لن تذهب إلى مكان يتجمع فيه جمع من الناس؛ سواء من المثقفين ورجال الفكر والسياسة والقانون والأقارب والعامة، إلا وتجد السؤال عن مستقبل مصر حاضراً وملحا، صريحاً فى معظم الأحوال: "إحنا رايحين فين"؟.. تلك هى المسألة التى تطرح بكل ما فيها من؛ شك وخوف، وأحياناً بما فيها من اتهامات وغموض فى حياتنا، سواء كان مقصوداً أو غير مقصود. ولعل مشكلة السؤال الكامنة؛ ليست معرفة الإجابة، وإنما فى الحقيقة المرة؛ أنه لاتوجد لدينا صورة واحدة واضحة عن المستقبل المصرى، وإنما مجموعة من الصور التى تختلط فيها الآمال والطموحات والخيال والكوابيس وأضغاث الأحلام. أما رؤية الحاضر.. فهناك أزمة فى البلاد، بل أزمات، وحالة من الاحتقان والتخوين وانعدام الثقة، واتجاه نحو الاستقطاب، وتصاعد فى العنف والتصادم الدموى لمجرد الخلاف فى الرأى، واتجاه نحو كارثة من نوع أو آخر.. طالما أن طرفى الحلبة السياسية عاكفان على معتقد واحد؛ لايبرحانه ؛"إن صاحب الرأى المخالف؛ ربما يكون متحالفاً مع الأعداء أو مفرقاً لشأن الأمة". وطالما أن الطرف الثانى.. مازال منفكاً على الشفوية الإذاعية والإعلامية، والمعارك الكلامية الفضائية، والمظاهرات والاعتصامات المتكررة، دون مبرر لها، وتجلب لهم وحولهم الباعة الجائلين' والبلطجية والمنتفعين بالفوضى وتعطيل مصالح العباد، وتفقدهم تأييد الطائفة الوحيدة الحريصة دائماً على إلادلاء بصوتها فى الانتخابات، ولا تهتم ولا يعنيها أحاديث النخبة السياسية، وتناظر الفقهاء وفرقعة الفضائيات وهتاف المظاهرات. فإصلاح الأحوال فى مصر؛ وخروجها من كبوتها الحالية لن يحدث؛ ما لم تنقلب أحوال الأحزاب والتيارات الليبرالية المعارضة؛ إلى حالة سياسية تصل إلى الناس، حيث يوجدون، وباللغة التى يعرفونها ويفهمونها، والاعتصام خلف مرشح واحد لهم، بكل دائرة انتخابية، والابتعاد كل البعد عن الأنانية، وحب الذات، والتناحر بمئات المرشحين، الذى يصب فى مصلحة مرشح الحزب الحاكم دائما، والاستعداد للانتخابات القادمة بدلاً من افتراش الطرق والنوم بالميادين، والجلوس أمام وخلف الكاميرات والشاشات وكثرة الاعتراض والصراخ، وانتظار الفشل، فالتجربة أثبتت رسوب كل من سلك هذا المسلك، فقد اقترب ميعاد الامتحان، ويومها يكرم السياسى أو يهان، فغيروا من أنفسكم، فالشعب يريد قوت يومه، والأمن فى سربه، ولن يتحقق ذلك بالكلام، والهتاف والاعتصام، وتعطيل العمل، فماذا أنتم فاعلون له، ليحملكم إلى مقاعد السلطة؟. وطالما أن الطرف الأول يريد من الديمقراطية ما يكفى فقط؛ لكى يحملهم إلى السلطة والمقاعد البرلمانية، بعد أن أورثهم الله ملك من قبلهم، فاتبعوا سنتهم فى تفصيل التشريعات وشخصنتها، وتولية أهل الثقة والجماعة ومحاربة طواحين الهواء الإعلامى، والانشغال بصغائر الأمور، ونبش القبور والانتقام والثأر ممن ظلمهم، بدلاً من الانشغال بعظائم الأمور، وهى توفير الغذاء والأمن للشعب، أسوة بما فعل نبى الله يوسف عليه السلام، لما مكن الله له فى الأرض وجعله على خزائن الأرض، فلم يلتفت نهائياً للثأر ممن ألقوه فى غيابة الجب والسجن، وإلى مكر وتآمر كهنة معبد آمون. ولن تخرج البلاد من كبوتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الحالية، مالم يتحول حزب الأغلبية لكى يكون أقرب إلى النموذج التركى، ويتخلى عن تراث الاتحاد الاشتراكى، والحزب الوطنى، ويبسط الأمن والأمان بالبلاد، وينتصر أولا على البلطجية والباعة الجائلين، وأصحاب المقاهى الذين احتلوا وفرضوا نفوذهم وسيطرتهم على الطرق وكافة الميادين ومحطات المترو والقطارات، وجعلوها أسواقاً عشوائية وجراجات، وفرضوا الإتاوات على الناس بالقوة، تحت سمع وبصر الأغلبية والمعارضة قبل سلطات الدولة الوهنة، وإنقاذ الاقتصاد المصرى الذى أوشك على الانهيار، والسيطرة على فوضى استيراد السلع المستفزة من الخارج، وإهدار العملات الصعبة فى ظل انخفاض الاحتياطى النقدى من العملات الصعبة إلى حد الخطورة ، قبل ممارسة استعراض العضلات على المعارضة والخصوم السياسيين، ومحاصرة مؤسسات الدولة وتعطيلها، فمن السهل أن تقع الكتلة العظمى من الأمه ضحية كذبة كبيرة. ولقد آن الأوان لكل الرجال الأخيار المخلصين أن يقولوا قولاً، وأن يفعلوا أمراً للوطن، لكى يكون قادراً على الارتفاع على أكتاف العظماء، لينظر إلى بعيد؛ حيث المستقبل الباهر إن شاء الله.