وتوفي والدي وكنت أسير أبكي في الشارع, وكان الراديو يذيع القرآن في الصباح, وكنت أستمع للقرآن وأنفعل وأبكي, كان القرآن بالنسبة ليّ مُسكناً لروحي, فقد كنت في الغربة وحدي, ولم يكن هناك من يُعزيني, فكانت الوحدة قاسية, والذي كان يهدئ من حزني هو سماع القرآن من راديو إذاعة مصر, وكان ليّ صديق حميم جداً, وكان أستاذ طب العيون في جامعة الأزهر - رحمه الله - إنه الدكتور عبدالعزيز محمد عبد العزيز, وحتي الآن أذكر أيامه وأتخيل وجوده بجواري, وكان يأتي معي لنذهب إلي دير مارمينا في برج العرب بالساحل الشمالي, وكان يدخل ويوقد الشموع , وكنا نفطر معاً في الدير, الذي يقدم وجبة إفطار لمن يرتادونه, وكنا معاً أكثر من أخوة, ومازلت حزينا علي رحيله حتي الآن, وهذا هو نوع العلاقة التي كانت موجودة في حياتي, لا تفرق بين مسلم وقبطي,« لكم دينكم وليّ دين». ما الحل لنعود كنسيج الأمة الواحد دونما أن يكون بيننا شقاق؟ - الحل في المحبة ,وهي الستارة للعيوب, ولو أحببت جاري وزميلي وحافظت علي ماله وعرضه, وشعر هو بهذه المحبة فسيعطيني حتماً محبته, مع إنكار الذات وأيضاً المعايشة, ولدرء الفتن من خلال الأزهر الشريف, بحيث يكون هو المتحكم في صحيح الدين بالنسبة للناس, التي تخرج علينا الآن, فالناس زمان كانت متدينة, وليست كما يقول الرئيس الحالي إنهم سيقوموا بإدخال الإسلام لمصر, ففي الماضي كان المسلمون والأقباط متدينين جداً, والعودة تأتي عن طريق عودة كل منا لدينه الحقيقي, ومفهومه الصحيح للدين, ولدينا مشيخة الأزهر ودار الإفتاء والكاتدرائية والكهنة.