رئيس جامعة القاهرة: سددنا 3 ملايين جنيه مصروفات لغير القادرين أعلن الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، وضع تحديث جديد للخطة الإستراتيجية للجامعة، في إطار التزامها بما تم إعلانه في أغسطس 2017 بتحويل الجامعة لجيل ثالث من الجامعات المتطورة في العالم. وأكد الدكتور محمد عثمان الخشت ل"فيتو" أنه من المعروف دوليا أنه لا توجد خطة إستراتيجية نهائية ومقدسة، فكل الجامعات الكبرى تحدث خططها سنويا طبقا للمتغيرات المختلفة في الواقع سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ومواكبة للتغير في التحديات الناشئة والتسارع العالمي من أجل التطوير، والاستفادة من تجارب الآخرين. وأشار إلى أن هذه الخطط تنظر إلى العديد من المتغيرات المتجددة في كل مؤسسة سنويا؛ ولذا كان من الضروري تقديم هذا التحديث الكبير لخطة الجامعة الإستراتيجية في ضوء مفهوم جامعة الجيل الثالث والتحديات القومية الراهنة والمتغيرة. وتنشر "فيتو" المقدمة الجديدة لخطة "جامعة القاهرة والدخول إلى عصر الجيل الثالث" التي وضعها رئيس جامعة القاهرة الذي قال :" أعلنت في بداية أغسطس 2017 في المؤتمر الصحفي الأول عند تشرفي برئاسة جامعة القاهرة، عن استهدافنا للدخول إلى عصر (جامعة الجيل الثالث)، وكان هذا أول طرح في العالم العربي لهذا المفهوم، على الرغم من أنه مفهوم منتشر في الغرب، ونحن لم نستهدف هذا بشكل حرفي، بل طورنا المفهوم ليشمل محاور إضافية، من أهمها": - محور التنوير وتغيير طرق التفكير وتطوير العقل المصري وتأسيس تيار عربي حداثي عقلاني. - محور ربط التعليم بنظرية التنمية الشاملة، والتوسع في المشروعات الجامعية ذات البعد القومي. - محور إنتاج عقول مفتوحة وإزاحة التعليم المولد للإرهاب. - محور التوسع في الأنشطة الإبداعية وإعادة تشكيل الوجدان. - محور أخلاق التقدم. وأضاف: "توسع معنا مفهوم جامعة الجيل الثالث ليشمل التحديات القومية الراهنة غير المندرجة في محاور جامعة الجيل الثالث بالمفهوم الغربي، بجوار عناصره التقليدية في الغرب". وتابع: "أسعدني تجاوب مجموعة كبيرة من العلماء والباحثين مع الرؤية الجديدة لجامعة القاهرة، والعدد الكبير من الأبحاث والمقالات التي تمت كتابتها ونشرها حول هذه الرؤية، فلا شك أن عملية التطوير غير ممكنة دون انتشار الأفكار، ودون فهم الرأي العام لها، وكل تطوير وتجديد يبدأ بالأفكار وفهمها والإيمان بها، وكل تجارب التجديد التي لا يفهمها ويتفهمها الناس تفشل". وقال الخشت: "هنا لا بد من التأكيد على أن جامعة القاهرة يجب أن تتجاوز دورها التعليمي الحالي إلى خدمة الأهداف القومية والوطنية. ولذا يتحتم الدخول بها إلى عصر "جامعة الجيل الثالث"؛ حيث إن "جامعة الجيل الأول" تهدف فقط إلى التعليم ودورها هو الدفاع عن الحقيقة، والتدريس فيها بدون تخصصات دقيقة، وتنتج موظفين، والتوجه فيها محلي، وتتكون من كليات، والإدارة فيها تقوم على عمليات إدارية بسيطة". وأكد أن "جامعة الجيل الثاني" فتهدف إلى التعليم مع البحث العلمي، ودورها هو اكتشاف الطبيعة، والتدريس فيها وفق التخصصات الدقيقة، وتنتج موظفين وعلماء، والتوجه فيها إقليمي، وتتكون من كليات، والإدارة فيها بيروقراطية. وأشار إلى "جامعة الجيل الثالث" تهدف إلى الجمع بين التعليم والبحث العلمي واستغلال المعرفة؛ ودورها هو إنتاج قيمة مُضافة للاقتصاد، والتدريس فيها يقوم على التخصصات البينية، وتنمية فكر ريادة الأعمال وإدارة المشروعات والبرامج التدريبية للإعداد لسوق العمل، والتدريب على المشروعات الإنتاجية الصغيرة، وتنتج موظفين وعلماء ورواد أعمال، والتوجه فيها عالمي، وتتكون من كليات ومعاهد بحثية، والإدارة فيها تقوم على حوكمة الإدارة الأكاديمية والأخلاق العالمية وأخلاقيات الأعمال. وأضاف رئيس جامعة القاهرة أنه لا يمكن تحقيق هذا فقط بتطوير النظم التعليمية والبحثية فقط، بل لابد من النظر إلى التعليم والبحث العلمي كقاطرتين لتحقيق "الأمن القومي" بمفهومه التنموي الشامل، وباعتباره تنمية علمية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، تنمية للموارد والقوى المختلفة، تنمية للدولة والمجتمع والثقافة، وتنمية للعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية. وأشار إلى أهمية الدور الريادي والمسئولية القومية لجامعة القاهرة؛ لأن مفهوم الأمن القومي لم يعد مقصورا على حماية الأرض من التهديدات الخارجية، فمع تطور مفهوم قدرة الدولة اتسع مفهوم الأمن القومي ليشمل القدرة الشاملة للدولة والمؤثرة على حماية معتقداتها وقيمها وأراضيها ومصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من التهديدات الخارجية والداخلية. وأكد أنه يمكن القول إن الأمن القومي تجاوز مفهوم الحماية بمعناها الواسع، إلى مفهوم التنمية الشاملة وبناء الدولة المصرية القوية. وأضاف أنه لابد أن تكون النّظرة المستقبليّة هي الحاكمة لمسيرة التعليم في جامعة القاهرة، فالتحدي القومي أصبح هو بناء إنسان مصري جديد وكوادر وطنية فنية مدربة لتحقيق التنمية وتأسيس دولة حديثة، بواسطة استحداث مناهج جديدة قائمة على أسس النمو في تصميم المشاريع البحثية، والتميز في أداء الباحثين والطلاب، والتطور في النظام الإداري، والبحث في قضايا الدولة، وتشخيص الاحتياجات، وأصبحت سمة العلم الجديدة هي"التطبيق" أو بلغة الاقتصاد "العائد الفوري". وأشار إلى أهمية تغيير طريقة التفكير عند الطالب، وبناء شخصية مسئولة واعية؛ من أجل نهضة حقيقية، فمؤسسات التعليم- من الحضانة إلى الجامعة - ليست مجرد مؤسسات لنقل المعارف إلى أبنائنا، بل مؤسسات وطنية نهضوية يقع العبء الأكبر عليها في بناء شخصية المواطن بوصفه جوهر الدولة، وأساس الأمن القومي، لا بوصفه إرهابيا يكفر كل من حوله ويستحل دمه. وأكد أن الجامعة تأمل الجامعة في الوصول إلى درجة النموذج المثالي للمؤسسات العاملة في استغلال المعرفة وإنتاج قيمة مُضافة للاقتصاد وتقديم الاستشارات الإستراتيجية والتوسع في العمل المجتمعي والشراكة مع المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية والمجتمعية ذات التوجهات الوطنية. وأضاف إن التحدي القومي يجب أن يتبلور في بناء إنسان مصري جديد وتحقيق التنمية وتأسيس دولة حديثة، ولذا فالمرحلة الراهنة تطرح تحديات عديدة: كيف يمكن تركيز الاهتمام في التعليم على طرق التفكير وكشف الحقائق وتأسيس روح الابتكار، وليس التلقين والحفظ أو السمع والطاعة.. من أجل توسيع المعارف البشرية، وتعزيز قدرة الطلاب والباحثين على استغلال هذه المعارف لتحقيق الأهداف الحيوية للوطن؟ وأشار إلى أن هذه التحديات تشمل: " كيف نوفر المناخ الأمثل لجودة العملية التعليمية؟ وكيف يمكننا أن نصل بخريجينا إلى المستوى العالمي الذي يؤهلهم إلى الدخول إلى سوق العمل الدولي من أوسع أبوابه؟ كيف يمكن التغلب على مثلث عوائق البحث العلمي: التمويل، والمعامل المجهزة، والإدارة؟". وأكد أن الإجابة على هذه التحديات لن يكون بمجرد التمني، وإنما برؤية واضحة لمستقبل التعليم والبحث العلمي، وبفكر جديد يعكس فلسفة جديدة للأمن القومي، عن طريق تعليم يمد المجتمع المصري بكوادر وطنية فنية مدربة، وصولا إلى مستويات تنافسية عالمية. ولفت إلى أهمية أن يقوم التعليم على استحداث مناهج جديدة قائمة على أسس النمو في تصميم المشاريع البحثية، والتميز في أداء الباحثين والطلاب، والتطور في النظام الإداري، والبحث في قضايا الدولة، وتشخيص الاحتياجات، فقد أصبحت سمة العلم الجديدة هي"التطبيق" أو بلغة الاقتصاد "العائد الفوري". وأكد أن الأهم من هذا كله هو تطوير العقل المصري وتغيير طريقة التفكير عند المواطن، وبناء شخصية مسئولة.. واعية.. حرة.. ناقدة.. وقادرة على استثمار ذلك كله ومراجعته وتطويره من أجل نهضة حقيقية عميقة الجذور متأصّلة المنبت، فمؤسسات التعليم- من الحضانة إلى الجامعة - ليست مجرد مؤسسات لنقل المعارف إلى أبنائنا، بل مؤسسات وطنية نهضوية يقع العبء الأكبر عليها في بناء شخصية المواطن بوصفه جوهر الدولة، وأساس الأمن القومي. وأضاف أنه لا يمكن تجاوز هذه الحالة من العقم التعليمي دون التحول السريع والجذري إلى مناهج جديدة عصرية تستفيد من مناهج الدول المتقدمة، وتطبق طرق التعلم الحديثة التي تستهدف تكوين عقول منهجية مفتوحة، وبناء شخصية إنسانية متوازنة الأركان: روحا وجسدا ووجدانا ونفسا تحت قيادة عقل واع يقود ويوجه. وقال: " صنع الشخصية القادرة على العمل السياسي والفكري والإداري هو مهمة العملية التعليمية؛ لأن التعليم هو العامل الأكثر تأثيرا في معادلة الشخصية، وهنا يأتي دورنا في تكوين شخصية تتحكم في مستقبلها، تنظر له ولا تخشى خوض تجاربه على أساس من الإرادة الحرة واستقلال الذات، وبهذا يتكون لدينا رأس مال بشري Human Capital حقيقي يتمثل ليس فقط في كم الأفراد ذوي المهارات والقدرة على الإنتاج والمتعلمين والمثقفين، بل يتمثل كذلك في نوعيتهم وكفاءتهم". وأشار إلى أهمية إحداث ثورة تعليمية شاملة تتجه بنا إلى عصر التعليم الذكي، ولا تقف مجالات توظيف التعليم الذكي عند حد التعلم والبحث وفق أنظمة تكنولوجيا التعليم، بل يجب أن تشمل أيضا أساليب التقويم التي تعتمد على الأساليب الإلكترونية في إجراء الامتحانات وتصحيحها بما يخفف العبء التدريسي ويحقق سرعة وعدالة وشفافية بدرجة أكبر. وأكد أنه لا قيمة لهذا التعليم بدون التركيز في الوقت نفسه على قيم العمل والابتكار والإبداع، من أجل تطوير الوعي والعقلية العلمية وتفعيل دور العقل الناقد والإيجابي والمبدع ليحل محل العقل المتلقي والسلبي أمام المادة العلمية سواء الوافدة من الأمم المتقدمة أوالقديمة الآتية من أسلافنا العظام. وأضاف أنه بدون تنمية العقل لا يمكن الاستفادة من العلوم؛ لأن العقل غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية كما أشار أبوحامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" نقلا عن الحارث بن أسد المحاسبي. وقال: " نحلم بتكوين مؤسسات تعليمية إلكترونية، تعتمد بشكل جوهري على نظم المعلومات في الإدارة والتعليم والبحث العلمي، وذلك من خلال ميكنة كل العمليات، وتحويل المقررات إلى الشكل الإلكتروني عبر الوسائل الإلكترونية وخاصة الإنترنت والقنوات الفضائية أو غيرها من الوسائط المتعددة، فالكمبيوتر وغيره من أدوات تكنولوجيا التعليم الجديدة أكثر استجابة للفروق الفردية بين الطلاب، وهي توفر بيئة تفاعلية جاذبة، كما تثير دافعية الطلاب بدرجة أكبر". وأضاف أن هيلز Hills يقول في كتابه "التعليم من أجل عصر الكمبيوتر"، وأشار الخشت إلى أنه من المهم إنشاء قاعات دروس افتراضية Virtual Classrooms، إذ إنها سوف تقلل من ضرورة التواصل المنتظم المباشر بين المعلمين والطلاب من جهة، وتساعد بشكل فعال على الحد من الدروس الخصوصية، ولا تكتمل أركان التعليم الرقمي دون إعداد بطاقة الطالب الرقمية التي تشتمل على كافة بياناته الدراسية، من بداية اندماجه بالتعليم وحتى المرحلة التي وصل إليها. وأشار إلى أن التحول إلى جامعة إلكترونية هدف لم نصل إليه بعد، مع أن الهدف يجب أن يكون الآن هو الجامعة الذكية. وأكد أن روح السوق والتنمية ينبغي ألا تنسينا "البعد الغائب" في تنشئة الطالب، وهو الوجدان بوصفه الميدان الخصب للخيال والإدراك واللذين بدونهما لن يستطيع الإنسان أن يعيش من أجل المستقبل؛ مما يحتم عدم إغفال تعليم الأنشطة الإبداعية وممارسة الفنون والرياضة والإبداع الأدبي. وأضاف أن تنمية المواهب الثقافية والفنية والرياضية والأدبية وصناعة النجوم باتت ضرورة ملحة؛ ليس فقط من أجل تحويل "وجدان الطالب" وبناء شخصية متكاملة، ولكن أيضا لأن الطبيعة لا تعرف الفراغ، وإذا لم نملأ وجدان الطلاب بمكونات إيجابية؛ فسوف يدفعهم هذا إلى الممارسات الخاطئة سواء في السلوك أوالفكر؛ لأن الطلاب أكثر عرضة للتأثر بالعوامل السلبية نظرا لابتعادهم عن الرعاية الأسرية المباشرة؛ فضلا عن المحاولات المستمرة للتأثير فيهم من قبل الجماعات المتطرفة؛ مما يحتم ضرورة تحصينهم. وأكد أهمية الارتقاء بالحياة الطلابية على المستوى العقلي والنفسي والوجداني من خلال تنمية الذات والمهارات الشخصية للطلاب لإعداده لكي يصير مواطنا متكامل الشخصية، ويتمتع بقدرة على التواصل مع الآخرين، ويمتلك مهارات قيادية، ويجيد العمل ضمن فريق واحد، ومهارات التنظيم وفن التفكير الإيجابي ويكون على دراية بطرق بناء الذات وتطوير القدرات الشخصية، ويعرف طرق التفكير في المستقبل. وأضاف إن مصر تمضي يحدوها الأمل في تطوير مكانتها الدولية. وهذا الهدف الكبير لا يمكن تحقيقه فقط بتطوير النظم التعليمية والبحثية، بل لابد أن يواكبه جهد كبير من أجل بعث إرادة التقدم في عقول الأساتذة والطلاب، وهي مهمة قومية شاملة ترتبط بالتأكيد على الأهداف الوطنية للعملية التعليمية. وأكد أن التعليم ليس هو الخطوة الوحيدة في الطريق، بل هي مجرد خطوة أساسية، تليها مراحل ومراحل من الجهاد والنضال العلمي والإنساني، وقال :"حسبنا في هذا المقام أن نرصد ونلح على هذا الدور ونؤكده، وحسبنا أن نقوم به بكل عزم وإصرار. وإذا ما تمكنا من الوصول إلى ذلك، فإن مصر لن تتغير وحدها، بل العالم العربي كله".